Culture Magazine Thursday  13/12/2012 G Issue 389
فضاءات
الخميس 29 ,محرم 1434   العدد  389
 
البيوت
آباؤنا.. فاقد الشيء يعطيه مسروقاً
لمياء السويلم

 

في بيوت شرقية، ثمة آباء وأمهات يتحملون نزق أبنائهم وثورة الشباب، حياتهم الصاخبة وانفعالاتهم المشتعلة، هم آباء أكثر هدوءاً من أبنائهم، أقل غضباً وأسهل مزاجاً، أكثر صبراً وأقل تعقيداً. في تلك البيوت تفهم الأم بكاء ابنتها على طرف أغنية وستدمع لأجل قلبها الذي يحب، يعرف الأب معنى أن يصرخ ابنه من نصيحة منتهية الصلاحية، لأنه يتذكر معنى أن تكون ابن اليوم لا ابن أبيك. في بيوتهم تلك، يكبر الإنسان وينضج كل ما تساقط من شجرة عمره ورقة. فلماذا بيوتنا لا تشبه بيوتهم، ولماذا كلما كبر آباؤنا تخلوا عن نضجهم وتطبعوا بالهشاشة وضيق الرؤية في الحياة؟

تبدو أمهاتنا وآباؤنا قليلي الصبر سريعي الانفعال، مأزومين في ذواتهم يعانون في هوياتهم كما يعاني المراهقون، كثيري الشكوى والتذمر، عاجزين عن فهم أبنائهم كأنهم لم يمروا يوماً بتلك الحياة، غريبين عن الحياة وعن معاني الشوق والحماسة والطموح والأحلام والهزائم والمنافسات والخوف والقلق. لماذا تجف كلمات آبائنا وأمهاتنا في كل موقف تضع الأيام أبناءهم فيه، كيف لا يعرف الأب أن يمرر ولو رمزياً أنه يفهم قلق ابنه من الغد أو من الأبناء، لا يستطيع أن يفتح حواراً مطولاً ولا أن يرمي ضحكة في اللحظة المناسبة. لماذا تمرض قلوب الأبناء من نظرات آبائهم الصامتة أو صراخهم الذي لا يتوقف، ولا تشفى بقصة قصيرة بلا أسماء يعرف بها الابن أي دروب الحياة قد سلكها أباه!

تكرر الأم في بيوتنا صورة أمها بكل تفاصيل القلق والاكتئاب والعجز عن المغامرة وموت الرغبة، تناضل لتحافظ على صورة الأم الضعيفة العاجزة أمام رب بيتها والمسلمة أمرها للقدر الذي حكم لها بقلة الحيلة. لماذا تعيد الأم لابنتها نصائح مجمدة لم تعشها هي ولم تفسح لها فرحاً ولا فرجاً، نصائح هي تعرف قبل ابنتها أنها لم تغير من واقعها ولم تزدها رضى، تقولها كمن يؤدي واجبه مع العرف الاجتماعي على أكمل وجوه الخدمة، كيف تقدم الأمهات لبناتهم كتالوجات عن كيفية ضبط الرغبة وقتل الشهوة واتقان العبودية باسم البيت والحفاظ عليه، باسم المرأة الشريفة التي تحفظ الغيب ولو كان زوجها ضالاً في أطراف الأرض..

في بيوتنا ليس الآباء من يحتملون أبناءهم، بل هم الأبناء مجبرون بالخوف والسلطة بالبر بآبائهم. الأبناء في بيوتنا لا يعرفون لماذا ينافسهم آباؤهم في حفلة عرس ونجاحات العمل، لا يعرف الأبناء لماذا يشعر الآباء أنهم في سباق معهم على الحياة التي لم يعيشوها، لن يفهموا أن الأم التي تعيد ترتيب خزانة ابنتها بذوقها القديم، إنما ترتب خزانة شبابها التي لم تملكها، وأنها مثل طفلتها تخبئ في قلبها الأحلام والأسرار وتبكي ليلاً من وحدتها رغم الزوج والأبناء، لن تعرف البنت أن أمها تحسد ابنتها على حرية لم تنلها، ليس لأن الحب في قلبها أقل، بل لأن الحياة أقسى من أن تصيرها ملاكاً.

هم الآباء والأمهات في بيوتنا مجرد إنسان حرمه أبواه الحياة يوماً ويعيد هو شريط الحياة، فاقد الشيء يعطيه مسروقاً من نفسه.

lamia.swm@gmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة