Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
فضاءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
اللاعب مسّي: وبين القدم والرأس ترتبك المعادلة
عبدالله السعوي

 

ليس لدي كبير تَحَفظ على متابعة أحداث وما جريات التنافس الرياضي إذا كان ذلك يتم بطريقة مقبولة وبقدر عال من التوازن والاعتدال وعدم الالتياث بجريرة التعصب, وإنما التحفظ يطال ذلك اللون من المشاهد الرياضية والذي استحالت الرياضةُ جراءه إلى قضية ذات طابع مركزي حيث استولت على حس النشء وسلوكياته وكانت حاضرة باستمرار في منظومته المشاعرية واعتباراته المختلفة على نحوهمش الأهداف الحقيقية التي يفترض التمحض لتجسيدها. ولا جرم أنه حينما يستحكم الفراغ وتزداد وتيرة مساحاته لدى الفرد فستشتد ميوله تلقائيا نحو الصوارف المبتذلة وسيبحث عن السفاسف وسيتفتح وعيه على الوان من المعطيات السوقية وكلما نال حظا منها طالب بالمزيد,والحصول على شيء من تلك المطالب هو ذاته ما يحفز على التطلع لنيل المزيد منها وهكذا حتى يدلف مرحلة التيه ومن ثم يبدأ مرحلة البحث عن الذات!.

الرياضة بلا ارتياب هي أحد مصادر الشعور بالمتعة ومن خلالها تتفتح أمام الشاب آفاق الحركة والنشاط وهي حينما توظف على النحو الصحيح ليست مجرد إنفاق للطاقة الفائضة فحسب بل تكمن فيها فرص حيوية للتربية والتهذيب وإنما المحذور هو أن تستحيل تلك المتعة وتلك الأجواء التنافسية إلى أولوية مطلقة وغاية يُقاتَل من أجلها وتجري مَنْهجة الحياة وتوظيف أنشطتها اليومية على ضوء مقتضياتها!.

المحذور هو المبالغة في التعلق باللاعبين (مسّي مثالا) وتقديس الأقدام حتى باتت القدم وحدها هي محط الأنظار!هذه القدم الثاوية في مخدعها لا تبرح حذاءها حتى تتحكم في تغيير الحالة المزاجية لسواد عريض لا يفتأ يهيم بها وجْدا, إنها تحظى بشعبية جارفة خلافا للرأس الذي يعيش حالة اغترابية حادة بات على إثرها خارج المعادلة الجماهيرية فهو مهمش حتى إشعار آخر ولم يحظ بما تحظى به صاحبته القدم التي كسبت الرهان وسجلت حضورا مختلفا بفعل ماتكتنزبه من كاريزما آسرة ولا يجدر بمثل مقامها رياضيا إلا أن يكون كذلك! الرأس تم تغييبه لصالح تلك القدم التي حتى ولو لم تستو على سوقها بعد فهي تحظى بقدر من الخصوصية في الصورة الذهنية المنطبعة لدى شريحة عظمى من أبناء الجيل حيث بات من المألوف اليوم أن ترى ليس فقط شابا يافعا في مقتبل العمر, بل وحتى قد يكون كهلا قد بلغ من السن عتيا ومع ذلك تتلبسه حالة من سكرة هيام تجاه هذا اللاعب أو ذاك فيبيت لديه ملء السمع والبصر ويعرف عنه وبمنتهى الدقة أدق التفاصيل ابتداء من الأكلة المفضلة التي يهيم بازدرادها مرورا بماهية الملبس الذي يؤْثر ارتداءه إلى نوعية العطر أو المعجون الذي لايفتأ به يشوص فاه!

هذا التعلق الوجداني البالغ الحدة بأصحاب الأقدام يضاهيه من الناحية الأحرى جهل أو تجاهل تام لصناع الوعي ومسوقي المعرفة من عباقرة وعلماء ومفكرين خلفوا معطيات إبداعية لافتة لو احتُفِل بها لأحدثت تحول بنيويا بالغ العمق ولجرى على وفقها صياغة النموذج التنموي بمعناه العام.

ومحصول القول: إن الأمة المتخلفة الفقيرة ليست هي تلك التي تعاني من الشح المتزايد في مجال الموارد الاقتصادية, وتدني مستوى الكفاية المادية فحسب وإنما هي تلك الأمة التي حينما تمد عينيها باحثة عن شبابها سرعان ما يرتد إليها طرفها حسيرا على نحو يعييها بألوان الانكسار!.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة