Culture Magazine Thursday  16/02/2012 G Issue 363
فضاءات
الخميس 24 ,ربيع الاول 1433   العدد  363
 
الشعر العربي القديم والحكايات الخرافية (1)
فاضل الربيعي

 

كانت نظرية تعارض الشعر مع القرآن، نتاج سجال متشعب، دار في الأصل وخلال فترات مختلفة، بين الفقهاء لا بين النقاد. وهذه مفارقة كبرى في الثقافة العربية القديمة، لم يتسن للنقاد المعاصرين التأمل في نتائجها. في الواقع لم يشعر المسلمون في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأي حرج من الترنم بالشعر الجاهلي - إلا ما خالف التوحيد والقيم الروحية الجديدة التي جاء بها الإسلام. وكان هدف السجال الذي دار بين الفقهاء، كما يتضح من قراءة متعمقة في النصوص التي تركها لنا هؤلاء، بناء تصورات دينية جديدة عن قيمة الشعر العربي القديم، وليس نفي قيمه أو تحريمه. لكن هؤلاء وفي سياق السجال، استخدموا بعض الصور الشعرية المشكوك في نسبتها، وقد تكون موضوعة أو منحولة، وهم لهذا الغرض قاموا باستخدام نص حديث ابن عباس -رضي الله عنه- حول موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- من شعر أميّة بن أبي الصلت. يقول ابن عباس -رضي الله عنه-: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدق أمية بن أبي الصلت في بيتين من شعره. قال حين سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قول أمية:

زحل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد.

وحين سمع قول أمية:

والشمس تطلع كل آخر ليلة

حمراء يصبح لونها يتورد

تأبى فما تطلع لنا في

رسلها إلا معذبة وإلا تجلد

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «صدق». ولتأويل هذه الرموز، قام الفقيه الكلوذي بمضاهاتها مع صورة الملاك جبرائيل (فلما كانت الصورة صورة أسد، وثور، ونسر، وإنسان، ولم يكن ملكاً للصورة، وإنما هو ملك بخاصية إنسان وصورته، ألا ترى أن جبريل عليه السلام كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية الكلبي، وهو -صلى الله عليه وسلم- بصورته التي هي صورته، كما شاء من عظم خلقه، وعجب صورته) وأما الوجه الذي يقع فيه فساد الشعر، بالنسبة له ومن وجهة النظر الدينية، فأخبار متقادمة كان الناس في الجاهلية، يروونها تشبه أحاديث الخرافة. وهذه الأخبار صاغها أمية في قصائد تفيض بالصور الأسطورية، وتناقلها العرب جيلاً بعد جيل. ومع أن من الصعب إثبات أن هذه القصائد هي من شعر أمية، فقد أخذ بها بعض النقاد كدليل على العقل الأسطوري العربي (كقولهم: إن الضب كان يهودياً عاقاً، فمسخه الله تعالى ضباً، ولذلك قال الناس أعق من ضب ولم تقل العرب أعق من ضب لهذه العلة، وإنما قالوا ذلك لأنه يأكل حسوله إذا جاع). قال الشاعر:

أكلت بنيك أكل الضب حتى

تركت بنيك ليس لهم عديد

وكقولهم في الهدهد: إن أمه ماتت فدفنها في رأسه، فلذلك أنتنت ريحه، وقد ذكر هذا أمية بن أبي الصلت فقال:

غيم وظلماء وفضل سحابة

أيام كفن واستراد الهدهد

يبغي القرار لأمه ليجنها

فبنى عليها في قفاه يمهد

فيزال يدلج ما مشى بجنازة

منها وما اختلف الحديث المسند

وكقولهم في الديك والغراب: إنهما كانا متنادمين، فلما نفد شرابهما رهن الغراب الديك عند الخمار، ومضى فلم يرجع إليه وبقي الديك عند الخمار حارساً. فقال أمية بن أبي الصلت:

بآية قام ينطق كل شيء

وخان أمانة الديك الغراب

في الواقع لم يتسن لنقاد الشعر الجاهلي من المنظور الديني -كما تجسده تجارب الفقهاء المسلمين- الذين عرضوا أفكارهم في مؤلفات ضخمة، تناولت من بين ما تناولت علاقة الشعر بالقرآن، لا التخلص من روح التعسف في التأويل، ولا استلهام أفكار جديدة. لقد قام الفقهاء بالنيابة عن النقاد تقديم تصورات إشكالية، فهم مثلاً لما رأوا في هذه القصائد سوى إعادة إنتاج للخرافات، ولم يروا فيها أي أبعاد رمزية.

هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة