Culture Magazine Thursday  15/11/2012 G Issue 385
عدد خاص
الخميس 01 ,محرم 1434   العدد  385
 
مواهب وإبداع
عبدالله الخشرمي *

 

ليسمح لي الأمير خالد الفيصل أن أنحي جانباً (سمو الإمارة) لأني أرى في الثقافة والإبداع اللذين اختطهما منهجاً (سمواً) يعلو على أي سمو ولنأتمر بالقيم الثقافية التي آمن بها كرسالة ومنهج لترتفع على كل إمارة ومنصب.

ذات صباح ماطر قررت أن ألتقي به في مكتبه بإمارة عسير، لم يكن لدي مطلبا ومن حسن الحظ أنني أتحدث الآن عنه ومعه، ولم أذكر قط أنني تقدمت بمطلب شخصي أو خاص له طيلة معرفتي به لقرابة ربع قرن وهذا ما يجعلني أتحدث هنا بروح الحيادي والموضوعي، أذكر أنني ذهبت إليه ذلك الصباح وكانت مفاجأة له أن يكون اجتماعي به حول مشروع قصيدته المغناة (مجموعة إنسان) وفوجئ أكثر عندما علم أن موضوعي معه قبل سفري هو فقط إبداء إعجابي بهذا النص، وبالتالي أخرجته في نصف ساعة من هيبة الإمارة إلى مهابة الإبداع واستغرق في ابتسامته وهو يحدثني عن النص وقلت له وأنا أودعه مغادراً أبها البهية: (لو لم تكتب في حياتك سوى هذه القصيدة لكفتك) وأنا أودعه كنت أقرأ في وجهه مدى استغرابه وسعادته عندما تأكد (دايم السيف) أنه لم يكن لدي موضوع سوى هذا الموضوع.

هناك أمور لن أنساها في مشواري الإعلامي مع مجموعة إنسان خالد الفيصل أذكر أنه عندما بدأ التأسيس لجريدة الوطن كان حريصاً على مشاركتي العملية في التأسيس المبدئي للرؤيا التي انطلقت منها جريدة الوطن، وأكد لي ذلك الصديق العزيز د. فهد العرابي الحارثي -رئيس مجلس إدارة الوطن- في ذلك الحين وفعلاً عقدنا عدة اجتماعات مهمة حول المشروع مع عدد من رموز الصحافة والتسويق الإعلاني في المملكة بجهد وحضور فاعل من أخي الدكتور فهد وذلك بمقر عملي في ذلك الحين بالغرفة التجارية الصناعية بجدة.

أيضاً لا أنسى دعمه لإنشاء غرفة أبها وهذا ما دفعني إلى أن أنقل تجربتي في مجلة التجارة في غرفة جدة عندما كنت رئيساً لتحريرها في الثمانينات الميلادية إلى غرفة أبها وطرحت على الأستاذ عبدالله أبو ملحة رئيس غرفة أبها في حينها تأسيس أول تجربة صحفية في المنطقة الجنوبية أطلقت عليها (مجلة الجنوب) وقد حظيت هذه التجربة بدعم الأمير فيصل بن بندر -نائب أمير منطقة عسير- أنذاك ودعم كبير من الأستاذ أبو ملحة رئيس غرفة أبها والأخ محمد المطوع أمين عام الغرفة في ذلك الحين، وانطلقت هذه التجربة والتي كرمني بموجبها المثقف خالد الفيصل بعد عشرين عاماً في احتفالية الغرفة التجارية بأبها ولن أنسى ذلك الدور الكبير لأخي المرحوم الأديب علي آل عمر في الانطلاق بهذه التجربة الأولى في جنوبنا الحبيبة. ولن أنسى أيضاً ذلك الدور الفعال للأخ سعيد عسيري – عضو المجلس ورئيس اللجنة السياحية في الغرفة التجارية.. وظل دعم المثقف خالد الفيصل متواصلاً لهذه التجربة الرائدة.

هناك موقف للمثقف خالد الفيصل ورائد السياحة الأولى في المملكة، فقد تمت دعوتي محاضراً في ندوة السياحة الكبرى في أواخر التسعينيات الميلادية بمشاركة الإخوة: مسفر المسفر - وكيل وزارة الإعلام ود. هاشم عبده هاشم والأخ محمد التونسي، واستغرب الأستاذ عبدالله أبو ملحة المشرف على المنتدى بأني لا أحمل في يدي محاضرة في ندوة (السياحة الكبرى بأبها) وعندما سألني عن النص لتوزيعه على الإعلاميين قلت: لا أملك سوى سطر واحد هو محاضرتي ويسهل توزيعه.

وعندما انتهى المحاضرون قلت: إنه لن تقوم للسياحة قائمة في المملكة ما لم تتكامل أركان السياحة من خلال ضرورة تأسيس هيئة عليا للسياحة والآثار.. وقد انقسم الحضور بين المتشددين والمستنيرين، فحوربت الفكرة وأيدت، وكم كانت سعادتي عندما علمت أن هذه الفكرة أو (المحاضرة السطر!!) أصبحت التوصية الأولى والأهم في المنتدى وفعلاً احتوى هذه الفكرة المثقف خالد الفيصل خصوصاً أنه تمت مطالبتي مساء في احتفالية خاصة بالضيوف بحضور الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- أن أعيد طرح الفكرة أمام سمو الأمير سلطان لأجد أن الأمير سلطان يأخذ زمام المبادرة ويؤكد نفس الفكرة في أنه لن يقوم للسياحة قائمة ولن تتكامل أركانها إلا من خلال إنشاء هيئة عليا للسياحة والآثار في المملكة وكان المثقف خالد الفيصل بعد ذلك متابعاً وحاثاً على ضرورة إنشاء هذه الهيئة حتى ظهرت على السطح وكان خبر هذا المشروع هو المانشيت الرئيس في صدارة معظم الصحف السعودية في اليوم التالي للندوة، وتولى المثقف والمسؤول خالد الفيصل السعي الحثيث من أجل تحقيق هذا المقترح رغم ما عانته هذه الفكرة من هجوم واختلاف.. موقف إنساني وله منزلة عندي شخصياً في مساء أحد الأيام اتصل بي صديق (مسعود الرفيدي) وسألني: (هل رأيت مقابلة الأمير خالد الفيصل في الـ mbc)؟ فأجبته بلا.. فرد علي: (فاتك نص عمرك).

فضحكت وقلت خيرها في غيرها، وبعد نصف ساعة من مكالمة الصديق الرفيدي جاءني اتصال من المنطقة الجنوبية وإذا بي أفاجأ على الخط الآخر بالمثقف خالد الفيصل دون وسيط أو هالة تحويلات كما تعودنا من البعض.. فبادلته بضحكة عميقة لم يعرف هو سببها.

سألني ما مصدر ضحكتك الطويلة فرويت له القصة عن المقابلة التي لم أتابعها (وكيف أنه فاتني نصف عمري!!! وقلت: أنا الآن باتصالك اكتشفت أن نصف عمري الذي فات قد عاد إليّ فما كان منه إلا أن ضحك ضحكة عميقة ودخلنا في الموضوع وإذا به يكلفني بمهمة حيث إن سمو الأمير سلطان سيفتتح جريدة الوطن بعد أسبوع، وأن عليّ اختيار من أرى وأدعو باسم خالد الفيصل كل الشخصيات المميزة على مستوى الإعلام أو الأعمال أو الثقافة، وأن هناك طائرتين جاهزتين للضيوف ستنطلق من جدة والرياض فأكبرت فيه هذه الثقة، وكان له ما أراد على الرغم من أنه لا يربطني به أي عمل رسمي، ولكن كانت ثقة منه أحترمتها جداً، وسعدت بعد انتهاء مناسبة افتتاح جريدة الوطن بكلمة إنسانية قيلت في حقي من الإنسان (الإنسان) خالد الفيصل كان لها أثر الهتان على اخضرار الشجر.

وهناك موقفان عندما تولى الإنسان المثقف خالد الفيصل إمارة منطقة مكة كنا في منزله مع نخبة جداوية يحدثنا أن مدينة جدة ليس لها هوية ولكني تداخلت مع المثقف خالد الفيصل، وأكدت أن مدينة جدة لها هوية بالفعل ولكنها مقلدة أو مستنسخة من غيرها فسألني عنها.

فقلت إن نافورة جدة هوية لكنها انتقلت بالعدوى والتقليد من نافورة جنيف الشهيرة ففاجأني المثقف الإنسان بأن طلب مني عمل تصور حول هوية اقترحها وتميز مدينة جدة عن سواها فوعدته أن يكون ذلك خلال أسبوعين وخلال عشرة أيام أي قبل الموعد بأربعة أيام ذهبت إلى القاهرة واجتمعت مع مجلس إدارة المركز العربي للثقافة والإعلام وقدمت له مقترحاً عبارة عن دراسة مختصرة ولكنها مفصلة ورقمية تحت مسمى مشروع (مركز جدة الحضاري) ووجدت من المثقف الإنسان خالد الفيصل الدعم للفكرة والتأييد وعمد رجل الدولة خالد الفيصل من أخي المهندس عادل فقيه عندما كان أميناً لمدينة جدة الاهتمام بدراسة المشروع واستكمال وضع الأسس لانطلاقة المشروع على الواقع وتوالت اجتماعاتي مع المهندس عادل و مسؤولي الأمانة وكم أسعدني أن تكون نفس الأرقام التي حددتها دراسة المركز العربي للثقافة والإعلام هي نفس الأرقام التي اعتمدت من قبل أمانة جدة ومن قبل الغرفة التجارية الصناعية بجدة والتي حظيت في النهاية بعمل مجسم كلف ملايين الريالات مع دراسة الجدوى الشاملة للمشروع وتم اقتراح أن يكون المشروع شمال مطار الملك عبدالعزيز الحالي على مساحة تزيد على مليون ونصف المليون متر مربع، وكم كانت سعادتي بلا حدود أن قام ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتدشين انطلاقة هذا المشروع الحضاري بجدة في حفل رسمي بمدينة الرياض بتاريخ: 10ـ1ـ2010م ليأخذ المشروع مسمى مركز الأمير سلطان الحضاري وبتكلفة تقدر بـ 400 مليون ريال إضافة إلى التكلفة الباهظة للأرض ليصبح هذا المشروع أضخم مشروع ثقافي على مستوى العالم العربي في حالة تحققه وأكد لي الإنسان المثقف خالد الفيصل أن هذا المشروع سيكون هناك نموذجان له في كل من مدينتي مكة المكرمة والطائف، وأنا أستصرخ أعماق المثقف والمسؤول (خالد الفيصل) بأن يواصل تحقيق هذا الحلم الهوية الحضارية والتاريخية لمدينة جدة تضاف إلى تاريخه الإبداعي.

وأخيراً فإني أشيد بالدور الداعم الذي حظيت به من المثقف والمسؤول خالد الفيصل في مشروع مكتبة الملك فهد العامة بعد أن تكسرت أحلامي مراراً لكي أرى هذا الحلم نابضا بالإشعاع الثقافي والمعرفي وأستطيع القول بثقة إن هذا المشروع سيرى النور خلال أشهر وجيزة بعد قرب افتتاحه وتحويل هذا الحلم إلى صرح معرفي حقيقي لأهالي مدينة جدة وبعد انتظار مرير دام لأكثر من عشرين عاماً.

ورسالة أخيرة أنني أتمنى على المثقف والمسئول خالد الفيصل أن أرى طروحات مؤسسة الفكر العربي الجريئة والمستنيرة ماثلة للعيان على الواقع الفعلي على مستوى المملكة العربية السعودية ليكون المثقف خالد الفيصل أحد أبرز مؤسسيها ومحققيها على المستوى الفكري والتعليمي والإصلاحي في المملكة العربية السعودية.

* رئيس المركز العربي للثقافة والإعلام

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة