Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
قراءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
صدى الإبداع
استقبال الأدب الجزائري-2
دكتور سلطان بن سعد القحطاني

 

تحدثنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع حول استقبال الأدب الجزائري، وهو –بلاشك- جزء من الأدب العربي، حتى وإن كتب بلغة غير اللغة العربية، إلا أن جزءا كبيرا منه سيفقد أهميته، لأنه كتب بلغة غير لغة القوم الموجه إليهم، والعذر في ذلك يعود إلى أن كثيرا من أبناء الشعب الجزائري لم يكونوا يفهموا اللغة العربية جيدا في ذلك الوقت، وقد أشرت فيما مضى من الحلقة الماضية إلى أن الكتابة بالفرنسية لهذا السبب لم تعد مقبولة في بلد فيه أكثر من خمسين جامعة، كل جامعة تصدر مجلة باللغة العربية تضم بحوثها ومقالات الكتاب من كل البلاد العربية، لكن في هذه الحلقة سنرى كيف استقبل الأدب الجزائري في البلاد العربية وخاصة في السعودية ومنطقة الخليج العربي بشكل عام.فعلى المستوى الشعبي

احتفظت الذاكرة الشعبية بأدب المقاومة الشعبية والرسمية في الجزائر، وأصبحت بعض الأسماء في ذاكرة كل شخص من الشعبيين والمثقفين، إلا أن ما كانت تبثه الإذاعة من تعليقات على الوضع في الجزائر كان مثار إعجاب العامة وإثارة حماسهم أكثر من الطبقة المثقفة التي تزن الأمور بميزان يختلف عن ميزان الذاكرة الشعبية، وكان مما تذكرة ملفات الإذاعة السعودية ما كان يلتقطه المترجمون من اللغة الفرنسية من برنامج بعنوان (جزائري يخاطب الفرنسيين) كان لهذا البرنامج الذي يذاع خلال التعليقات على الثورة الجزائرية عدد كبير من المستمعين للإذاعة- وهي المصدر الصوتي الوحيد، قبل ظهور التلفزيون- تبدأ بعده التحليلات الشعبية، على ما فيها من مبالغات، وقد ذكر ذلك الأستاذ عبد القادر نور الذي تولى الإذاعة الجزائرية بعد التحرير بسبعة أشهر، حسبما روى في مذكراته عن الإذاعة 1 وقد حظيت بعض الأسماء الثورية بعد التحرير بقبول منقطع النظير على المستوى الشعبي، فكان الجميع ممن يحفظون هذه الأسماء، وخاصة من متابعي نشرات الأخبار قبل التحرير وبعده، سائقي سيارات النقل على الطرق، وأصحاب الحوانيت، والمزارعين والرعاة، يرددون أخبار المجاهدين في كل جلسة سمر يعقدونها، فكان يوسف بن خدة، وأحمد بن بلة، وهواري بومدين، والصوت النسائي الذي حاز كل الإعجاب، جميلة بو حيرد، وكانوا ينطقونها (جميلة أبو بوحريد) وانتشر هذا الاسم بين البنات، وظهر بالمئات اسم جميلة، وحاك الرواة الشعبيون الخرافات وخوارق العادة حولها، فقالوا أنها قتلت بدبابتها لواء كاملا من الفرنسيين، وأنها عندما قبضوا عليها تم اغتصابها من قبل أفراد السرية كلهم، وغير ذلك من المبالغات. كما انتشرت الأهازيج الشعبية الحماسية، ولم تنتشر أغنية أكثر مما انتشرت أغنية محمد سلمان وزوجته نجاح سلام، والتي مطلعها: يا طير ياطاير على الجزائر

خذني بجناحك للشعب الثاير

وركب الشعراء الشعبيون على منوالها كثيرا من القصائد، والأهازيج، وخلطوا بين الثورة العربية في سوريا ضد الفرنسيين، بقيادة سلطان الأطرش، وبين ما قيل في الجزائر، وكان كثير منهم لا يعرف عن الجزائر إلا أنها بلد المليون شهيد، وأنها مجموعة من الجزر، ولم يكن ذلك فقط على المستوى الشعبي بل أن ليلة التحرير، يعلق أحد المذيعين من صوت العرب على الموقف بقوله: هرب الفرنسيون المستعمرون من الجزائر والمجاهدون الأبطال يطاردونهم من جزيرة إلى جزيرة وهم يولون الأدبار 2 وكان هذا الحماس يسيطر على المستوى الشعبي من أبناء الستينيات من القرن الماضي، وعلى طبقات الشباب، والقوميين العروبيين قبل دخول جماعة الإخوان المسلمين (الإسلامويين) بأيديولوجياتهم، وتوليهم على الإعلام والتربية والتعليم، فقلبت وثيقة التعليم إلى وثيقة إسلاموية، تحرم هذه المبادئ العروبية، وتنزع الأناشيد الوطنية لتضع مكانها مؤلفات سيد قطب وحسن البنا، وترعى بعض الطلاب النابهين وتدربهم على الجهاد المؤدلج، وتسيطر على جامعتين دينيتين لتفرخ في وسطهما أفكارها، كالقطبية والسرورية 3 قبل أن ينكشف أمرهم فيما بعد، وقلبوا مفهوم فتوى الشيخ البشير الإبراهيمي، والتي لم يطلع عليها كثير من أتباعهم،التي نصها (الجهاد للدين والقومية والرجولة وظلم الاستعمار الغاشم) فقالوا:للدين وظلم الحاكم، ومنها صدر تكفير من لم يكن على ملتهم، وصاروا يشوهون سمعة قيادات الثورة الجزائرية وآدابها، وينعتونهم بالكفر والإشتراكية الروسية الملحدة، واضمحل هذا القبول في نفوس كثير من القوميين من جيل الستينيات، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، ومنهم من انتقل على جوار ربه، واستولوا على عقول الشباب المراهق، ومنهم من انقلب على عقبه، بعد أن اكتشف مغزى دينهم القمعي. وسنتحدث عن استقبال هذا الأدب على المستوى الثقافي في الحلقة القادمة.

1- موقع الإذاعة الجزائرية.

2- عبد الكريم محمود الخطيب( خمسون عاما في الإعلام ( مخطوط)

3- د. سلطان بن سعد القحطاني ( التيارات الفكرية وإشكالية المصطل ح النقدي) ص ؟؟؟

نادي الطائف الأدبي 2005م.

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة