Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
رجل ومؤسسة..مؤسسة رجل!
أ.د. فاروق أبو شقرا

 

إنه رجل إنساني، تميز بحبه الشامل لمجتمع تفرق أبناؤه وتراجعوا بمر الزمن وفي ظل الظروف القاهرة، وها هو الآن (عبدالعزيز سعود البابطين) يطل علينا من خلال مؤسسته (جائزة عبدالعزيز سعود البابطين) التي أطلقها بنفسه في خضم اختلاف المفاهيم والرؤى في العالم.

وهي موجودة اليوم بينما يعيش عالمنا صراع الحضارات وتصادمها، مشيدة جسرًا حضاريّاً يكون همزة وصل بين شعبنا العربي والشعوب الأخرى في العالم، أما مؤسسها فيضطلع بدور المرشد الذي يرشد الى الخير، والمبشر الذي يبشر بالحب والوئام والجمع بين المجتمعات، مهما تباعدت الفوارق وتفرقت المذاهب. فالإنسان بإيمانه بالله الواحد الأحد يقر بأن الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إلى الله أنفعهم لعياله.

لقد استرخص عبدالعزيز بن سعود البابطين العطاء والسخاء في سبيل الثقافة والأدب والتربية والتعليم بإقامة الندوات الشعرية في الداخل والخارج، ومنح الجوائز، وتنظيم الحوارات بين الأديان والحضارات، وإنشاء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية في العالم العربي والإسلامي، وما زال هذا العطاء الخيّر مستمرًا، لا يبتغي منَّة ولا شكورًا، كل هذا دليل على الإنسانية في حبه للخير للجميع، وعلى السلوك الأبوي مع القريب والبعيد، وعلى سعيه الدؤوب للصلح والإصلاح.

مكتبة البابطين هي اليوم صرح ثقافي نادر من حيث تركيزها على الشعر والمخطوطات الشعرية من منطلق أن (الإنسان يفنى والصرح وما فيه يبقى)، إنها مكتبة تتناول الشعر والمخطوطات الشعرية النادرة يصار إلى جمعها بلا كلل أو ملل، ومن كل حدب وصوب من العالم أجمع، ومثل هذا العمل الجبار في تجميع تراث مهدد بالضياع، وبالشكل المنظم الذي يجري فيه، لم يخطر على باب أحد في مجتمعنا لا على صعيد المؤسسات الحكومية ولا المؤسسات الأهلية.

وبناء عليه، يمكننا القول إن (أبا سعود) سبق زمانه في كل هذه الأمور، وفي مقابلة صحفية في هلسنكي عاصة فنلندا تمنى (أبو سعود) من غيره من الممولين في مجتمعنا أن يحذوا حذوه في مجال العطاء من أجل التثقيف والمساهمة في مشاريع مكافحة محو آفة الأمية لكي تحل محلها ثقافة (إقرأ).

إن الانتقادات وحدها لا تكفي، فالحوار والتلاقي يشكلان معًا أبرز ركائز الحل، وما تقوم به مؤسسة البابطين الآن من تنظيم مؤتمرات ولقاءات وحوارات، تجسيد عملي لكسر الحواجز وفتح أبواب التواصل، وبالتالي التفهم والتفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب، وصدق من قال (إن البُعد جفا).

لقد أقام كاتب هذه السطور نحو نصف قرن في كل من السويد وفنلندا، وتعلمت خلال هذه الفترة الطويلة أن أتكلم عن أمور لم ألمسها بذاتي. ولكن لحسن طالعي أنني جالست هذا الرجل، ولمست الكثير من منجزاته وآثارها، كما عرفته عن كثب في جلسات خاصة تخللها حوارات واستشارات وحتى النكات والمزاح، ولقد قمنا بترجمة ديوان له إلى اللغة الفنلندية بعنوان (مختارات من شعره) نشر عام 2005.

وفي يونيو (حزيران) من عام 2005 لبى (أبو سعود) ومعه الدكتور محمد الرميحي وكاتب هذه السطور دعوة إلى حضور ندوة (موكولا الأدبية) في فنلندا - حوالي 100 كلم من العاصمة هلسنكي - لفترة الأسبوع تقريبًا. وشاركنا في لقاءات مختلفة منها مع وزيرة الثقافة الفنلندية.

وبعد انتهاء الندوة سافرنا معًا إلى العاصمة السويدية استوكهولم تلبية لدعوة كنت قد مهدت لها ونسقتها مع المشرفين على مؤسسة نوبل ومديرها التنفيذي مايكل شولمان، فاستقبلونا بحفاوة، وبعدما جلنا في أرجاء المؤسسة جالسناهم في القاعة التي تعلن منها نتائج جائزة نوبل، وهذه القاعة عادة لا تفتح لأحد. ولقد جلسنا حول الطاولة الرئيسية على الكراسي التراثية العتيقة المزخرفة بالألوان الباهتة والطلاء الذهبي وهي مخصصة فقط للأعضاء الاثني عشر الذين يقررون جوائز نوبل. ويومذاك تباحثنا مع اللجنة في أمور مختلفة، ومن الأسئلة التي طرحها (أبو سعود) في ذلك اللقاء التاريخي كانت عن سبب حرمان العرب من جوائز نوبل، فأجاب رئيس المؤسسة (لو كان عرب العصر الذهبي في عصرنا هذا لحصدوا كل الجوائز)، كما لبى - كمندوب لمؤسسة نوبل - البروفسور سفانتا ليندكفيست دعوة مؤسسة البابطين لزيارة الكويت أكثر من مرة.

يقول المثل الشعبي (إن يدًا واحدة لا تصفق)، وهذا صحيح. فثمة أيضًا من كرّسوا وقتهم للمؤسسة بهمة وصمت في الكواليس، أذكر منهم الأمين العام الأستاذ (أبو منقذ) والأستاذ عبدالعزيز جمعة وغيرهما من العاملين الكرام في المؤسسة، فلهم أيضًا الفضل الكبير بالتعريف وتسيير أمور المؤسسة وتطويرها ولهذا يستحقون الشكر والتقدير.

وأخيرًا لا آخرًا، أود بكل إخلاص ومحبة أن أهنئ المؤسسة في ذكرى تأسيسها متمنيًا لها وللعاملين فيها كل النجاح والازدهار، كما أتمنى أن يكون هذا السِّفر داعية أمل لما هو خير لأبناء أمتنا وللإنسانية جمعاء كما ينظر إليها الصديق الكريم عبدالعزيز سعود البابطين. والله ولي التوفيق.

أستاذ في قسم الدراسات الآسيوية والإفريقية جامعة هلسنكي – فنلندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة