Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
رئيس نادي جدة الجديد والمثقفة الأنموذج
د. لمياء باعشن

 

يذيل رئيس نادي جدة الجديد (على غير المعتاد) مقالاته الجديدة في عكاظ بمسمى منصبه الحالي، وهو قد يكون كاتباً في عكاظ لمدة ست سنوات كما يذكر في سيرته الذاتية على موقع النادي (وإن لم تذكر له عكاظ في أرشيفها سوى ست مقالات جديدة)، لكني لست بصدد ما عبر عنه في مقالات سابقة لتعيينه، لأن آراءه الشخصية في المرأة لا تعني أحداً سواه، فمن حقه أن يتصورها بالشكل الذي يروق له ويتمناه في عمود يحمل اسمه فقط، لكنه حين يذيل آراءه تلك بمسمى المنصب، فهو مسئول عن أقواله عند كل القراء في الساحة الثقافية. http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20120417/Con20120417495302.htm

في مقال يحتفي بغياب المرأة يتعجب القارئ من قوة حضورها وهيمنتها على أفكار كاتبه، فهي هاجسه الأول حتى وهي مقصاة ومستبعدة.

يتحدث الرئيس في هذا المقال عن رحلته إلى مكان ماضوي وزمان غير الزمان، ففي حائل يقف على أطلال حاتم الطائي مع جموع الضيوف من الرجال معبراً عن ارتياحه ليس فقط من غياب المرأة، بل من غياب «مفردة المرأة»، وهي إحدى العبارات التي «ملتها الأسماع وأنفها الذوق». وكأن هذا الاجتزاز من الجذور لم يُرضِ الرئيس تماماً، فأمام ثنائية أجا وسلمى نجده مبتهجاً لغياب «القضية الثقافية الأولى (المرأة والرجل)». وحين تحرك الركب بهم في حافلة منفصلة عن حافلة النساء تنفس الصعداء من «لغطهن واحتجاجاتهن ومطالباتهن ولجاجهن»!!

عندما أرخى المساء سدوله على الجمع الذكوري المبارك وانطفأت الكهرباء، جاءهم ضوء القمر «ليرسل أضواءه اللينة الرخية الهادئة». الآن، ما الذي يمكن أن يخدم أغراض الرئيس الشاعرية ليوصل لقراءه جمال تلك الأضواء الهادئة؟ ما هو التشبيه الأروع والأصدق الذي يمكنه أن يتوسل به ليتذوق القارئ قيمة ذلك الهدوء الذي سيجعل الغدران تبدو «فضية أخاذة»؟ نعم.. الذي يشبه هذا الهدوء الذي لا يعكر صفوه شئ هو، بلا أدنى شك، «ملتقى بلا (مشاكسات نسوية)»..!! (كلماته حرفياً والله).

هل يريد أحد أن يتعجب؟ ليس بعد.. فهنالك المزيد من الإهانات الصريحة والمباشرة، والرئيس لا يوارب ولا يجامل، بل يتحدث بما يعتقده حقاَ، بل هو يتحدث نيابة عن غيره من الرجال ويعبر لنا عن سعادتهم الغامرة التي ملأت قلوبهم الصدئة. يقول الرئيس» لأول مرة أشعر أن الثلة المثقفة تعيش لحظات سعادة لم يعتادوها بعد أن غاصت ينابيع المسرة في قلوبهم وانطمرت أحاسيس البهجة في نفوسهم». لأول مرة؟ لا أدري كيف عرف الرئيس الجديد مشاعر الثلل المثقفة في ملتقيات سابقة على مر السنين الماضية لم يحضر هو أحدها من قبل، لكن ما يهمنى هنا هو أسباب السعادة والمسرة والبهجة التي وهبتها الأجواء الحائلية لنفوس تلك الثلة البائسة.

يشرح لنا الرئيس تلك الأسباب، وهي كما سيتضح لنا أسباب غياب وليست أسباب حضور، بمعنى أن نادي حائل لم يضف شيئاً للثلة يستحق أن يكون سبب سعادة، لكنه أنقص أشياء يتوقع الرئيس أنها كانت سبباً في تعاستهم السابقة. وعليه فإن الأسباب التي سيدرجها الرئيس مبهجة في انتفائها، وهي بالتحديد» صراعات ومناكفات وتعالي المتعالين». ومرة أخرى، لا يهمنا أن نعرف كيف توصل الرئيس إلى هذا الحكم وهو الغائب دائماً عن تلك الملتقيات السابقة التعيسة، ولكن الغيابات الأخرى هي التي تستوقفنا:

1) غياب «الحوار عن الثنائيتين المتلازمتين للملتقيات (المرأة والرواية)»، وهو حوار يزعجه كما يبدو ما دام يذكر المرأة من قريب أو بعيد. ولكن الطامة الكبرى ستلي غياب موضوع الحوار.

أكثر ما يثلج صدر الرئيس ويجعله يبجل هذا الملتقى الحاتمي هو أنه.

2) «كان عطراً بحواء التي تعرف مكانتها فتستجيب، وتجلس في مكانها المخصص بلا احتجاج، وتداخل بلا لجاج». يا للروعة!!.. ياله من عطر يفوح بروائح الطاعة والخنوع والانصياع!! لله درها من حواء نموذجية تعرف مكانتها الضئيلة، وترضى بحدودها الضيقة التي يرسمها لها الرجل بحكمته وحنكته وعقله الراجح، يأمرها بالجلوس أين يشاء، ويسمح لها بالكلام بما يشاء وكيفما يشاء، فتستجيب قانعة بما تفضل به عليها من أوامر وإرشادات.

وحين ينتهي الرئيس من رسم الصورة المثالية للمرأة التي تحوز على اعجابه وثنائه، يظهر لنا الصورة المضادة التي تؤرقه وتثير سخطه، حواء الأخرى التي تأبى الانصياع وتقاوم الإقصاء، تلك هي المثقفة التي يحدد لنا موقعها الجغرافي، فهي حتماً ليست في حائل أرض المثاليات، بل في «الساحل والعاصمة». إليكم التهم التي يوجهها الرئيس إلى مثقفات جدة والرياض كما تمخضت عنها تجاربة القليلة جداً، وهي ثلاثة أشهر في نادي جدة، وبضع أيام في ملتقى المثقفين وفي معرض الكتاب: هي تلك التي «تتخلى عن سكينتها، وترفع عقيرتها، فتزاحم الرجال، وهم مرعوبون من جرأتها، وألسنتهم منعقدة من قوة حجتها، والكل متوجس منها!!..».

يتعجب الرئيس من مثقفات جدة والرياض لأنهن لا يستجبن لأوامر الرجال ولا يرضين بالتهميش والتغييب، ويطالبن بحقوقهن كمشاركات كاملات الأهلية في مسيرة الثقافة الوطنية كما ارتضتها لهن قوانين الدولة وتوجيهاتها. أن يتعجب الرئيس، فهذا شأنه، أن يقف مرعوباً أمام نساء قويات، فهذا أيضاً شأنه، وأن ينعقد لسانه من قوة حجتهن ورجاحة عقلهن وقدرتهن على النقاش، فذلك شأنه وحده، لكن أن ينشر هذا الكلام في صحيفة رسمية ويذيل ما نشره تحت مسمى منصبه الجديد، فهذا ليس من حقه مطلقاً، كما أنه ليس من حقه أبداً أن يتقول على باقي المثقفين ويزعم أن الكل متوجس منها».

وهو يرحل عن أرض الكرم، يحمل الرئيس الجديد على كاهله هموما تثقل فكره ، لكن أثقلها هو سؤاله لنفسه: «متى تكون المثقفة كما هي في ملتقى حاتم تحضر باحتشام وتتحدث بلائق الكلام وتسير مع الركب مستجيبة للنظام؟» ألا يتوجس الرئيس من هذه الاتهامات الجائرة التي يوجهها بلا تحسب وبسوء تقدير إلى مثقفات جدة والرياض؟ كيف يجرؤ على وصفهن بعدم الاحتشام وانعدام اللياقة والفوضى؟ ألأنه «رئيس» يصبح من حقه توبيخنا وشتمنا والإساءة إلينا؟ ألأنه رئيس يرى أنه العاقل الواعظ الملتزم الذي من واجبه انتقادنا وفرض وصايته علينا؟

«متى تكون المثقفة كما هي في ملتقى حاتم تحضر باحتشام وتتحدث بلائق الكلام وتسير مع الركب مستجيبة للنظام؟» دعك من السجع المرصوص يا أيها الرئيس، فالكلام الذي تحاول تزيينه بشع ومؤذٍ، وتهمك للمرأة المثقفة كلها جور وتعدي، ومقالك من أصله مرفوض ومردود عليه. مثقفات جدة والرياض هن نساء هذا الوطن، نشأن في رحابه وتخلقن بأخلاقه، ولهن فيه حقوقاً مساوية لحقوق المثقفين، وهذا المقعد الذي تتنصبته بأصوات نسوية «مزعجة ومشاكسة» لا يعطيك الحق في قمعهن ونبذهن والحد من تحركاتهن خلف أسوارك الشائكة النابعة من قناعاتك الخاصة جداً.

مثقفات جدة والرياض محترمات ومحتشمات ويعرفن جيداً حدود اللياقة والنظام، وإن كان الرئيس الجديد مرعوباً من قوة حججهن وجرأتهن وقدرتهن على المواجهة والمطالبة بحقوقهن، فذلك عائد فقط إلى كونه جديداً، وكل ما يعايشه الآن يعايشه هو لأول مرة، ولعله ولأول مرة يتقدم بمبادرة ثقافية حضارية ويعتذر كما يجب لأخواته المواطنات، مثقفات جدة والرياض.

lamiabaeshen@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة