Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
جائزة البابطين ودورها الثقافي
أ. د. محمد عبدالرحيم كافود

 

زخر التراث العربي بالشعر والشعراء، واحتفت به الأجيال على مر التاريخ، وقيل ما قيل في الشعر ودوره في حياة الأمة في نهضتها وكبوتها، في أفراحها وأتراحها، كان الذاكرة التاريخية حين لم يسعفها الزمن لتدوين تاريخها، ومن هناك أصبح الشعر ديوان العرب، طالما رددتها أجيال تلو الأجيال، ومن هناك احتفت به الأمة وتفاخرت بشعرها وشعرائها.

ولا غرابة أن تكتب بعض أشعارها بماء الذهب، وتعلقها في أرفع الأماكن قداسة عندها.. واحتفت القبائل بشعرائها، فما يكاد ينبغ شاعر بين أبنائها إلا وأقامت الاحتفالات ابتهاجًا بنبوغه، إدراكًا منها لأهمية ودور الشعر والشاعر في حياة القبيلة والمجتمع، حيث كان المعبر عن قيم وتقاليد مجتمعه، يفاخر بها وينافح عنها، فدور الشاعر آنذاك دور الإعلام المعاصر.

وهكذا حظي الشعر والشعراء بمكانة لدى الخلفاء والحكام، وهذا لا ينتقص من دوره إذا استغله البعض في التكسب، واستغله الحكام لمآرب أخرى.

نقول إن للشعر مكانته في تاريخ الأمة وهو ما زال يلعب دورًا فاعلاً ومؤثرًا في المجتمعات وإن قلّ الاحتفاء به.. إلا أنه ما زال هناك من يعرف ويقدر قيمة هذا الفن. وخاصة من يدرك جماليات هذا الفن وأثره في الحياة، أولئك الذين مارسوه وشغفوا به، وقدر لهم أن يرفعوا من شأنه، فبادروا إلى إنشاء المؤسسات، ورصد الجوائز تشجيعًا ومحافظة على مكانة هذا الفن، وكان من بين أولئك الشاعر والأديب عبدالعزيز سعود البابطين بمؤسسته الموسومة ب (جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري).

وللحقيقة فإنه ظهر قبل ذلك وبعد ذلك العديد من المؤسسات الثقافية التي تعنى بالشعر أو الإبداع بصفة عامة نذكر منها على سبيل المثال.. جائزة سلطان العويس في دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة بتخصيص جوائز للإبداع الأدبي والفني ومن ضمنها للإبداع في مجال الشعر، ولكن ما تميزت به (جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري)، أن هذه المؤسسة قد جعلت فن الشعر محور نشاطها والهدف الأساسي وبؤرة الانطلاق إلى مجالات أخرى سواء في ما يتصل بالشعر من نقد ودراسات، وعناية بالموسوعات الشعرية، والندوات الشعرية والثقافية المصاحبة للاحتفالات الدورية التي تقيمها المؤسسة إحياءً لذكرى بعض الشعراء وهي كثيرة ومتنوعة. وبحكم مشاركتي وعضويتي في مجلس الأمناء لهذه المؤسسة، وجدت أن سرّ النجاح والإنجاز لهذه المؤسسة يعود إلى ذلك الدعم اللامحدود الذي يبذله لها مؤسسها ورئيس مجلس الأمناء الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، الذي كان غالبًا ما يطرح تلك المشروعات الرائدة والكبيرة وما تطلبه من جهد ومال، ولكن الإدارة والمتابعة وتجاوز المؤسسة لإجراءات الروتين المالي والإداري، قد حقق الكثير من الإنجازات، وخاصة في تلك الموسوعات الشعرية والدراسات والبحوث التي رافقت الندوات العلمية والمهرجانات الشعرية.

ولكن للأمانة لا بدّ من الإشارة إلى أن دعم الأخ عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس الأمناء وصاحب هذه المؤسسة.. لا يتوقف عند الجانب المادي الذي حقق لهذه المؤسسة تلك النجاحات، وإنما جهوده في التخطيط والتوجيه وطرح الأفكار لمثل هذه المشروعات التي تجلّت في إنجازات المؤسسة ما هي إلا ثمرة لتلك المقترحات والآراء والأفكار التي يقدمها.. فهو واحد من أولئك المثقفين والشعراء المهمومين بالثقافة العربية.

مما يذكر لهذه المؤسسة الرائدة دورها في عملية البحث و التوثيق وإعادة النشر للعديد من الدواوين الشعرية أو النصوص والقصائد التي استدركت على ما نشر من قبل، ولعل في «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» تلك الموسوعة الشعرية التي تم تنفيذها ما يشي أو يكشف عن حجم الجهد الكبير الذي بذل من توثيق ودراسة لتلك الأشعار التي جمعت بين دفتي تلك الموسوعة، التي سوف تكون مرجعًا وعونًا للباحثين أو المهتمين بالشعر العربي في تلك المرحلة. ومن الإيجابيات التي تذكر لهذه المؤسسة هو ما تقوم به من جمع ولم الشمل لتلك الفئة المهمومة في ميدان الشعر وفنونه بصفة خاصة وفي فضاء الثقافة بصفة عامة، حيث إن مثل تلك الندوات واللقاءات تستقطب أعدادًا كبيرة من المفكرين والمثقفين من مختلف أقطار الوطن العربي دون تمييز إقليمي، بل إنك لتجد أحيانًا كثيرة نخبًا من خارج الوطن العربي من أولئك المفكرين والمثقفين ذوي العلاقة بتلك الندوات، وكل ذلك لا شك أنه إثراء للفكر وسبيل للانفتاح والتسامح، وتلاقح للأفكار بين الثقافات.

نقول إن مثل هذه اللقاءات بين المثقفين والمفكرين من أبناء الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه ميزة تذكر لهذه المؤسسة التي أعتقد أنه عجزت عن القيام بها تلك المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية خاصة في مثل هذه المجالات ذات الطابع الثقافي.

وميزة أخرى تضاف إلى دور المؤسسة وسر نجاحها، هي أنها وضعت استراتيجية ومنهجًا واضحًا لتحقيق أهدافها، والتزمت بتلك الخطة والأهداف، وذلك نتيجة لرؤية واضحة قامت على أساسها هذه المؤسسة، وهذه الميزة حققت لها الكثير من النجاح وتحقيق الأهداف، لأن النظام المؤسسي لا يقوم ويستمر إلا إذا كان مبنيّاً على رؤية واضحة لأهدافها وإرادة قوية تسندها.

من هنا وجدنا أن البرامج والمشاريع والأنشطة المختلفة التي تقوم بتنفيذها هذه المؤسسة يتم إنجازها دون معوقات تذكر.

رغم أن بعض البرامج والمشاريع أو معظمها، ينفذ في دول ومناطق مختلفة من العالم وعبر أنظمة وقواعد وإجراءات متفاوتة. ولا أريد أن أقف عند تلك الأعمال والمشروعات التي قامت وتقوم بها المؤسسة فهي منشورة ومتاحة للاطلاع عليها.. ولكن للتذكير لا بدّ من الإشارة إلى شيء يسير من تلك المشروعات المنجزة في عجالة.. ومنها: ذلك المشروع الرائد والمتمثل في مكتبة الشعر العربي (مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي) من حيث كونها مكتبة متخصصة في الشعر وما يتصل به من أبحاث ودراسات، شاملة في مجال الشعر قديمه وحديثه، بالإضافة إلى الشعر الشعبي والنبطي والمطلع على أهداف المكتبة ودورها يجد أن المشروع قد تجاوز دور المكتبة التقليدية المتعارف عليه إلى دور المراكز البحثية، بل هي مؤسسة قائمة بذاتها، فهي توفر بيئة علمية محفزة للباحثين والدارسين في مجال الشعر وفنونه، لما تحتويه من مصادر ومراجع، وما توفره من أدوات وأجهزة حديثة ووسائل اتصال متقدمة تساعد الباحثين.

ومما يضاف إلى سجل هذه المؤسسة الرائدة في المجال الثقافي والفكري أنه لم يتوقف عطاؤها في حدود تلك المهام والأهداف التي رسمتها لنفسها في بداية إنشائها، بل تعدت طموحات القائمين عليها إلى تبني العديد من الأنشطة الثقافية والفكرية والتعليمية ليس على المستوى العربي فحسب بل تجاوزه إلى المستوى الإسلامي والإنساني، فعمّت مشروعاتها الرائدة مناطق مختلفة في العالم العربي والإسلامي وشكّلت حلقة تواصل فكري وثقافي وتنموي في مجالات مختلفة، فمن (مركز البابطين للترجمة) ودوره في التواصل الثقافي والفكري.. إلى (مركز البابطين لحوار الحضارات)، إلى تلك الدورات التدريبية والتعليمية المتنوعة التي طالت العديد ممن كانوا بحاجة إليها.. حيث وضعت المؤسسة ضمن أهدافها الاهتمام بالمواهب وتنميتها، وتطوير المهارات الفنية واللغوية والمهنية من خلال تلك الدورات التي تقيمها.. في مختلف البلدان العربية والإسلامية. ولعل أهم ما يسجل لهذه المؤسسة الرائدة هو ذلك العمل الجليل الذي ينم عن وعي حضاري وقيم إنسانية يمثلها القائمون عليها، وأعني بها تلك البعثات والمنح الدراسية التي طالت أعدادًا كبيرة من طلاب العلم من مختلف الجنسيات والأعراق، ومن يطلع على دليل منشورات المؤسسة يتضح له حجم وتسارع دورها في هذا المجال الإنساني الخيري..

إن الكثير من أبناء العالم العربي والإسلامي بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ويسهل عليهم طريق الوصول إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية للتزود بالعلوم والمعارف واكتساب المهارات، لأن في ذلك فلاح الأفراد والمجتمعات، والحقيقة إن تراثنا الثقافي الإسلامي كان حافلاً في الماضي بمثل هذه الأعمال العظيمة حيث كان الموسرون يقدمون المال والعون لطلاب العلم.

إن هذا الدور الكبير والرائد الذي تقوم به المؤسسة لهو جدير بالتقدير وأن يكون نموذجًا يحتذى من قبل الأفراد والمؤسسات، ولكن قبل أن أنهي حديثي لابدّ من الإشارة إلى أن سر نجاح المؤسسة وما حققته من إنجازات لا يعود إ لى الدعم المالي فحسب، وإنما إلى الدور الذي يقوم به مؤسسها من جهد فكري ومتابعة مستمرة، حيث تفرغ لقيادة المؤسسة بتوجهها الفكري والثقافي، وأصبحت بصماته واضحة في برامجها ومشروعاتها.. تلك مؤسسة باسقة تفرعت وأينعت، وأُتيت ثمارها من كل لون وصنف، واستظل بظلها القريب والبعيد، فبوركت جهود القائمين عليها والراعين لها، وكل من آزرها.. وكل من سلك نهجها.

وزير التربية والإعلام سابقًا في دولة قطر

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة