Culture Magazine Thursday  24/05/2012 G Issue 374
فضاءات
الخميس 3 ,رجب 1433   العدد  374
 
مدخل إلى المناهج النقدية في التحليل الأدبي (2)
عمر بن عبدالعزيز المحمود

 

ويستمر مترجم الكتاب في الكشف عن أهمية هذا العمل، فيذكر أنَّ كلَّ بَحثٍ من البحوث الخمسة التي احتواها يتميَّز بالدِقَّة ووضوح المنهج؛ بسبب جَمعه بين الجانبين النظري والتطبيقي، ولقيامه على التفكير والتحليل وإثارة أبرز القضايا، ولإيفائه بأهمِّ ما يَحتاج إليه الباحث العلمي الجاد، ففي كلِّ قسمٍ سيجد القارئ مذهباً نقدياً يبدأ ببسط ظروف نشأته وإطارها التاريخي، ثُمَّ عرضاً لأبرز العلامات والهوادي والأعلام خلال مراحل تطوُّره الكبرى من البداية حتى تأليف هذا الكتاب، ثُمَّ توضيحاً للمفاهيم والمصطلحات، وتدبُّراً لأهمِّ الآليات والقضايا، ويُختم كلُّ بَحثٍ بِجرد أبرز النتائج، واستشراف الخطوط الكبرى في مَجال ذلك المذهب النقدي مستقبلاً.

كما أنَّ من الأسباب التي دفعت مترجم الكتاب إلى إخراج هذا العمل أنه يُعدُّ عينةً صالِحةً من التمحيص الراقي في مَجال مذاهب الأدب والنقد في أوروبا؛ لأنه أُنجز في (فرنسا) المعروفة بانفتاحها الفكري، وبقدرتِها على جلب طائفةٍ كبيرةٍ من النقَّاد والمفكرين وعلماء الأدب وغيرهم من أقطار عديدة، وخصوصاً من (أوروبا الشرقية)؛ لذا فإنَّ هذا العمل يُعدُّ خُلاصةً لِما عرفته النظريات والمذاهب الأدبية منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى وقتنا الحاضر، مروراً ب(الشكلانيين) و(الهيكلانيين)، وسائر حركات المعرفة المتصلة بِمجالات الأدب واللغة ومذاهبهما في أبرز الأوساط النقدية والعلمية الأوروبية.

أمَّا الأهداف التي سعى مترجم الكتاب إلى تَحقيقها من الإقدام على هذا العمل الفرنسي فقد أوجزها في المقدِّمة، وذكر أنَّ من أهَمِّها التعريف بأبرز مذاهب النقد ونظرياته ومناهجه وطرائقه، وتدقيق أهمِّ ما يتَّصل ب(النقد الحديث) الذي يَحتاجه الدارسون، وهذا يُسهم بلا ريب في سدِّ ثغراتٍ كثيرةٍ في مَجالٍ لَم يَحظَ بَعدُ بالعناية الكافية، مع السعي إلى تعميق المعارف والخلفيات الداخلة فيه أو المتصلة به، وذلك مِمَّا يُمِدُّ الباحثين بنظرياتٍ وأدواتٍ ملائمة لِمعالَجة النصوص، وخصوصاً القصصية الحديثة منها، بوصفها أكثر الأجناس الأدبية حاجةً إلى التدقيق والتطوير والتجويد.

كما أنَّ من الأهداف التي يُحاول هذا العمل الوصول إليها خدمة الدارسين العرب من خلال إمدادهم بِمستلزمات النظر والتحليل التي صحَّت جدواها في بُحوثٍ كُتبت بلغةٍ أجنبيةٍ على يد متخصِّصين من الطراز الأول، مِمَّا يؤدِّي إلى الإسهام في مساعدة الباحثين والدارسين وتوسيع رحاب المعرفة المختصة وتعميقها، وعلى هذا النحو يكون هذا العمل ضرباً من التواصل المعرفي مع بعض ما أنتجته الثقافات الأخرى في مَجال تَخصُّصنا، وهذا من شأنه أن يُسهم في تَجويد فهمنا لنتاج غيرنا، وفي تدقيق فهمنا لِخصائص أدبنا قديمه وحديثه.

وقد سبق هذه البحوث الخمسة تَمهيدٌ مُنسِّقٌ لَها، قام بكتابته المشرف على الكتاب، وصاحب بَحث (المنهج الغرضي) Daniel Bergez (دانيال بارجاس)، وقد افتتح هذا التمهيد بِمقولةٍ فلسفيةٍ مشهورةٍ ل Michel di Montaigne (مونتانيي) الكاتب وعالِم الطبِّ المفكِّر الفرنسي الذي يُعدُّ من أبرز أعلام عصر النهضة، حين أوضح أنَّ التأويلات المتعلقة بالتأويلات أكثر من التأويلات المتعلِّقة بالأشياء ذاتِها! وأنه توجد كُتبٌ عن الكتب أكثر مِمَّا توجد عن أي موضوع آخر! وحين قال في موضعٍ آخر من مقالاته الشهيرة: (لسنا نقوم -معشر الكُتَّاب- سوى بِمحاكاة ضدِّ بعضنا البعض، إنَّ الدنيا مليئةٌ بالتعليقات والكُتَّاب، والسوق فيها نافقة!).

ويُعلِّق (بارجاس) على هذا الكلام بأنَّ مرور أربعة قرون عليه لَم يُفقده من مصداقيته شيئاً، فالمجادلات العنيفة التي انطلقت في الستينيات من القرن العشرين حول ما سُمِّي ب(النقد الجديد) كانت بواعثها المباشرة الظاهرة مُتمثِّلةً في المنهج، غير أنَّها كانت في أغوارها البعيدة تطرح قضايا شائكة، مدارها دورُ النقد في قراءة الأدب، وهذا الدور ضروريٌّ في رأي بعض الناس، ومهلكٌ في رأي البعض الآخر.

الرياض Omar1401@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة