Culture Magazine Thursday  23/02/2012 G Issue 364
تشكيل
الخميس 1 ,ربيع الآخر 1433   العدد  364
 
محطات تشكيلية
وفاء يستحق الدعم للتعريف بها للأجيال (1-2)
محاضرة نجلاء السليم عن مدرسة أبيها التشكيلية توثيق لأصالة التجربة يُوجب استمرارها على طرحها
إعداد: محمد المنيف

 

تواصلاً مع تقديم الفنانة نجلاء السليم محاضرة ضمن فعاليات مشاركة المملكة في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 43 تحدثت فيها عن عن تجربتها التشكيلية التي استقتها من اسلوب والدها احد ابرز رواد الفن التشكيلي السعودي الذي اطلق عليه عنوان (الافاقية)، ولأهمبة هذه التجربة ومكانتها في التجارب المحلية التي تشكل اسلوبا خاصا تحمله (الافاقية) استدلال على الافق الرحب الذي يظهر في طبيعتنا الصحراوية، الملهم للشعر والرواية فاصبح ايضا منبعا للابداع التشكيلي استطاع الفنان السليم وبذكاء المجرب والباحث في محيطه عن مصدر إلهام يمنحه الكثير من الايحاءات ويصبح منطلقا للمضمون.. فكرةً.. وجمالاً في الشكل، هذا الاسلوب الذي قلّ أو يمكن القول ندر حدوثه بهذا الشكل والزخم من البحث والتجريب من بين مختلف الاساليب العربية أو العالمية التي يعيش الفنانون في محيط مشابه بالصحراء في بلادنا، ما عدا ما نراه وسبق ان جعل منه مختلف التشكيليين العرب ملامح للصحراء كالخيمة أو الواحة أو اختيار مناطق أو مواقع بيئية صحراوية بعينها، إضافة إلى ما تم التطرق اليه من حياة المجتمع الصحراوي وسبل تعامله مع هذا الواقع الذي لا يختلف عن واقع البحر الذي يجمع.. الامان بالرهبة.. والهدوء بالصخب، واجمل من هذا وذاك التحولات في مناخ الصحراء الذي يكسبها وجوهاً متعددة، بين صيف لاهب يأخذ الضوء فيه كامل حضوره، أو شتاء قارص يتبعه ربيع تزهر فيه الارض وتنتعش الحياة، هذا كله يجتمع بشكل غير مباشر في (آفاقية) الفنان الراحل محمد السليم، وبشكل يفرض على المشاهد الوقوف احتراما لهذه القدرة التي جمع فيها بين بساطة التكوين بالقيم الفنية.

لهذا وجدنا ان ما تضمنته محاضرة الفنانة (نجلاء) مجال للحديث عن الفنان الراحل وللمرور على أبعاد هذه التجربة التي تُعد مدرسة فنية لا يختلف عليها إلا من يغيّب الحقيقة.

نجلاء الشاهد الأول

على ولادة الآفاقية

لا شك ان ما قامت به الفنانة نجلاء السليم من احتفاظ بحق والدها بهذه التجربة سعياً منها لاثباتها وتوثيقها وقيامها بهذه المهمة الرائعة التي قلّ ان نجدها في الابناء الموهوبين في بيوت التشكيليين، حيث اختارت لهذا الامر مسارين متوازيين ومكملين لبعضهما، الأول ملامسة التجربة من خلال اللوحة التي عايشت وتابعت لحظات ولادتها إلى أن أصبحت رمزا تشكيليا ومدرسة انتهجها بعض التشكيلييين، والآخر التعريف بها من خلال الطرح التنظيري الذي تمتلك مقوماته العلمية كونها متخصصة في الفنون وحصولها فيها على بكالوريوس (فنون جميلة من جامعة ايسترن ميتشيجن يونيفورسيتي)، حينما تشير بالقول إلى تعايشها مع والدها فترة استكشاف أسلوبه الفني (الآفاقية) وشهدت مولدها وتأملت ذلك تدريجيا فاستوعبتها واقتنعت بها فكرا وأسلوبا. مبينة رؤيتها لهذه التجربة، وتختم الفنانة نجلاء محاضرتها بالقواسم المشتركة بين تجربتها الشابة وبين خبرات والدها، معلقة على تأثرها (بالآفاقية) وامتداد أسلوبها الخاص بها.. بالقول إنها ومن خلال الممارسات والتجارب العديدة التي كانت تأمل منها الوصول إلى شخصيتها والبحث عن أسلوب يكون امتدادا (للآفاقية) وليس تقليدا أو نقلا لها، فالحياة المدنية التي غزت تلك الصحراء وتلك المباني الزجاجية الناطحة للسحاب أخفت كثبانها الرملية وتدريجاتها الرملية الدافئة عن أبصارنا فلم نعد نرى الأفق كما كنا في السابق، فلا بد أن يكون لهذه الحضارة أكبر الأثر علي وعلى ذلك الأسلوب (الآفاقية) والتي لا بد أن تبرز هذه الاختلافات. فتحولت خطوطي رأسية وهي رأسية المباني في أفق المدينة، واختصرت عدد الخطوط ومساحتها زادت.

هذا التوضيح من الفنانة نجلاء يشعرنا بإمساكها العصا من منتصفها بشكل متوازن كما يقال، فهي قد تغذت من التجربة بالعين والعقل عن قرب وبشكل متعمق في كيفية تعامل والدها مع الفكرة، مروراً بإعداد اللوحة وصولاً إلى الإمضاء عليها، واذا عدنا إلى تجربتها في جانب التأثر وعن رأيها في تغيير مسار الخط ومعالجة الكتلة بالشكل الرأسي عوداً إلى فقدنا رؤية الأفق كما يراه والدها، فالامر هنا يحتمل القبول وايضا يحتمل الرفض، فالافق الذي تعامل به والدها ليس مباشرا ولم يكن نقلا واقعيا أو اكاديميا بما عرف عن هذه الاساليب او المدارس من دقة في التصوير، لكن الامر يتعلق بالاحساس وبالعودة إلى العقل الباطني الذي يمكن أن يبقي أقل لحظة مرت بالعين ليضيف عليها الفنان نتاج مخبره الثقافي والابداعي ويؤسس به الشكل الجديد على اللوحة، ومع ذلك تبقى تجربة الفنانة نجلاء في حدود البحث إلى ان تتكشف الخطوات القادمة مقدرين ومحترمين ما حققته من التمكن في الايقاع الخطي وتتابع اللون أو تدرجه الذي لم تبعد به كثيرا عن الافاقية، وكنا نؤمل في استمرارها على تجربة والدها التي روّضها لتقديم كل ما يخطر بباله أو يحتاج التعبير عنه بالعبارة أحياناً، حكمةً كانت أو آية قرآنية أو حديثاً أو شكلاً معمارياً أو جزءاً من زخرفة إلى آخر المنظومة التي سنتطرق لها في الحلقة القادمة، ففي حال تتبع الفنانة نجلاء لهذا التنوع في تجربة والدها الفنان السليم والبحث من جديد في هذا البحث المتميز والمتفرد في فن الصحراء سيمنحها تطوراً لا يمكن ان تفرضه أو تحدده بقدر ما يأتي تباعا مع تراكم الخبرات.

(الآفاقية)

تجربة تنتظر الاستقرار والديمومة

من المؤسف أن نتأثر كفنانين بالمدارس الغربية وعجيب ان نجعل منها متكأ لقدراتنا وتبعيتنا لمجرد أننا لامسنا بعضا من تفاصيلها الظاهرة أو السطحية دون أي فهم لأبعادها وفلسفتها التي عادة ما تكون بعيدة عما نراه في شكلها المباشر، ومع ذلك جعلنا منها عند تقليدنا لها أو التحدث عن مبدعيها من الفنانين العالميين شكلاً من أشكال الثقافة، ومع شديد الأسف ان نتجاهل أو نغمض العين تجاه ما يتعلق بأساليب مبدعينا في الفنون على امتداد التاريخ إسلامية وعربية ومحلية، هذا التغييب أو التجاهل أو التبعية التي أحدثت نوعا من الضبابية أو الحاجز الفاصل بين وعينا بمعنى الأسلوب المنطلق من الواقع والمحيط، وبين الاندفاع خلف الإعجاب بمشاهدة أساليب أخرى لا روح أو رائحة لها سوى ما تبرزه تلك الأساليب من سبل التقنيات، أو الدقة في التنفيذ والمطابقة للواقع، جعلت تلك التبعية صورا مكررة للفنانين أو للأساليب العالمية، مع ان بين ظهرانينا ما هو أجمل واقرب واصدق ومنها ما طرحه الكثير من الفنانين العرب استلهموا في أساليبهم، رموز تراثهم وقضايا مجتمعهم، ومن بينهم الراحل السليم الذي تعد تجربته (الآفاقية) رمزا إبداعيا عربيا أصيل الولادة والمنشأ، عالمي الإعجاب والتقدير، لكنه يفتقد الاهتمام المحلي، هذه التجربة بكل سماتها ومقوماتها وفلسفتها تحتاج إلى اهتمام من الجيل الجديد للبحث والتعمق فيها لتستمر نحو فتح آفاق إبداعية جديدة تمثل الهوية والخصوصية، والمهمة التي يجب ان تقوم بها ابنته نجلاء تتمثل في ان لا تفوت فرصة في محاضرة أو ندوة أو امسية لها فيها مشاركة ان تطرح تجربة والدها مدعمة بالصور والمراحل التي مرت بها التجربة.

مفهوم مدرسة السليم الآفاقية

لا يمكن لاي كاتب أو ناقد ان يلامس حقيقة أي اسلوب بالقدر الذي يقوم به الفنان ذاته كبيان يوضح فيه فلسفته وابعاد تجربته ومن هنا يمكن ان نقدم هذا البيان الذي اعلنه الراحل السليم منذ ان امسك بهذا النهج والتوجه في فن الصحراء أو الافاقية حيث قال إن الموضوع في تجربته الافاقية يرتكز على امتداد خط الأفق «يمينا ويسارا» بحيث يعطي الامتداد اللا نهائي لدرجة تجعلك تنتظر بقية الموضوع فيما بعد الإطار, إلا أن وسط الأفق بين إطاري اللوحة يحمل التكثيف الأكثر لإبراز العناصر المهمة للموضوع.

أما الصدى السرابي والضبابي للموضوع فيظهر في أسفل وأعلى الموضوع ليكن غلافا من الترديد لأنغام وإيقاعات توحي بحيوية فكرة الموضوع ونبض المشاعر الحسية تجاهه.

بإيحاءات لونية لا نهائية تتناسب مع نهائية الامتداد الأفقي والرأسي نحصل على عمل فني يحمل مزايا الامتدادين الأفقي والرأسي بلغة الصحراء في سعتها وامتداداتها اللا متناهية في جو يكون فيه الهمس صوتا واضحا واللون متمازجا متناغما بإيقاعات تشارك نبض قلب الإنسان لتسمع أصداء الأصوات فترى ذبذباتها ترددات لونية لا متناهية.

ولتنفيذ «فن الصحراء» إمكانية استعمال كل الأدوات والمواد التي تنفذ بها أي لوحة تشكيلية من أي فن من فنون الإنسان التشكيلية على وجه الأرض, إلا أنه يفضل استعمال سكينة الألوان بمختلف مقاساتها حسب حجم اللوحة, كما يفضل استعمال القماش بالألوان الزيتية.

كما يمكن إدخال جميع عناصر الموضوع المراد التعبير عنه سواء كان تشخيصا أو محاكاة أو تعبيرا بواسطة الوحدات الزخرفية والحر وفية والتجريد سواءً بطرق النحت أو الرسم أو التصوير الزيتي والطبع والحفر بكل وعلى كل المواد الممكن التعبير بواسطتها.

إذاً.. فن الصحراء لا يقف عند حد معين من التعبير سواء من حيث الوسائل «الوسائط» أو التعبير عن أي موضوع من المواضيع الإنسانية الأدبية الفنية, وما يهدف إليه الفنان هو شخصية المثبتة لهوية إنسان الصحراء بتعبير يمثل شخصية إحساس ومشاعر إنسانية تتدفق من حبه الملتصق بصحرائه الممتدة أمام ناظريه على مد البصر ليحس بما لا تراه العين ولا تسمعه الأذن ولا يلفظ به لسان.

وأمام الفنان التشكيلي في الصحراء مرتع خصب يغني تفاعله الوجداني بروح الصحراء أنغاماً وإيقاعات خطية ولونية وبما تحتويه من عناصر الحياة في الكتلة والفراغ, تظهر إبداعات فنان الصحراء حاملة الطبع والهوية ولا تحمل تركيبا آليا فارغا من الأحاسيس والمشاعر الوجدانية الصادقة.

فهل لابن الصحراء خصوصية تحمل الهوية الذاتية بإبداع حصاري يشارك به متوازنا مع إبداعات الإنسان اللاخر؟ فإذا كان الجواب بنعم فإن إنسان الصحراء في صميم الحياة وليس على هامشها, وهو كذلك فعلا فهو صاحب تاريخ وحضارة عربية وإسلامية, ولهذا فإنه ليّ الحق في الوصول إلى العالمية من خلال خصوصيتي وهويتي الصحراوية.

هذا هو فن الصحراء أسلوبا ومعنى, تقنية وفكرة, حتى نستطيع أن نجد المدرسة السعودية في الفن التشكيلي العالمي من خلال هويتنا وشخصيتنا الفنية والإنسانية.

الأسبوع القادم:

- رؤية الفنان الراحل السليم إلى فن الصحراء كهوية وخصوصية.

- ماذا قال النقاد العالميون عن (الآفاقية)؟.

- كيف جعل السليم من الأفق رغم اتساعه وانفتاح حدوده مساحة لطرح مواضيعه؟.

- لهذا السبب لم تنتشر الأساليب المحلية التي أثبتت خصوصيتها.

monif@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة