Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
فضاءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
البيوت
أبناء أكثر
لمياء السويلم

 

البيوت أبناء أكثر، إنسان أقل. عندما ترن كلمة منزل في مسمع الإنسان يفترض أن تكون الصور عن العائلة والمشاعر الدافئة والإحساس بالأمان والسقف المطمئن.. فكم من هذه الصور تعبر خاطر ابنة أو ابن سعودي! أم أو أب سعودي؟ بيوتنا التي تبدو دوماً مُحْكمة في علاقاتها، مترابطة، لا يخوض الشيطان فيها، متراصة في بنيانها النفسي، تتداعى كل أطرافها إذا اشتكى أي منها، هل هي بيوت آمنة من الحقد والظلم والمزايدات والاعتداء والعنف بكل أشكاله؟ هل هي بيوت عامرة بالحب والانتماء أم هي محكومة بالسلطات والمخاوف والإذلال وإرهاب النفس؟ إذا فرت الأم من بيتها لتنام على عتبة باب الشرطة، وإذا ما اختبأت البنت في حجرة وأحكمت قفلها، وإذا ما هجر الولد أهله وسكن في غرفة إضافية في بيت صديق، إذا ما هرب الأب من ماضيه إلى زوجة وأبناء جدد يلغي بهم حسابه القديم مع نفسه، وإذا ما اجتمعوا جميعهم تحت سقف واحد وبين أسوار شاهقة تحجبهم عن الحياة، هل سيكون هذا بيتاً وعائلة أم سيكون حبساً اضطرارياً يحلم بلحظة عتق، هرب، طلاق، زواج، ابتعاث، أو موت..؟

ما هي الأوهام التي نلوِّن بها بيوتنا لندعي أنها بيوت لا ممالك يحكم فيها القوي الضعيف والغني الفقير والرجل المرأة والظالم الضحية؟ لماذا لا يحتاج صديقان لأكثر من زيارة واحدة ليكتشفا أن الورطة واحدة، وأن الآباء مهما تغيرت أسماؤهم يرثون نفس الربوبية والسلطة والقسوة والجهل بمعنى الأبوة؟ لماذا لا يلزم لبناتنا إلا ليلة وحيدة في سرير زوج لتعرف أن أخاها وأباها، ابن عمها وابن الجيران الذي حلمت به وزفت لسواه، لا يختلفون عن زوجها، لا في نظرتهم لها، ولا في مشروعهم معها، ولا في فكرتهم عن وجودها بوصفها كائناً ضعيفاً قاصراً في فكره متطرفاً في شعوره، يحتاج إلى رعايتهم، لا ينمو إلا في ظلهم، ولا تستقيم أخلاقه إلا بحكمهم وقيدهم.

لماذا يبدو مجتمعنا كعائلة كبيرة جداً، تحمل الصفات نفسها، ولا تختلف إلا في الأسماء؟ لماذا نتوارث الأفكار ذاتها عن دور الرجل الرب في بيته السلطان على نسائه الحاكم في أبنائه، دور الأم الخانعة المستضعفة العاجزة عن وصف عنوان منزلها لعامل البقالة والفاشلة في كل شؤون الحياة إلا من شأن التبييض والإنتاج والتربية؟ لماذا نتوارث جميعنا، سراً وجهراً، إيماناً وخوفاً، هذه الصورة المشوهة عن حقيقة الإنسان الأب والأم الابن والابنة، نتبادل الخبرات في كيفية تدوير مخاوفنا وعجزنا عن التغيير، نتداول السلطات في إخضاع كل أسئلة أبنائنا وبناتنا عن حقهم في بيوت آمنة حرة بلا سقوف وبلا مظالم موزعة بالتساوي؟ لماذا نناصح بعضنا في أقصر وأقسى الأجوبة عن كل حلم بالعدل ينبت في قلوب أولادنا وبناتنا، نقتص كل جذر حر من الخوف بتسليط كل قناعاتنا وسلطاتنا المريضة عليه؟! كيف تحولت ملايين البيوت في مجتمعنا إلى بيت واحد كبير، يزيد كل يوم عدد أبنائه وبناته، وينقص كل يوم عدد الإنسان فيه؟

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة