Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
فضاءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
رؤية
شيء من العقل.. لا وشكراً
فالح العجمي

 

هل عمر الإنسان الحالي يؤهله لأن يخطط بطريقة عملية، ويوزع سنوات عمره على التعليم والتدريب، ثم الاستفادة منهما في التطبيق وممارسة حياته العملية كما ينبغي؟ في حقيقة الأمر إن الوضع ليس كذلك، بل إنه يصرف في مراحل التأهيل والتدرب أكثر مما يتبقى له في زمن التطبيق، والاستفادة من تأهيله فيه.

كان الإنسان في العصور القديمة يولد في بيئة تؤهله لفهم الحياة المحيطة به، ويتمكن من خلال معارف محدودة من السيطرة على وسائل المعرفة المتصلة بعصره. لكنه أصبح بشكل متدرج لا يدرك تلك المعارف إلا بعد قرابة ما يساوي ثلث عمره؛ بل إنه وصل في العصر الحديث إلى صرف نصف عمره على التدريب، واكتساب مهارات العمل المتعلقة بروح العصر، خاصة في مجالات التخصص المهنية والأكاديمية، التي تتطلب سنوات أخرى من التدريب والتأهيل، قبل أن يكون قادراً على ممارسة العمل بشكل فعلي ودائم.

فإذا كان قد انقضى من عمر الإنسان نصفه في الاستعداد لبقية حياته، فما قيمة ما تبقى منها في حساب الاقتصاد الفعلي لمكونات عمره، وكلفة الفارق بين التدريب والاستعداد من جهة، واستثمار العائد من التدريب؟ فبحسب معامل التكلفة المفترضة قياساً إلى استفادة المعني من التدريب، تصل النسبة إلى 2 : 7 في السنوات الثلاث الأولى، ثم إلى 1 : 6 في السنتين التاليتين، وربما إلى 1 : 9 في سنة أو سنتين تاليتين حسب التخصصات المطلوبة لبعض الأعمال. وهذا يعني أن أربعين سنة من عمر الإنسان، إذا قدرنا أن معدل عمره الافتراضي في كامل صحته يصل إلى سبعين سنة؛ أي ما يزيد عن نصف عمر الإنسان يصرفه على الاستعداد لما يقل عن نصفه المفترض، وأقل من ذلك في بعض البيئات التي تحيل المرء على التقاعد في عمر لا يتجاوز ستين سنة.

فأي الكائنات بهذا الحساب الافتراضي تكون أولى بأن تتمتع باستعدادات مؤهلة لما يأتي من حياتها؟ وأيها يستحق عمرها أن تكون قادرة على الاستفادة من الفترة التدريبية السابقة في بقية عمرها الافتراضي؟ بنظرة بانورامية شاملة على عدد من أصناف الكائنات المختلفة، يتبين أن نوعاً مثل السلحفاة هو الجدير بمثل ذلك التخطيط؛ فإذا كانت أعمارها تتراوح بين 250 و400 سنة، فإن صرف فترات تتراوح بين عشر إلى خمس وعشرين سنة لا يتجاوز ما نسبته 2% إلى 10% من العمر الكلي للكائن؛ فبالتالي لا تمثل هذه النسبة هدراً من عمره دون مردود، كما هي الحال بالنسبة إلى الإنسان أو الكائنات التي تقل أعمارها الافتراضية عن مائة سنة.

لكن ما التدريبات الممكنة التي ستحتاج إليها كائنات مثل السلحفاة، أو بقية الأصناف ذات الأعمار الطويلة، والمهارات المحدودة، وربما القدرات البيولوجية المؤطرة في سلوكيات الفطرة الطبيعية؟ لا يشك أحد في أن كل كائن قادر على أن يستفيد من أي تدريبات يتحصل عليها، وستنعكس بالتالي أي إضافات في مهاراته على مستوى حياته العملية. لكن القضية تبقى مدى قناعة الكائن نفسه بالانخراط في إجراءات التدريب والتحمس لها؛ فهي عملية ضرورية من أجل الاستفادة من جهود تبدل في هذا الإطار، وإلا أصبحت عملية استعراضية تشبه ما يقوم به المبتزون في عروض السيرك المختلفة، أو التجارب المعملية التي يقوم فيها الحيوان بدور نيابي عن الإنسان في تحمل تبعات المنتج وآثاره الجانبية.

فإلى أي مدى سيكون الإنسان أخلاقياً في تطبيقاته العلمية، وإلى أي مدى ستكون الكائنات الأخرى طموحة ومشاكسة في مطالبتها بحقوقها وبعض مبادئ وجودها؟

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9337 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة