Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
أوراق
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
يقال.. ولكنه لا يكتب
د. زهير محمد جميل كتبي

 

من الصعب فهم كيف تتحوّل بعض القيم والمثل والمبادئ والأخلاق إلى.. [رماد].. يكب في وجه المثقفين والمصلحين. ويكون ذلك.. الرماد.. إلى إسهام مهم في تدمير ما تبقي من قيم ومثل ومبادئ وأخلاق. وتحوّل القيم والمثل والمبادئ إلى.. رماد.. هو إرهاق للرأي العام.

إنّ الإصلاح والتصحيح في المجتمع وإعادة الأمور إلى مواقعها وطبائعها لا يبدو مشجعاً للإقدام على ذلك.

إن من يرغب في الإصلاح ومحاربة الفساد ينبغي أن يقدم للشعب ما هو مثير وملتهب لكرامتهم وإنسانيتهم. للأسف يتغافل الكثير من بني قومي أنّ كل الأشياء معرّضة للتغيير، وبالتالي نحن نتغيّر معها تلقائياً. وخاصة أنّ.. [التغيير].. أصبح قوة العالم.

وأزعم أنه في كثير من حالات الإصلاح أنّ وجهه النظر المنطقية لن تلقي حماساً من قبل الشعب، ولا دعماً معنوياً. بسبب..[النفاق].. و..[الرياء].. و..[المداهنة].. و..[الكذب]..

و..[التلوُّن].. إنّ ذلك التعصُّب الشديد لمثل هذه الرذائل من الأخلاق التي تبديه بعض فئات الشعب، تستند إلى أساس واحد هو..(( [الخوف])).. والتهرُّب من العقوبة والعقاب. إنما يتحمّل المجتمع جانباً من مسؤولية الخوف، وإثارة عدم الثقة في المثقف المصلح؟.

يحرص وبكل تأكيد المثقف المصلح على ألاّ تتكوّن حوله أي هالة زعامة، وفي كل مرة يؤكد المثقف المصلح أنّ المناصب والزعامة ليست هدفاً عنده. فهو يتعامل باللغة المنطوقة اجتماعياً، واللغة المنطقية. وتعامل المثقف المصلح مع قضايا المجتمع ومع الأزمات يعكس فهما عميقاً للواقع والثوابت، ومرونة كبيرة في التحرك بين هذه وتلك لتحقيق.. [المقاصد الإصلاحية]..،. مما يدفع السلطة الاعتراف بوجاهة دورة وأفكاره ومبادئه. لم يطلب المثقف المصلح من مجتمعه أن تقبل يده كدلالة على الاحترام والتقدير، إنما أراد أن يفهموا مقاصده الإصلاحية.

أنّ بعض الناس في بني قومي لا يفهمون معاني المصطلحات ولا يفهمون الأشياء على حقيقتها. فيعتبرون الإصلاح حالة من حالات.. [الشغب].. أو.. [المشاغبة].. فلذلك يصفون المثقف المصلح بأنه.. [مشاغباً].. ويتغابون حين لا يفهمون أنّ التغيير شيء، والتطوير أمر آخر. لأن التغيير سنّة من سنن الله وأما التطوير فهو عمل أخلاقي وإبداعي وهو جدلي. والإصلاح عادة يدعو.. [للتطوير]..،.

والخيارات كانت صعبة جداً، فهو يدرك أنه غير قادر على مشروعة الإصلاحي الوطني دون دعم ومؤازرة المجتمع له ولمشروعه. وفي المقابل يؤكد المثقف المصلح وعلى الدوام أنه.. [غير راغب].. في استعداء السلطة. وهذا منهج سياسي يدل على فهم المثقف لواقعه والقدرة على استخدام آلياته بشكل جيد ولصالح الوطن. أي أن كل مواقفه تتسم بالمرونة. وأيضاً لم يقلب الطاولة على أحد. وذلك بهدف تحقيق أهدافه الإصلاحية، والأهم من ذلك تأمين مشروعه الإصلاحي لأنّ المثقف يفهم معطيات الواقع السياسي والديني والثقافي والاجتماعي الوطني.

وفي كثير من الأحايين يعاني فيها المثقف المصلح اختناقاً كبيراً بسبب ضعف وعى المجتمع، رغم أنه أختار خطاباً.. [غير صدامي]..، بل إنه اختار الخطاب الذي تستمع له السلطة. وعدم مقاومة مشروعه الإصلاحي دون أن يترتب على ذلك خسائر سياسية أو ثقافية.

وهذه المساحات، وهذه التوجُّهات، لم يستطع الكثير من أبناء المجتمع فهمها واستيعابها.. وسؤالي الملح دوماً هو: ما المكسب الذي تحققه تلك الفئات من النظر إلى.. [الفساد].. وسوء وتدني الكثير من الأوضاع ؟!. ثم لماذا تكون مواقفهم سلبية ضد المثقف ؟. إنها أسباب تدعو لعدم الارتياح بل والغضب. بل إنها قد تتضمّن تمييعاً للأمور وخلطا فيما بينها. ويكون ضرره أكبر من نفعه. خاصة أن الكثير من بني قومي ليس لديهم الإرادة.. [للإصلاح].. وآخرون ليس لديهم قابلية نحو.. [التغيير]..

غفلوا بقصد - وسوء نية - أنّ المثقف المصلح حاول إصلاح ما هو قائم بالفعل في المجتمع. دون أن يعمل على إيجاد استفزاز للأطراف الأخرى. بل إنه أحترم كل أسباب التهميش السلطوية لما يقدمه من أفكار ومبادئ إصلاحية. ورغم كل ذلك لم يغضب المثقف، ولم ينفعل، ولم ينفجر، وهذه هي أحد أهم عناصر القوة الداخلية في شخصية المثقف المصلح. أن المثقف في حاجة ماسة لأرض صلبة ليقف عليها ليكون هو لا غيره. عندما يستطيع الإجابة على كل الأسئلة الصعبة. حتى يضطلع بالتعبير والدور معاً. لأن المثقف الحق والمصلح هو الذي يسعى إلى تغيير الأوضاع الفاسدة بإثارة مناخ إصلاحي.

إنّ تحقيق.. [مقاصد الإصلاح].. تحتاج إلى كثير من الصبر والصلابة والحكمة، وأن يفهم السلطة بفهمها العميق القابل للتطبيق في كل الأوقات وأن لا يستعدي أحداً. وهذا لا يعني عدم حقه في استخدام مصطلحات عدائية ضد الفساد والمفسدين.

يطلب المجتمع من المثقف أن يكون معتدلاً في مشواره ومشروعه، ومفهوم الاعتدال عند المجتمع مبهم ومطاط عند السلطة. يظن البعض - وهم كثر - أنّ الاعتدال هو.. (الصمت).. وهذا تفكير خاطئ، إنّ المثقف يملك فهم الواقع فهماً دقيقاً، وهو يدرك المؤثرات المحلية والخارجية، ويعرف كيفية صناعة القرار. ويعي ويفهم أشكال التشابك في المصالح السلطوية.

ويعي أن ذلك التشابك في المصالح هو الذي يسبب حرجاً شديداً له. وهو من يخلق الأزمات المتعدّدة له. ولقد اعترف المثقف بمعطيات الواقع الاجتماعي والسياسي.

وهذا هو.. [فقه الواقع].. الذي تعامل معه المثقف المصلح. لذلك فلم ينفجع من خذلان المجتمع له. وإذا كان المثقف الإصلاحي فهم الواقع والدخول السلس في المعالجة السياسية، فإنه حرص أن يفعل فعل الإصلاح دون الاصطدام بقواعد السلطة فهو حريص على وحدة الوطن. ولا يحب الالتفات للاستفزازات. ولا يحب أن يقع في موقف محرج يصعب معه إيجاد صيغ التوافق مع أطراف المجتمع.

أدرك المثقف الإصلاحي أن محاولة تغيير الواقع قبل تغيير معطياته هي معركة خاسرة من البداية، إن معطيات الواقع المجتمعي تقول إن المجتمع يخاف من تأييد المثقف المصلح، رغم أنهم يعرفون أنه يحقق لهم مكاسب. ولكن يغفل الشعب أن الكلمة الأخيرة تبقي لفقه الواقع والذي يؤيد عمل المثقف الإصلاحي لوضوح رؤيته. وخاصة أن المثقف وكما قلت يملك حسن فهم واقع الشعب السياسي، ويعي حجم التغيرات التي يحتاجها المجتمع من أجل إصلاحه وتنميته. ولكنه يعرف بعمق مهم أنّ ميزان القوة ليس في صالحه، فلذلك فهو يتجه نحو التعبير بالكتابة والرصد والتحليل والاستنتاج.

ولا بد أن نستوعب تجاريب الآخرين، حتى لا نسمح بتكرار أخطائنا الكثيرة والتي لا تنتهي. أخشى، ما أخشى إن لم نغير من أخلاقنا الرذيلة ونفوسنا المريضة، سوف نقوم بالانتقام من أنفسنا. وقبلها نكون قد فقدنا قوّتنا وقيمنا ومبادئنا ومُثلنا.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

Zkutbi@hotmail.com - twitter: Drzkutbi - مكة المكرمة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة