Culture Magazine Thursday  14/06/2012 G Issue 377
الملف
الخميس 24 ,رجب 1433   العدد  377
 
المال وحده لا يكفي
أ. محمد بن عيسى

 

يطيب لي، في مستهل هذه الكلمة، أن أزجي خالص شكري للسيد رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، على تلطفه بالدعوة الكريمة التي تتيح لي تجديد اللقاء، في هذه الاحتفالية البهيجة، بوجوه أعرفها وأخرى سأسعد بلقائها والتعرف عليها والإصغاء إليها.

إن أحب المناسبات إلى نفسي، تلك التي تجمع نخبة المفكرين والباحثين وصفوة المبدعين وخيرة الإعلاميين، في ظل أجواء منعشة للذهن والوجدان. وهذه الاحتفالية بالذات تزخر بالمقاصد النبيلة، مثلما أنها ترمز إلى كل معاني الوفاء للأشخاص والأمكنة. ففي هذا الفندق، المثقل بما شهده من أحداث التاريخ السياسي والثقافي والفني، أشعل مضيفنا، الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين، الشمعة الأولى، إيذانًا بتأسيس مؤسسة باسمه تمنح جوائز في الإبداع الشعري، وذلك قبل عقدين من الزمان، رفقة ثلة من الأدباء والمثقفين، التفوا حوله وتلقفوا فكرته، مدركين فوائدها للنهوض بالشعر العربي، وهو ديوان الأمة الناطقة بالضاد، فانخرطوا في مشروعه وحفزوه على السير دون تراجع عن الهدف المبتغى. فما خيب ظنهم وما أحبط آمالهم.

وإذ نشاطر جميعًا أخانا الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، في هذه الأثناء، متعة اللحظات الرائقة بأعز المشاريع إلى نفسه، ونسترجع معه ذكريات التأسيس المثيرة، وقد بلغت المؤسسة درجة النضج وأصبحت قادرة على إكمال المهمة الثقافية التي رسمتها غاية ومقصدًا، فإني أستطيع القول إنه ما كان لهذا الصرح الثقافي أن يستوي على دعائم ثابتة، لولا الجهد الموصول، والمثابرة المستمرة، والتضحية بالوقت والراحة، وتسخير كل الوسائل المادية والمعنوية. بذلها بسخاء وتفان راعي هذا الجهد الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين. لولا ذلك، لما أمكن لنا حضور احتفالية بهذا الزخم. شخصيًا أرى أنها احتفاء وتثمين لرصيد غني من المنجزات والنتائج الثقافية المحققة، قبل أن يكون الاحتفال مجرد إطفاء الشمعة العشرين، إيذانًا بانصرام عقدين من عمر المؤسسة المديد، إن شاء الله.

وصدقوني، ومن وحي تجربة مماثلة أطلقناها في مدينة أصيلة المغربية، وأقصد، مؤسسة منتدى أصيلة، قبل أكثر من ثلاثة عقود والتي أتشرف بالاضطلاع بأمانتها العامة، أن أدليت أمامكم بشهادة مفادها أن المال وحده لايكفي لنجاح المشاريع الفكرية الرائدة، إذا وهنت عزيمة القائمين عليها وضعف حماسهم واستسلموا للصعاب منذ البدايات الأولى.

وتعلمون أن العمل في الحقل الثقافي بأوطاننا العربية، ليس بالتمرين الهين. مازال الاشتعال فيه محفوفًا بالعديد من المثبطات والعراقيل، ينصبها في الطريق أشخاص متشككون أو جهات عاجزة أو متكاسلة. وحينما سيدوّن الأستاذ عبدالعزيز البابطين سيرة وتاريخ مؤسسته، المشعة بهاء ونضارة، لا شك وأن تستوقفه ذكريات من هذا القبيل وهو يستعيد أطوار المغامرة اللذيذة.

وأنا أستعرض ما حققته مؤسسة البابطين، بجهود ذاتية، في مجال النهوض بالإبداع الشعري العربي وبالثقافة على وجه عام، تدهشني تلك الحصيلة، لكني لا أجدها غريبة على سليل أسرة «البابطين» المحبة للعلم والمعرفة، الشغوفة بالآداب. فهنيئًا لها بابنها الشاعر المبدع الأستاذ عبدالعزيز. فقد عرف متى وكيف يحمل المشعل الوهاج، ليضيء دنيا الشعر في أرجاء الوطن العربي، رابطًا بين الشعراء بوشائج التعارف، ما مكنهم من الاطلاع المتبادل على تجارب بعضهم البعض، والإفادة من منجزات التكنولوجيا الحديثة التي يسرت سبل التفاعل الثقافي عبر المسافات المتباعدة.

وحيث إن الأستاذ عبدالعزيز البابطين، صاحب خيال شعري محلق يرتاد الآفاق البعيدة، فإنه لم يكتف أن تظل خدمات مؤسسته الزاهرة منحصرة في الارتقاء بالإبداع الشعري قديمه وحديثه، وإنما أضاف إلى أهدافها العناية بالثقافة بمعناها الشامل والتربية والتعليم، عن طريق رصد المنح للطلاب المتفوقين لمواصلة التحصيل الجامعي.

وفي نفس الصدد، أصبحت مؤسسة البابطين شريكًا لعدد من المؤسسات الإقليمية والدو لية العاملة في نفس المجال، وأثمرت تلك الشراكة مجموعة من الملتقيات والندوات الناجحة، كما ساهمت، وقد أصبحت ذات صيت عالمي، في الجهود الساعية إلى إقامة حوار مثمر بين الحضارات والثقافات، انسجامًا مع ما يمثله عصرنا الراهن من مشكلات وما يحمله من أزمات متتالية مستعصية، يتوجب أن يتضافر الأدب والعلم للتخفيف من حدتها. استحق الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين على كل تلك الخطوات الموفقة، التقدير والثناء من لدن المحافل الفكرية والأكاديمية في عدد من الدول.

ومما يبعث البهجة والسرور في نفس المثقفين والمبدعين، أن تكون دولة الكويت الشقيقة، مهد الأفكار التي انبثقت عنها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وجرى تجسيدها فعليّاً فوق أرض جمهورية مصر العربية الشقيقة، تأكيدًا على عناصر الوحدة في الثقافة العربية لتنطلق المؤسسة وتتوسع وتنفتح سنة بعد أخرى على المبدعين المجيدين والدارسين المقتدرين في كل الدول العربية، الممثلين في مجالس المؤسسة ولجانها، مما يضفي المصداقية على جوائزها وقراراتها. وبفضل معاجم الشعر والشعراء التي أصدرتها المؤسسة في طبعات، توفرت للقارئ خارطة شبه كاملة للشعر العربي المعاصر، تعين الدارسين في التعرف على انشغالات الشعراء ورصد ملامح التطور الفني خلال مسارهم، وكيف ومتى أجادوا أو أخفقوا في التعبير. ومثلما اهتمت المؤسسة بالشعر كتراث جماعي، فإنها التفتت إلى الشعراء رواد التجديد، باعتبارهم قامات سامقة طبعت الأجيال التي أتت بعدهم، فأوكلت إلى خيرة الباحثين والنقاد دراسة آثارهم وعرضت نتائج ذلك في تظاهرات ثقافية كبرى، كما تولت إصدار دواوينهم الكاملة، في حلل طباعة زاهية وأنيقة. وهذه مجرد أمثلة.

وفي الختام، فإني أتمنى من صميم القلب اطراد النجاح لمؤسسة البابطين، ودوام التمتع بالصحة والعافية لراعيها الغيور عليها، الأستاذ عبدالعزيز، والسعادة لكل الذين يسهرون بجانبه على هذا العمل الجدير بالإشادة منا وممن سيأتي بعدنا.

وزير خارجية المغرب السابق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة