Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
فضاءات
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
(التلقي).. وفضاءات (التأويل) (3)
عمر بن عبد العزيز المحمود

 

وكان للأصول (الفلسفية الحديثة) المتعلِّقة بِ(جَماليات التلقي) وما يرتبط بِها من (مبادئ) و(أفكار) أثرٌ واضحٌ في بروز (النظرية النقدية المعاصرة)، حيث استطاعت (المفاهيم) و(الأفكار) التي قدَّمها أعلام (الفلسفة الحديثة) أن تُغذِّي هذه (النظرية)، وتَمكَّنت من رفدها ببعض (المصطلحات) و(المفاهيم) التي كان لَها دورٌ بارزٌ في إثراء (النظرية) في جانبيها (الجمالي) و(الموضوعي) الذي تبلور في (المفاهيم) الأساسية التي قامت عليها نظرية (التلقي) و(التأويل).

ومن الأمثلة التي يُمكن ذكرها في هذا السياق ما يلحظه الباحث من اقتراب (نظرية التلقي) من بعض (الأفكار) و(المفاهيم) التي قدَّمها Hume (هيوم) المتعلِّقة بِ(جَماليات التلقي)، مثل مفهومه حول أهَميَّة (الذوق) القائم على (الخبرة) و(الممارسة) في فهم (الأعمال الفنية)، وإدراك (الجمال) و(النقص) فيها، وأثر تغيُّر (الأمزجة) و(الثقافات) في عملية (التذوق)، وفي إثراء عملية (الفهم) و(التعددية) في (المعنى) التي تُعمِّق (المعنى الأصلي) ولا تنفيه من وجهة نظره، كما لا يُمكن إغفال إشارته إلى أنَّ (التلقي) هو في الأصل (عملية استجابة)، وهي جَميعها (أفكارٌ) و(مفاهيم) تدخل في صلب (نظرية التلقي).

كما يلحظ الباحث أنَّ لأفكار Kant (كانت) وHegel (هيجل) حول (الفنِّ) و(الجمال) –رغم ما بينهما من اختلافٍ واضح- جذور إرهاص ل(نظرية التلقي)، خاصَّةً في تأكيد (كانت) على (الطابع الانفعالي) للخبرة (الجمالية) ونظريته حول (الذوق)، وتصوُّره لنشاط (الخيال) بوصفه نوعاً من (اللعب الحر)، وفكرته الخاصة بِ(حُريَّة الملكات المعرفية) الخاصَّة ب(الخيال) و(الحكم).

كما نَجد في تأكيد (هيجل) على أهَميَّة (الاستجابة) الخاصة ب(العقل) و(الروح) للأعمال الفنية، وفي تصوُّره الخاص حول (التاريخ) بوصفه مساراً خاصَّاً للوعي، وأيضاً في تأكيده على (الطابع الحسي) و(التأمل العقلي) للخبرة الجمالية.

كذلك كان لأعمال Schopenhauer (شوبنهاور) الرئيسة أثرٌ كبيرٌ في (النظريات الجمالية الحديثة)، حيث يرى أنَّ هدف (الفن) هو تيسير (المعرفة) ب(الأفكار) الخاصَّة بالعالَم، ولكي يُحقِّق (الفن) هذا الهدف ينبغي أن يستخدم (المتلقي) (إدراكه) و(تصوراته) و(خياله)، ويرى أنَّ (الطبيعة) الخاصَّة بالأشياء في ذاتِها تتحدَّث من خلال (الفن) بشكل عام عن نفسها، ومن ثَمَّ ينبغي على (القارئ) أو (الناظر) في (الأعمال الفنية) أن يصغي لِما تبوح به هذه الأعمال؛ سعياً إلى (استخلاص) هذه (الطبيعة) بوسائله الخاصة، غير أنه في النهاية سيكون قادراً على (فهم) و(استخلاص) ما تسمح له (قدراته الخاصة) و(الثقافة) التي يعيش فيها أن (يفهمه) و(يستخلصه)، وهذا ما أكَّدت عليه (نظريات القراءة) فيما بعد، وتَجلَّى (مفهوما) أساسياً في (نظرية التلقي) عند Jauss (ياوس) وiser (إيزر).

وقد أشار (شوبنهاور) إلى أنَّ (الاستمتاع الجمالي) حالة مشاركة بين (العمل الفني) و(المتلقي)، وأنَّ هذه (المشاركة) شرطٌ أساسٌ لِحدوث (الأثر الجمالي)، مؤكِّداً بذلك على أنَّ (عملية التلقي) ينبغي أن تتمَّ من خلال (التأمُّل الخالص) و(الاستغراق العميق) في عملية (الإدراك) المتحرِّر من (الميول) و(الرغبات) و(الأفكار) (الخاصة) و(المحدودة) و(المؤقتة)، وهو المبدأ الذي استقرَّت عليه (نظرية التلقي) فيما بعد.

وعلى كلِّ حال فإنَّ آراء كلٍّ من Jadamr (جادامر) وHeidegger (هيدجر) وHusserl (هوسرل) حول مفهوم (القراءة) و(القارئ المؤول)، رافداً مُهمَّاً يُغذِّي (نظرية التلقي) ب(المفاهيم) و(المصطلحات)، حيث تُجيب Hermeneutic (الهرمنيوطيقا) الفلسفية عند (جادامر) عن السؤال الذي يطرحه (ياوس) -أحد أبرز مُنظِّري (التلقي)- عن (السلطة) التي نقبل بِها ما نقبل من معنى (العمل)، ويذهب إلى أنَّ كلَّ (تفسيرٍ) لأدب (الماضي) إنَّما ينبع من (حوارٍ) بين (الماضي) و(الحاضر)، وأنَّ (مُحاولاتنا) ل(فهم) عملٍ من (الأعمال الأدبية) إنَّما يعتمد على (الأسئلة) التي يسمح لنا مناخنا (الثقافي) الخاص بتوجيهها، وأننا نسعى في الوقت نفسه إلى (اكتشاف) (الأسئلة) التي كان (العمل) ذاته يُحاول (الإجابة) عنها في (حواره) الخاص مع (التاريخ).

Omar1401@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة