Culture Magazine Thursday  19/04/2012 G Issue 370
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الاولى 1433   العدد  370
 
منطق الشارع
«ثقافة ما بعد ثورة الربيع العربي» -2-
سهام القحطاني

 

أعتقد أن «منطق الشارع « الذي تحركت في ضوئه ثورة الربيع العربي لا يمكن إغفاله ونحن نحلل مصطلح «ثقافة ما بعد الثورة»، ولا شك أن ذلك المنطق له الدور الأبرز في مأزق ثقافة ما بعد ثورة الربيع العربي، أي مأزق معرفة «فوضى أبعاد الحدود» وهي فوضى بدورها تؤدي إلى «اضطراب الماهيات» والانقلاب على الحد السابق «للمعلوم».

وقد يقول قائل: إن هذا الرأي يتناقض مع رأي «كفاية الاقتناع» الذي تحدثت عنه سابقًا الذي أُنتجت الثورة في ضوئه، فكيف يتصف ناتج كفاية الاقتناع أي ما يعدُّ «كميًا معلومًا» بفوضى أبعاد الحدود؟ على اعتبار أن تحقق ضابط الكفاية يؤدي إلى تحقق معلومية القاعدة والحد. وهذا الاعتبار الافتراضي يربط بالتلازم بين الكفاية والحد كوجود لوجود، أو بينهما؛ أي الكفاية والحد معلوم مقابل لمعلوم، وتوفر المعلومية ينفي خاصية المجهولية وجود فوضى الحد واضطراب الماهية، فكيف ناتج المعلومية يتصف بخاصية ناتج المجهولية؟.

والأمر هنا يعود إلى طبيعة المصدر المُنتج للمعلومية «شعبية التداول» و»تعدد آليات تداول الخبر» وهو مصدر يفتح المجال لكل ظني ومحتمل ومتاح يسهم في نمو المعلومية.

ويمكن القول كمبدأ أولي أن المعلومية هي «الخبر الناقل للحدث» ولا يتحول الحدث إلى معلومية إلا إذا اتصف بالتداول والشعبية. أحيانًا قد نعادل بين «المعلومية والمعرفة»؛ فالمعلومية تمثل «تقديرًا للقيمة وأثرها» والمعرفة «تمثل القدرة على إنتاجها». والتعادل يعتمد باعتبار أننا نعتقد أن كل معلوم يؤدي إلى معرفة، أو كل معلوم يقوم مقام المعرفة وبالتالي يكتسب خصائصها؛ أي من يملك تقدير الأثر يملك القدرة على إنشاء فاعل الأثر. وهذا غير صحيح كما أعتقد فليس كل معلوم يؤدي بالضرورة إلى معرفة أو يقوم مقامها.

لكنه بلاشك يؤدي إلى ناتج بالتحوّل وليس وفقًا للطبيعة؛ لأن المعلوم في ذهن أصحابه هو «معرفة» باعتباره يمثل لهم يقينًا ولذلك يشترك مع المعرفة في شرعية المصدر وخاصية الإنتاج، وهنا تتحول المعلومية إلى مصدر تشريع؛ لأنها تمثل «شعبية التداول». وبالتالي فالمعلوم هنا قد يمثل عائقًا للمعرفة أو «القدرة على الإنتاج»؛ لأنه يستعير شرعيتها ووظيفتها بواسطة «شعبية التداول». ولا يمكن للمعلومية أن تمثل الدورين التقدير» صياغة أهمية القيمة وأثرها» والقدرة» تأليف إمكانات صناعة القيمة أو فاعل القيمة»، ومتى ما مثلتهما أضاعت قيمة الحد وأدت إلى اضطراب الماهية؛ لأنها تُنتج في ضوء ما تقدره لا في ضوء ما يجب أن «يٌقدّر». وما يجب أن «يُقدّر» هي وظيفة المعرفة أي؛ «شرعنة أفكار التغيير وقوانينها وطرائقها» وهي وظيفة لا تُنفذ شرعيتها إلا عبر «شعبية التداول» تلك الشعبية التي تمنح بدورها الممثلات الإجرائية شرعيتها الثقافية.

خرجت شعوب ثورة الربيع العربي إلى الشوارع «لأسباب معلومة» الفقر والبطالة والدكتاتورية ومن أجل المطالبة «بأمور معلومة» سقوط الأنظمة والحرية والعدالة الاجتماعية.

وهكذا يمكننا القول: إننا أمام نوعين من المعلومية؛ «معلومية المسوغ» لماذا خرجت الشعوب إلى الشارع؟، و»معلومية المطلب»، ماذا تريد الشعوب التي خرجت إلى الشارع؟.

وسريعًا ما ظهرت عيوب «المعلومية» التي اعتمدت عليها ثورة الربيع العربي أو منطق الشارع ولا أقصد هنا المعلومية التي تأسست في ضوئها كفاية الاقتناع، بل قصدي «المعلومية» التي يجب أن تسهم في تقدير القيمة القابلة «للمعرفة» أو «القدرة على الإنشاء»، أو معلومية المطلب؛ لأنها هي قلب أزمة منطق الشارع اليوم. و»معلومية المطلب» تتصف بأنها معلوم على مستوى العنوان والتقدير» العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية» و»مجهول» على مستوى «المعرفة» أو «القدرة» «كيفية تنفيذ العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقيقية»، وهذا من أهم أسباب عيوب المعلومية.

وتلك المعلومية الذي تشكل في ضوئها «منطق الشارع» على مستوى مسوّغ الخروج ومطالب التغيير هما من أسس «كفاية الاقتناع» التي أنتجت الثورة. «فمنطق الشارع» هو من أسس كفاية الاقتناع لقيام الثورة الشعبية، وكونه كذلك أي قائدًا للشعبية التداولية لا يخوله لصناعة ثقافة التغيير ما بعد كفاية الاقتناع.

ويُمكن تعريف «منطق الشارع» بأنه «التقدير الذي تؤمن به الأغلبية المهمشة للأشياء التي تُحدد في ضوئه معايير قبولها ورفضها».

وبذلك فالمعلومية أو التقدير الذي يُشكل منطق الشارع يتصف بالاتفاق والاشتراك والعمومية وليست الوضوح، فهناك فرق بين العمومية والوضوح. والعمومية هي ميّزة تمكن ناقل المعلومية من الإضافة المتواترة والمُعنعنة، كما تتصف المعلومية بالاستحسان والكلية والانفعالية والمبالغة والتقليد وسرعة الانتقال ويقل فيها التوثق والتوثيق وخصوصًا في ضوء «المعلومية» و»المعلومية المضادة» وهو ما قد يوقع تقدير المعلومية في الخطأ والتلفيق.

ووجود إمكان الظن بالخطأ والتلفيق في المعلومية أو المعلومية المضادة يعيقها أن تتحول إلى معرفة، بل قد يُشكك في وظيفتها «سلامة تقديرها للقيمة وأثرها» وتوازن ذلك «التقدير» بين «التصور والتصديق».

أما خصائص منطق الشارع فهي الأغلبية وأحادية المعلومة والشعار والمحايثة وسرعة الانفعال وكلية الاعتقاد.

وأهم ما يميز منطق الشارع سقوط مستوى ونوع العلاقات؛ «فمنطق الشارع» يتكون من مجموعة من العلاقات التي تُسقط الوحدة الطبقية والمنظومة الثقافية والانتماء الحزبي، وبذلك فهو يملك قدرة تشكيل علاقة تكافئة تجمع بين المتناقضات وتساوي بين الوحدات. وهو ما يوحد بدوره منطق الشارع «وجهة نظر المعلومية» بين المثقف وغير المثقف الفقير والغني والحزبي وغير الحزبي. وخطورة هذا التوحد أنه يُجبر الأقلية، المثقف والغني والحزبي على الخضوع للمعلومية التي يملكها الأغلبية من غير المثقفين وغير الحزبيين وذلك الخضوع هو الذي يؤدي إلى فوضى الحدود واضطراب الماهيات.

إن سيطرة ثقافة الأغلبية المهمشة على تقدير المعلومية التي ستقود بدورها ثقافة التاليه والإقصاء في غياب الأقلية الثقافية التي تقوم بتحليل المعلومية وتقويمها وفصل وظيفة المعلومية عن وظيفة المعرفة، أسهمت أيضًا في ظهور عيوب المعلومية المؤسسة لمنطق الشارع.

وظهور «المعلومية المضادة» المندسة في منطق الشارع التي شكّلت طابورًا خامسًا أسهم أيضًا في ظهور عيوب المعلومية المؤسسة لمنطق الشارع بل وفي انقسام منطق الشارع مما زاد من فوضى الحدود واضطراب الماهيات. وظهور أيضًا الفئة المستفيدة من نقاط ضعف المعلومية لاستغلالها في مصالحها المختلفة وسع دائرة فوضى الحدود واضطراب الماهيات. إضافة إلى غياب «المنطق الموازي» لمنطق الشارع، مما أسهم في تثبيت المعلومية الناقصة والخاطئة والمضللة والمُستغلة لانفعال الناس وتجاربهم غير السارة.

وهكذا نجد أن المعلومية؛ التي تتحكم في مسارها «تداولية منطق الشارع» هي خطر على «ثقافة ما بعد الثورة»، لأنها تسعى إلى تثبيت ثقافة منطقها بدلاً من ثقافة التغيير.

وباعتبار أن المنطق الذي «يؤثر» هو من «يحكم».

جدة sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة