Culture Magazine Thursday  20/12/2012 G Issue 390
فضاءات
الخميس 7 ,صفر 1434   العدد  390
 
الفلسفة..
حلول المصطلح وكمون المفهوم!
بثينة الإبراهيم

 

فقدت الفلسفة بريقها في الآونة الأخيرة، وصارت لدى العامة مرادفة للكلام الذي بلا طائل أو لا جدوى منه، أو ربما هي تعاني هذا النوع من التهميش منذ نشأتها في العصور القديمة، إذ نجد أفلاطون يقول: «إن الجمهور ميّال لاعتقاد أن الفلسفة عديمة النفع»، ولكن يبدو أنها ما زالت تعاني «أزمة ثقة» مع هذا الجمهور، فدخلت في مقارنة جائرة - إن صح التعبير - بينها وبين العلم، فكانت كفة العلم ترجح باعتبار منجزاته الواضحة، بينما لم يشهد الإنسان مثيلاً لها في الفلسفة!

لكن ممّا يخفى على العامة أن كل إنسان يمتلك عقلاً يمارس الفلسفة بالضرورة، لذا فهي نشاط يشترك فيه الناس على اختلاف مستوياتهم ومواهبهم وعقولهم، وبعبارةٍ أخرى يمكن القول إن الإنسان ما دام يفكر في وجوده وغاية وجوده وفي كل ما حوله، فإنه «يتفلسف»، وحتى الذي يريد أن يرفض الفلسفة سيتحتّم عليه أن يتفلسف هو أيضاً كما قال سقراط، فهو سيحتاج إلى أدلة وبراهين لإثبات رأيه، وهذا ميدان الفلسفة.

ولذلك يقسم الباحثون مراتب التفكير إلى ثلاثة، أولها بسيط يتعلق بتفكير الإنسان فيما يعترضه من أمور حياته اليومية ومحاولته إيجاد حل لها، وترتقي الثانية لتصبح مجموعة المبادئ والقيم التي يلتزمها الفرد ويسير عليها. وبالنظر إلى هاتين المرحلتين، فإننا نستطيع القول بأنهما عامتان تشملان البشر جميعاً، وتعد الثانية أكثر تعقيداً من الأولى، ويقف الكثير منا عند حدود المرحلة الثانية، بينما نجد قلائل يتعدونها إلى الثالثة وهي استمرار الإنسان في طرح تساؤلات حول الوجود وغيره من المسائل الكبرى وسعيه في الوقت نفسه لإيجاد إجابات أو لتأسيس قواعد ونظريات لمجموعة المبادئ التي يعتنقونها، ومن هنا يغدو الشخص فيلسوفاً أو باحثاً في علم الفلسفة.

وها هنا يبدو من المفيد الآن تعريف الفلسفة بشقيها «النشاطي» و»العلمي»، فالفلسفة كنشاط هي التفلسف بمعنى استخدام العقل للتفكر فيما يعرض للفرد من أمور في حياته، بينما تصير الفلسفة كعلم هي ما يختصّ به الباحث في علم الفلسفة أو المحب للحكمة على حد تعبير سقراط أو فيثاغورث مادام المصطلح متنازَعاً بينهما، من إعمالٍ للفكر في أمور الوجود والحياة والسعي إلى معرفة ما وراء الظواهر وتأسيس نظريات في ذلك.

ويتوجب هنا أيضاً أن نتطرق إلى التمييز بين الفلسفة كعلم وتاريخ الفلسفة، فالفلسفة كعلم هي أعلى مراتب الفكر والتي لا تتهيأ لكل الأفراد، بينما تاريخ الفلسفة هو التخصص أو الدراسة الأكاديمية التي تبحث في نشأة الفلسفة ومراحل تطورها عبر العصور ونظرياتها ومدارسها علمائها، ودارسها يكون متخصصاً في علم الفلسفة لكنه لا يكون فيلسوفاً بالضرورة.

ولا بد من الإشارة أخيراً، أنه يمكن دون مبالغة اعتبار الفلسفة أصل العلوم، ما دامت تقوم على التساؤل والبحث والتنظير بحثاً عن إجابات شافية، وعندما نحاول تعاطي الفلسفة بمنظور أهلها فسوف نجد أن الكلمة التي اجتمع عليها الفلاسفة وحتى المنظرون للفلسفة هي أن الفلسفة كما هو أصل اشتقاقها اليوناني تعني: حب الحكمة، وعلى هذا فلعل الفلسفة بريئة من التفلسف «بمعناه العامي الدارج»، كما أن البساطة بعيدة عن التكلف، والإعراض قد لا يكون خطيئة المعروض. ولعلنا نختصر هذا الجدل بقول المغرد المدهش علي عبد العزيز: «الفلسفة ليست كل قول مبهم، أو هذياناً لا يفهم، الفيلسوف الحق إنسان ملهم، لا متخبطٌ يتوهم ولا رجلٌ فيه تهم!»، إذ فيها ما يختزل القول حول طبيعة الفلسفة أو الفيلسوف ويمنح كلاً منهما المكانة التي يستحق دون تشويه أو تدليس.

- القاهرة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة