Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
فضاءات
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
مداخلات لغوية
الطباق الثقافي (2)
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

يطرح أستاذنا أ. د. عبدالله الغذامي سؤالاً يحاول أن يبين في إجابته حالة الطباق الثقافي ليخلص إلى أنّ اللغة بخير وأنّ النحويين ليسوا بخير، ولكن الذي يفهم عقلاً أنّ النحويين وغيرهم سيكونون بخير متى كانت لغتهم بخير، يقول أستاذنا «من هنا نطرح السؤال: هل صرنا أمام حال من الطباق الثقافي في وضعنا مع اللغة الفصحى المعاصرة...؟!!»، إن كانت اللغة المعاصرة هي (اللغة الفصحى) فما شكوى «أهل النحو واللغة وأهل الثقافة والكتابة»، وهذه الشكوى في قوله «هي حالة ظلت تتكرر على مدى قرن كامل أو يزيد، وكلما توسعت دوائر التواصل الثقافي تكثف معها القول بالخطر الداهم على اللغة العربية، وأصبح هذا علامة ثقافية في كل محفل أو مؤتمر أو لقاء إعلامي»، والحق أنّ هذه الشكوى ليست جديدة، بل هي نشاط حيويّ رافق اللغة في أزهى عصور ازدهارها، فحبها والغيرة عليها جعلت كتب لحن العامة ركنًا من أركان المكتبة العربية، وإن من الطبيعي أن تتكرر مع توسع التواصل الثقافي، إذ وهب هذا التوسع المجال لكل أحد أن يكتب ما يشاء على ضعف مهاراته اللغوية.

وعلى نحو ما حصر أستاذنا النحو في علامات الإعراب حصر الغرض من استعمال اللغة في الإبداع الأدبي، أو هكذا ما يفهم من عباراته، يقول «قرن أو يزيد يكتظ بالتخويف على مآل العربية، وفي المقابل فإننا نشهد أمرًا نقيضا لذلك النذير ويخالف كل مؤشراته، والذي يحدث عمليًّا أن قرنًا كاملا أو يزيد كذلك مر في عصرنا الحالي ولم نشهد فيه أية علامة على اهتزاز موقع لغتنا ولا على قيمتها بين الناس. بل هي في حال من الازدهار المتصل - كما تؤكده الوقائع -.» فأين الحال المزدهرة في لغة استبدلت بها الإنجليزية في تعليم العلوم في الجامعات وغيرها من المدارس الخاصة؟ وأينها وما عادت لغة العمل في القطاع الخاص؟ وأينها وهي لغة الأطباء والعاملين في مستشفياتنا، وهي لغة الطيران، وأين هي والمؤتمرات تعقد بغيرها في عقر دارها، وأين هي لا تشترط إجادتها في الوظائف بل تشترط إجادة الإنجليزية، وأين هي على ألسنة أبنائنا الطلبة الذين لا تخفى حالهم عن أستاذنا، قد يُفرح أستاذنا هذا الإنتاج الكتابي الكثيف، ومن حقه أن يفرح به؛ ولكنه ليس من المقبول أن يغلب الكم على الكيف، وليست الكثرة بدليل صحة:

أعيذهــا نظـرات منـك صــادقةأن تحســب الشــحم في من شحــمه ورم

إن الإنتاج الأدبي مطلوب وجميل؛ ولكن سلامته من العيوب مطلوبة أيضًا، وليس من العيب أن يراجع المنتج ما أنتجه ليرأب صدعه ويزيل شعثه، وهذا من أصول كل صناعة.

ويستدل أستاذنا لإبطال شكوى «أهل النحو واللغة وأهل الثقافة والكتابة» بحال اللغة اليوم وحال لغة الأجداد القريبين، يقول «ويكفي أن نسأل أنفسنا عن حال اللغة العربية مع مطلع القرن الحادي والعشرين وحالها التي كانت عليها في القرن التاسع عشر، وحينها سنرى أن الفاصل بين القرنين يشهد أن حال اللغة قد تحسنت بأفضل مما كانت الحال عليه في أي زمن مضى، ويكفي أن يقارن المرء منا حالة لسانه الخاص به مع ألسنة أجداده القريبين لكي يرى بأم عينه كيف أن اللغة صارت على لسانه وعلى مسامعه وفي بيئته الثقافية المحيطة به بحال لا مقارنة فيها مع كل ما سبق»، ويكفي أن نقول إنها لم تتحسن بالتخلي عن الإعراب كما تخلت العاميّات، ولا بإطلاق القول من غير عقال من قوانينه، بل تحسنت بالعودة إلى الأصول وربط الحاضر بالماضي الزاهر، ولولا تعلم اللغة الفصيحة وإتقان علومها ما كان للغة الناس أن تكون على ما هي عليه اليوم، والموازنة التي يعقدها أستاذنا غير دقيقة فهو يوازن بين لغة فصيحة معاصرة ولغة عامية قديمة هي ما يقصده بلغة الأجداد القريبين، وكانت تصح الموازنة لو وازن بين عامية وعامية أو بين فصيحة وفصيحة، والطريف أن أهل العامية يشتكون من فسادها وسوء استعمال الناس اليوم لها، وأظهر ما يتجلى هذا في فقدان الكفاية الاجتماعية التي كانت مرعية حق رعايتها في عامية الأجداد، وإن يكن للفصيحة حراسها فإن للعاميات حراسها أيضًا. وأما قوله «إذن... هل النذير نذير حق وحقيقة وهل هو كاشف عن خطر داهم مهدد أم أنها حالة حنين شعري وتخييلي...!!» فسؤال سنجيب عنه في مداخلة قادمة.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة