Culture Magazine Thursday  19/04/2012 G Issue 370
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الاولى 1433   العدد  370
 
وجوه وزوايا
صراع وهمي
أحمد الدويحي

 

حيرني خبر فني ثقافي، مر خلال الأسابيع الماضية مرور الكرام، ولا أحد يظن بي سوءاً، ويعتقد أني أقصد خبرا آخر، صنفنا بأننا من أسعد شعوب الأرض، وفحوى الخبر المعني، كما جاء في العناوين الصحفية، هو عودة الموسيقى إلى الرياض بعد أكثر من عقدين من الزمن، يا إلهي !، وجاءت العودة المباركة كما في تفاصيل الخبر أن الدكتور الموسيقار - عدنان خوج الملحن المعروف، أحيى أمسية ثقافية فنية في الذكرى الثانية عشر لرحيل الفنان طلال مداح رحمه الله، وسط حضور جماهيري متواضع لا يتجاوز 160 شخص، حضروا على مسرح مركز الملك فهد الثقافي الفخم، المبني الذي يعد واحد من معالم المدينة، وبني على أحدث مواصفات التقنية الحديثة، ويشار إليه كأحد ثلاثة مبان في العالم يدار بالطاقة الشمسية، وأقيمت الأمسية وسط حضور أمني كثيف، وتأتي مبادرة الدكتور خوج كونه قد حاز على درجة دكتوراه، منحت للملحن السعودي من جامعة (السربون) الفرنسية مع مرتبة الشرف العالي في فن الراحل الكبير - طلال مداح، وهي الأطروحة التي تقدم بها لجامعة القاهرة، ورفضت من قبلهم، وطلب منه تغيير عنوان الرسالة إلى أحد الفنانين في مصر، وإذا أراد أن تكون عن طلال مداح، فيجب أن تُقدم لإحدى الجامعات السعودية...

وصراحة، تملكتني الدهشة، فبداية باغتني السؤال، كيف تغيب الموسيقي عن مدينة معاصرة عقدين من الزمن، يشكل الشباب فيها شريحة واسعة من سكانها، وهم الآن من يملك مفاتيح التقنية الحديثة، ويستطيعون تجاوز الحواجز ورؤية المستقبل وقراءاته من دون وصايا ؟، والقصد من الغياب، هو غياب حفلات فنية غنائية عن مدينة يسكنها الملايين، كانت تقام فيها حفلات فنية في الأندية الرياضية، حينما تفوز أنديتها بالبطولات، وتحتفي بفرح فرقها، وشهد مسرح حديقة الفوطة التابع لجمعية الثقافة والفنون، حفلات فنية متنوعة لمغنيين وطنيين وعرب، يحضرها الناس وتسقط من القائمة والذاكرة، حفلات الغناء في القصور والمزارع الخاصة، فهي بطبيعة الحال خارج حسابات الحفلات الشعبية المفتوحة، حفلات المغنين يأتون إليها بطائرات خاصة، ويحضرها فقط من أوتي حظاً عظيماً، وخارج قائمة حفلات الجنادرية الفلكلورية، الآتية في سياق تقديم عروض التراث الفني وإحيائه،، تؤديها الفرق الشعبية المتنوعة لمناطق المملكة، وأيضاً لا يمكن أن ندرج في القائمة حفل الافتتاح وأداء (الأوبريت) الوطني، كحدث يمثل سياسة إدارة المهرجان، ولا يمكن التطاول عليه لكائن من كان، كما حدث في أحداث ثقافية وفنية كثيرة تعرفها مدينة الرياض، قد تكون مجتمعة السبب الرئيسي في غياب الموسيقى والفرح المبهج عن جوهرة الصحراء، وإذا صح الخبر، وهو صحيح حتما، فلتنافس مدينة حرمت من الموسيقي المبهجة أن تعبر شرايينها خلال عقدين من الزمان، يحق للرياض بهذه الفترة الطويلة، تدخل في قائمة (جنيس) للأرقام القياسية.

الفنان الكبير طلال مداح، صوت الأرض الذي شكل فينا ذاكرة فنية، وحالة وجدانية وينابيع صافية لأجيال، تربت على صوت بلبل الجزيرة وقيثارتها الأصيلة، تسمع منه - وردك يا زارع الورد - يا صاحبي - مقادير - أنا راجع - مظلوم - واليوم يمكن تقولي يا نفس أنك سعيدة - ومئات غيرها من أغاني الشجن الجميل، ورحل رحمه الله واقفاً على خشبة المسرح، ولا يحتاج إلى إفاضة للحديث عن قيمة فنه العالية، وستتجدد الأسئلة حول ما حدث في محاضرة الدكتور - عدنان، والغياب الجماهيري المتواضع والحضور الأمني الكثيف، فالفنان الراحل الكبير الذي منحت جامعة عالمية عريقة درجة الدكتوراه حول فنه، شكل غيابه وموته رحمه الله، واحدة من القضايا التي تناولها المجتمع، وجعلها في مصاف القضايا التي يختلف عليها، وصنف المتحاورون في حينه ما بين متنور وظلامي، وهي إشكالية لقضايا وهمية حتى لو تضخمت ونمتّ، فكانت في وزن قضية قيادة المرأة للسيارة، ومشاركة المرأة السعودية في الأولمبياد، والمشاركة في فعاليات معرض الكتاب، وجعل الملتقيات الثقافية مواسم للصراع المجتمعي، تبقى في غياب المنهجية العلمية لحركة المجتمع مع الشعور العميق بوجع الشرائح المتنوعة، مجرد قضايا هزلية لكوميديا سوداء !

جامعة القاهرة ترفض أن يكون فنّ الفنان الذي طالما غرد على مسارحها، وجلب الملايين لخزينة دخلها القومي، عنواناً وموضوعاً لرسالة علمية وأكاديمية، وتريد أن تكون هذه الدراسة العلمية عن الفن المصري، ومعهم حق من وجهة نظري، وكأن ينقص مصر دراسات علمية وأكاديمية في كل أجناس الفنون، مصر بما لها من وزن ثقافي وفني وحراك مجتمعي، وتأمل المقارنة بالعدد الضئيل الذي حضر الأمسية 160 شخص، وسط حضور أمني كثيف، مما يعني توقعّ شيء من الخوف، فتحضر التساؤلات كالتي ُطرحت في حوار الدكتور عبد الله الغذامي الذي يرى غياب (الهوية) الليبرالية، والدكتور عبد الرحمن الحبيب الذي يرى كواحد من هؤلاء الليبراليين والتنويريين، أن من روج مصطلح الليبرالية هو الطرف الآخر، والتيارات الليبرالية أطياف عديدة تنويريين يحملون هماً إصلاحياً هو المهم، فتسلطن وتغطى دلالة فاعلية الخوف، وتأويل الغياب في مسرح مركز الملك فهد الثقافي، وتطرح أسئلة الغياب المرة والحادة..

لماذا مدينة الرياض؟ ممكن أن يكون السؤال بريئاً، تعود بي الذاكرة وحديث الذكريات، تأخذنني مع الرائد وشيخي رحمه الله الأستاذ - عبد الكريم الجهيمان، وكان يروي محطات من عمره بداية القرن الماضي، وكان طالباً للعلم في مكة المكرمة، فيذكر أنه إذا مر وسمع صوت الموسيقى والغناء، يصدر من نوافذه تلك البيوت المكية، كان يضع أصبعيه في أذنيه لئلا يسمع الغناء، وحينما لاحظ الدهشة مرتسمة على وجهي، فقال ساخراً ومهوناً: لا تستغرب التشدد والتخلف!، إذن فهي مسألة تراكم حضاري، إذا حضرت ثنائية الغياب والصراع الهزلي، وإثارة الأسئلة دائما حول منشطها الفكري الثقافي والفني، ولأن الموسيقى غذاء للروح كالخبز غذاء للبطون، سأنقل حيرتي ودهشتي وأسئلتي الصامتة، لتجلية معطي حوار الثنائية الهزلي، ومعنى غيابها عن قضايا ليست في وعيها الحاضر الغائب، وتناول السائد والبائد من القضايا الهزلية وبسطها للضوء والإثارة، يقول (خبر) آخر خارج سياق حوار الثنائية طبعاً، جاء على خلفية (بيع مساحة من الأراضي السودانية للمملكة للاستثمار الزراعي؟)، يكشف هزلية حوار مجتمع يعاني في كل مفاصل الحياة، مجتمع أوغل في حوار حول قضياه الشكلية، وتغيب المنهجية والشفافية، وينكشف المستور بالنظر إلى مساحات وأراضٍ شاسعة وخصبة، تقع على سواحل الوطن شرقاً وغرباً، ومياه متوفرة وكثافة سكانية لأجيال تعاني من البطالة من العقبة إلى جازان بالذات، ويمكن لهذا الجزء من الوطن أن يكون سلة لغذاء البطون، ولكنها الانتقائية العمياء المخلة، فلا بأس إذن ومن المهم أن أغرد في نهاية السطور (دستور) يا الساحل الغربي، وأستحضر هنا (الآخر) الفنان محمد عبده لئلا يؤولني من يشتهي، ويصدر أحكامه القاسية، ويصفني بطلالي صرفّ لا يرى إلا بعين واحدة!.

** ملاحظة مهمة: أعتذر للصديق المبدع الأستاذ فهد الخليوي وللقارئ الكريم، لسقوطي في فخ مشكلتي الأزلية في مقال الأسبوع الماضي، وخلط قائمة الأسماء في الذاكرة، ولا بد أن القارئ الحصيف يدرك عفوية الخطأ الذي وقعت فيه، وقد نبهني بداية مشكوراً لخطئي الصديق القاص ساعد الخميسي..

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة