Culture Magazine Thursday  16/02/2012 G Issue 363
فضاءات
الخميس 24 ,ربيع الاول 1433   العدد  363
 
الحماية مفقودة..(انتبهوا أيها السادة)..!!
هل من أديبٍ تخلو بداياته من الشطحات؟!
فيصل علي أكرم

 

بغض النظر عن كون الشطحات كبيرة أو صغيرة، فلو أنه وجد من ينشر له شطحاته الصغيرة سيتمادى إلى كبائر لا يقصدها ولا يفقه فيها إنما هو يترك العنان فقط للجنون والمغايرة ومعاكسة السائد بالمختلف واهماً أنه بذلك سيلفت الأنظار إليه وسيكون (ظاهرة) لأحاديث المجتمع، ولا يهمه إن كانت تلك الأحاديث سلبية أو إيجابية فالمهم عنده أنها تدور حوله وحول ما يطرحه من أفكار!

نعم، كلنا – أو أكثرنا - كنا ذلك الشاب في بداياتنا، وكل مسؤول عن التحرير الثقافيّ في أيّ صحيفة من الصحف المعروفة – ما قبل الصحف الإلكترونية والفضاء المفتوح – لا شك أنه يحتفظ بكثير من تلك (الشطحات) التي كانت تصله من أدباء كانوا في بداياتهم، ولا شك أيضاً أنه قد حماهم بعدم نشرها، وها هم اليوم أدباء على قدر من المسؤولية والنضج الذي يكفل لهم الحماية (الذاتية) التي كانوا يفتقدونها في تلك البدايات..

سأفصّل كل شيء بإيجاز، ولكن دعوني أقف عند اسم (حمزة كشغري) الذي ضجّ ضجّة كبرى لدرجة أن قال بعضهم إن من يذكر هذا الاسم سيكون مصيره (القصاص)!

حسناً، أنا ذكرته الآن لماذا؟ لأقول إنني لم أرَ هذا الاسم إلاّ مرة واحدة هنا في (الجزيرة الثقافية – العدد 302) قبل عامين تقريباً في مقالة صغيرة يتساءل فيها (لماذا نكتب؟) وكان الفتى – ومن صورته المرافقة لاسمه يتضح صغر سنه – يتكلم وكأنه الكاتب الكبير الذي أفنى شبابه وكهولته في الكتابة دون جدوى!

بعد تلك المقالة لم أرَ اسم (حمزة كشغري) إلاّ مع الضجّة الكبرى التي تناقلتها وسائل الإعلام، والمطالبات بإعدامه جرّاء تطاوله على الله (تعالى ذكره) وعلى رسوله (عليه السلام) بكتابات نشرها عبر موقع (تويتر). وقد صدرت أوامر من الجهات الرسمية العليا في بلادنا بالقبض عليه أينما كان وتقديمه للمحاكمة الشرعية..

كلّ ذلك لا اعتراض عليه أبداً، فلا أحد يقبل المساس بالثوابت، وشرع الله هو المتبع دائماً. وأنا هنا لستُ بصدد مناقشة ذلك، بل إنني أقول: لم أقرأ حرفاً من تلك (الكتابات التويترية) وليس لي حساب دخول إلى موقع (تويتر) ولم أسعَ إلى ذلك أبداً، لماذا؟

لأنني أفهم طبيعة الكتابة الفكرية، وكيف هي تندفع في بدايات كل محاول لها، ولأن (التويتر) مفتوح بلا رقيب يضبط النشر فيه فسيكون جلّ ما ينشر هناك (شطحات) من مراهقين في بداياتهم. واتضح لي بعد ذلك أن صاحب تلك الكتابات الكارثة (حمزة كشغري) لم يكمل الثالثة والعشرين من عمره..

أكرر (لم أقرأ ما كتبه الفتى حمزة في موقع تويتر، ولن أقرأه) ولكني سأجري مقاربة بسيطة بين حمزة كشغري عندما نشر مقالة في (الجزيرة الثقافية) وكان في الواحد والعشرين من عمره، وبيني أنا – شخصياً – حين كنتُ في الواحد والعشرين من عمري، ومحور المقاربة هذه الصحيفة (الجزيرة) أيضاً..!

لا أزال أذكر مقالة كتبتها أهاجم فيها الشاعر الأشهر في عصرنا (نزار قباني)، الذي كان في عزّ نجوميته وقتها، وأصفه بالمتشاعر والبريء من الشعر براءة الذئب من دم ابن يعقوب (!) وكنتُ حينها أنشر محاولاتي الكتابية في الجزيرة، غير أن المسؤول عن التحرير (وهو نفسه المسؤول حتى الآن) الأستاذ إبراهيم التركي – لم يكن دكتوراً آنذاك – حماني من (شطحتي الصغيرة) ولم ينشر تلك المقالة. أقول الآن: ماذا لو كان في ذلك الوقت – قبل ربع قرن – مواقع إلكترونية ليس فيها أيّ مسؤول عن النشر، كما هو اليوم (تويتر)؟ بالطبع كنتُ سأكابر بحداثة سني وتجربتي وسأنشر تلك المقالة (بضغطة واحدة على أيقونة الإرسال) وسأجد في الفضاء المفتوح من يصف تطاولي على شاعر كبير أنه (قمة الإبداع) ويصفني بالأستاذ (المثقف) ويشجعني على المزيد.. وكنتُ وقتها بالفعل أحضّر لمقالة أخرى أنزع فيها الشاعرية عن (المتنبي) مرة واحدة!

وماذا بعد نزع صفة (الشاعر) من (المتنبي ونزار)؟ الله أعلم.. ولكني أعترفُ الآن أن ما كتبته في تلك المقالة التي لم تنشر لم يكن يعبّر عن قناعاتي بل كان بدافع (خالف تعرف) لا أكثر – وربما أقلّ..!

أعود إلى الشاب حمزة كشغري (وصفة الشاب كانت ترافق كل اسم لكاتب جديد عشر سنوات على الأقل) وأقول: لا شكّ أن الدكتور إبراهيم التركي حين نشر له مقالته الأولى كان يؤدي واجباً ثقافياً وصحافياً في تشجيع شاب مقبل على الأدب، ولا أدري لعل في عدم نشره له بعد ذلك هو ما رآه من شطحات تبدو على مقالاته. فلو أن الزمن الذي عشته في بداياتي هو الزمن الذي يعيشه الآن حمزة كشغري، فماذا كان سيفعل سوى الانتباه إلى أن أفكاره (شطحات) وكان انتبه لها وهي صغيرة لم تكبر بعد، وما كان سيصل إلى ما وصل إليه (وأنا لا أعرف ما وصل إليه، كما قلتُ آنفاً) أليس كذلك؟

ف.. (انتبهوا أيها السادة) وهذه العبارة هي عنوان لفيلم سينمائي قديم يحكي قصة بوّاب عمارة ابتكر مهنة (المتاجرة بالنفايات) فحقق ثروة طائلة اشترى بها العمارة وصار يتحكّم في مصائر سكانها بأمواله التي جمعها من نفاياتهم!. وقد استعرتُ العنوان لأن ذلك الفيلم كان سبباً في قيام الناس بإنشاء مؤسسات تعمل في (تدوير النفايات) والاستفادة منها؛ فهل ننتبه لشبابنا من (الشطحات) وننشئ جهات تتولى حمايتهم من الفضاء المفتوح الذي يضخّم شطحاتهم ويصوّرها لهم طرقات واسعة لشهرةٍ وهميةٍ لا يعلم نهايتها إلاّ الله..؟

(من بديع الحكم):

قيل: أفتى ابن عباس – رضي الله عنه - عندما سأله رجل عن توبة من قتل مسلماً، بقوله: لا توبة له. وسأله آخر، فقال: له توبة. فلمّا استفسر منه جلساؤه، قال: أمّا الأول، فرأيت في عينيه العزم على القتل فسددتُ الباب أمامه. وأمّا الثاني، فقد جاء نادماً، بعد أن قتل، فلم أقنطه من رحمة الله. وكان أهل العلم، إذا سُئلوا عن القاتل، قالوا: لا توبة له. وإذا ابتلي مسلمٌ بقتل مسلمٍ، قالوا له: تُبْ إلى الله.

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة