Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
أوراق
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
متى نسعد برحيل أستاذ الجيل وأدباء التراث إلى القمر؟!
أبوعثمان إبراهيم بن عثمان

 

الأستاذ والأديب أبوعبدالرحمن بن عقيل - وفقه الله - علما ثقافيا غنيا عن تعريف كويتب لا يزال قلمه يحبو على مداد محبرته، ولا زلت أذكر التواصل الأول حيث هاتفته منذ سنوات قبل ظهور الهواتف النقالة عندما كان في منزله بسلطانة، ولم يكن له سابق معرفة بي، وكنت حينها مستفسراً حول أبيات شعرية، فأجاب - مشكوراً - بكل تواضع وحسن خلق، أما آخر مناسبة ثقافية لازالت عالقة في الذهن فهي تلك الليلة التي أقيمت له في مركز الملك فهد الثقافي حيث عاش الحضور مع تجليات أبي عبدالرحمن في ميدان الأدب والشعر وأوزانه، ونماذج مرفوعة بصوته المجسد، مقارنا بحور فصيحة بألحان (ملحونة)(1).

ولطول المسيرة الثقافية لأستاذ الجيل ابن عقيل التي شاب فوق طرسها قذال يراعه، جاز - في هذه الوجازة - التساؤل لماذا لا يكون لذلك الإنتاج الثري، والغنى الذهني، وتلك الفلسفة الأدبية، والجدل العقلي، والشمولية المتمددة، أقول: كيف لا يكون لذلك كله نصيب من هذه الطفرة الفضائية التي يمتلك الأستاذ الظاهري - وهو المتحدث البارع أيضاً - زمام أدوات التعامل معها، خاصة وأنها باب واسع من أبواب التواصل اللامحدود، والتي تسابق إليها من هو دونه علما وفكرا وحبوراً وعطاء وحضور.

إن طرح هذا التساؤل - بهذه الصفة - لا يعني أننا لن نرضى غير ابن العقيل مجيبا، بل يتوجب التحري لإجابة مقرونة بالتجاوب من أصحاب تلك القنوات التي يهمها تقديم الثقافة الجادة والعلم الهادف، فلماذا لا تقوم باستقطاب أكابر أساتيذ فنون الأدب واللغة والتاريخ والتراث في بلادنا، كابن عقيل وابن حسين والفيصل والعبودي وأبوداهش (مع حفظ الألقاب) وغيرهم من الأصلاء ذوي الرسوخ التراثي المؤهل لمصابيح أنوارهم أن ترفع وتذكر في سماء البث العِلوي، بعد أن يؤتى إليهم لا أن يأتوا، فالعلم يؤتى ولا يأتي، ثم المرجو أن لا تكون مشاغلهم عائقا عن المشاركة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أسوة بعلماء الشرع الأجلاء الذين تبوأوا الدعوة للإيمان والدار الآخرة على منابر الفضاء المشعة، خاصة وأن البعض قد تصدر تقديم تراث الأمة وهو لا يعرف من الموروث غير اسمه، ولا هم له سوى الظهور المزخرف.

إن من كان له سابق رأي حول المشاركة في البرامج الفضائية فيمكن أن يتفهم منه ذلك ويقبل فيما سبق، أما اليوم فقد اختلف الوضع بعد ظهور قنوات جادة ومناسبة للطرح الجاد، وأحسب أن القائمين عليها يسعدون بذلك أيضا، وسيقومون بإعداد الحلقات والبرامج التي تتناسب مع مكانة أولئك الأدباء والأساتذة وقاماتهم الثقافية، وبالتالي لم يعد كافيا الكتابة في جريدة يومية، أو مجلة شهرية، أو إلقاء محاضرة لا يستفيد منها سوى العشرات من حاضريها، ورحم الله الإمام مالك؛ حيث قال: (يخرج الرأي من عندنا شبراً فيأتينا من العراق ذراعاً).

ولعل المقصود بذلك الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - وما يقدمه من الرد والرأي - في العديد من المسائل - الناتج عن غزارة علمه، وإذ نتمثل بهذا القول متمنين الرد المبني على الإيجاب والقبول الذي يتخطى الذراع إلى الباع، كي يُرى أولئك الكبار ومنهم الأستاذ ابن عقيل في سلسلة حلقات أدبية وتراثية متخصصة نجزم أنها ستكون تجربة ذات يوم مشهود في فضاءات التراث والموروث العربي، والله المتأيِّد.

الهامش:

(1) دار - في الماضي - حديث حول تسمية الشعر غير الفصيح، فمنهم من يرى تسميته بـ»العامي» نسبة للعامة، أو «الشعبي» نسبة للشعب، أو النبطي نسبة للأنباط في شمال الجزيرة، أو «الحميني» في جنوب الجزيرة، وهناك من يقبل هذه التسميات مجتمعة ولا يرى التفريق بينها.

قال ابن عثمان: والصحيح أن التسميات المذكورة قاصرة في إعطاء شمولية الاصطلاح والتعريف المطابق لواقع الحال، فالفصيح من نسج العامة وهو أيضاً من نسج الشعوب، والأنباط من الشعوب، مع أنه لا دليل ناهض على نشأته عندهم ابتداء، وبالتالي، فإن تلك التسميات المذكورة يشترك فيها الشعر الفصيح وغيره، والتسمية المناسبة - فيما نرى - هي الشعر (الملحون) وهو كل شعر ولج فيه اللحن من أي وجه، وللحديث - هناك عند أهله - فرض ليس هذا موضعه. أما الحميني الذي يجمع شيئا من الفصيح مع (الملحون) في القطعة الواحدة فلم نطلع على ما يفيد حول أصل هذه التسمية، أو سبب إطلاقها على هذا النوع من الشعر اليماني، وبالمناسبة فإن كلمة (الملحون) لم نجدها - معرفة أو غير معرفة - في قواميس اللغة التي تم البحث فيها آليا، إلا أننا وجدناها غير معرفة عند ياقوت في موضع واحد في معجمه البلداني 4/ 222 وهذا نص منطوق عبارته (شعر غير موزون وهو مع ذلك ملحون). هكذا ومعجم ياقوت ليس في درجة قواميس اللغة كاللسان وغيره، وعلى كل حال إن كانت هذه المفردة فصيحة بهذا الرسم والمعنى المذكور فنعماً ذلك، وإلا تكون كالشعر الذي تم تسميته بها، حيث سرى اللحن وعدم الفصاحة في العنوان والمُعنون، وبالله التوفيق.

- الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة