Culture Magazine Thursday  20/09/2012 G Issue 380
فضاءات
الخميس 4 ,ذو القعدة 1433   العدد  380
 
البيوت
من يشق عن قلوب البنات
لمياء السويلم

 

لا يفرق الآباء في حبهم لأبنائهم، هذا الركن الثابت في بيوتنا هل لايزال قائماً، أم أن قلوب البنات تلعن هذا الكذب الذي يمارس ضدها، هل تستطيع الفتاة أن تصدق حب أباها لها دون أن تسأله عن ناقص هذا الحب، الزائد عنها في حبه لأخيها، هل يمكن للبنات في أول أعمارهن أن لا يتألمن من تفضيل الأولاد عليهن، هل تفهم الصغيرات المعنى الذي يقاتل الأب لأجله بأن ينادى أباً باسم أخاها الذي أجلته الحياة عشر سنوات عن ميلادها، وهل تبكي الصغيرات على دموع أمهاتهن اللاتي يبكين حظهن لحظة النبوءة بأختٍ جديدة، أم يبكين لوجودهن الذي يرهق الروح قبل أن تبلغ إحداهن عمر القضية {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}..

يقسو المجتمع على أبائنا في التوق إلى الذكور، ويقسو الآباء في بيوتهم علينا من فرط الهزيمة، الدائرة التي تتسع لتضم أكثر من ضحية، كيف تضيق عن تسمية الجلاد فيها، كيف تعجز عن تعريفه والاشارة إلى سلطته، والبيوت التي ترفع سلطان الذكورية على النساء بأي الخانات يمكن أن تضع مساهماتها العنصرية ضد حياة الأنثى الإنسان، هذه البيوت، بيوتنا، كم مرة استطاعت عصيان المجتمع الذي يفرق بين أبنائها، كم مرة حاول الآباء والأمهات تعطيل هذا السيرك القاسي الذي يقيمه المجتمع مستنفذاً فيه حياة بناتهم وأولادهم على السواء.

ثمة الكثير من الكلام يمكن أن نردده في فهم ثقافة اجتماعية تحكم بيوتنا، لتبرير هذا الميل المتعصب للأبناء على البنات، فالحديث عن فكر ذكوي ونظام أبوي يسيطر على أركان حياتنا لاينتهي، بل سيمتد ويحضر في كل الصور الصغيرة والكبيرة من أيامنا، الصور القديمة والجديدة، الدائمة والمتغيرة، صورة الفتاة التي تتراجع عن المشهد العام في كل الوطن كلما قاربت أنوثتها على أن تتفتق، فلا تكتمل أنوثتها إلا وإكتمل تغييبها، الفتاة التي تستعد منذ عقدها الأول لأداور الانتظار الطويل وحكم القدر فيها، الفتاة التي تلقنها بيوتنا درساً أبدياً عن القبول بقيمتها الإنسانية الأقل، مباركاً باسم القضاء والقدر وبمعنى التسليم به، الدرس الذي يلقنه الآباء والأمهات لبناتهن هو النزول عن شوق المساواة التي تلح فطرتهن بها وقبول الجرح في وجودهن.

كيف يمكن أن نستسيغ كل مرة مرارة التسليم بدونية بناتنا أمام أبنائنا، عاجزين أمام بؤس أمهاتنا وبأس آبائنا، خاضعين في تفكيرنا وتربيتنا لسقوف بدائية تضيق علينا انسانيتنا، كيف نتوهم أننا تجاوزنا مطارق قضاة الجهالة التاريخية التي تسلطت على المرأة، ونحن في حياتنا نحفظ لهم وعنهم كل الأحكام الجائرة والمميتة ضد بناتنا، إلى أي العناوين الكبرى، إلى أي التفاصيل الصغيرة يمكن أن نشير للحياة بأننا تغيرنا عن ماضينا، وأننا لم نعد نسلب من بناتنا حقوقهن ولم نعد نفاضل عليهن أولادنا، متى وكيف يمكن لأب في البيوت السعودية ألا يخاف في الله لومة الذكورية في نفسه، فلا يقدم من عمله أقل أو أكثر بين ابنه وابنته..

التفريق في الحب لا يعني أن تشق البنات عن قلوب آبائهم ليزنوا قسطهم منه، بل هو التفريق الذي يشق عن قلوب البنات معاني الرضى.

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة