Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
فضاءات
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
مداخلات لغوية
الطباق الثقافي(3)
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

أعود إلى سؤال أستاذنا أ.د.عبدالله الغذامي الذي أنهيت به مداخلة سابقة وهو قوله «إذن... هل النذير نذير حق وحقيقة وهل هو كاشف عن خطر داهم مهدد أم أنها حالة حنين شعري وتخييلي...!!» وهو سؤال لا ينتهي منه العجب، فقد لا يكون الخطر داهمًا عاجلاً؛ ولكنه كالمرض إن هو أُهمل أودى مع الزمن بصاحبه، ومن العجب أن يسطّح أستاذنا شكوى «أهل النحو واللغة وأهل الثقافة والكتابة» فيخطر على باله كونها حنينًا شعريًّا وتخييليًّا، ولست أعرف ما الحنين الشعري والتخييلي، والذي أعلمه أنّ بعض اللغات كانت في أصلها لغة واحدة ثم تشعبت لأنّ أهلها لم يهتموا بأسباب وحدتها، ومن يسمع أبناء العربية من مذيعين ومذيعات في بعض وسائل الإعلام ينتابه قلق حقيقي لا علاقة له بالحنين الشعري، وأدرس في هذا الفصل شعبة من طلاب التخصص على وشك التخرج لا أعلم كيف مروا حتى انتهوا إلى هذه المرحلة، إنهم طلاب لا يحسنون القراءة إن هم قرأوا، ولا يحسنون الكتابة إن هم كتبوا، ولا هم يفهمون ما قرأوا ولا هم يحسنون التعبير عن شيء قرأوه، ولا هم يعرفون ما يجب أن يعرفوه من علوم العربية، وتقرأ في الشبكة العنكبية فتراها ملئت بالعاميات وبالعربية الركيكة التي لا تصلح أن توصف بالفصيحة، وإنك لتقرأ الروايات والدواوين لا يهتم مؤلفوها بما اشتملت عليه من أخطاء، وإنك لا تكاد تقرأ مقالا صحفيًا خلا من الخطأ، وأما الإعلانات فأمر الخطأ فيها صار موضع تندر وصار أمر صياغتها بأي عامية أمرًا مسكوتًا عنه، كيف لا ينتابنا القلق وبعض الطلاب المتقدمين لكتابة رسائل الدكتوراه تجد مهاراتهم اللغوية فيها نظر، ناقشت مع طلاب الدراسات العليا بحثًا كتبه أحد أساتذة النحو ونشر في مجلة لغوية عرفت بدقتها فوجدنا البحث ملئ بالأخطاء، كيف لا نقلق والشباب قد اخترعوا لغة هي خليط من العربية والإنجليزية وتكتب بالأحرف اللاتينية والأرقام ولها معاجمها المطبوعة.

ويستعرض أستاذنا في تضاعيف إجابته عن سؤاله المسارات الجديدة للغة مستعرضًا تكرر ميلاد العربية فميلادها الأول بنزول القرآن والثاني في العصر العباسي حتى يصل إلى الأنثى (تويتر) التي رأى اللغة فيها وإن تكن تجربته عمرها عام ليقول «ورأيت فيها حدثا يعيد حادثة العصر العباسي» هكذا يزوى العصر العباسي في تغريدات، وهكذا تولد اللغة في تويتر، ولا نعلم ما توصف به لغة المعلقات والشعر الجاهلي قبل نزول القرآن أكانت جنينًا لتولد أول مرة بنزول القرآن؟ إن الحماسة مفيدة باعثة على النشاط إلى العمل والكتابة؛ ولكن وضع الأمور موضعها من أوجب واجبات الكتاب. لا أجادل في أنّ ضيق المساحة في تويتر جعلت الكتّاب يعملون عقولهم فيحسنون صياغة ما يكتبون، فيزوونه ببراعة مستفادة من طاقة العربية وقدرتها على الإيجاز، ومن اتصاف رسمها بالاقتصاد؛ إذ يكتب نصف ما ينطق، وأن لو كتبوا كل ما ينطقون به لأشكل أمر تدوين ما يريدون، وإن يكن من حسن في كتابة المغردين فمرده كما قال النحوي العظيم عبدالقاهر الجرجاني إلى معاني النحو قال «فإذا ثبت الآن أن لا شك ولا مرية في أن ليس النظم شيئًا غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين معاني الكلم، ثبت من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن إذا هو لم يطلبه في معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه، ولم يعلم أنها معدنه ومعانه وموضعه ومكانه، وأنه لا مستنبط له سواها، وأن لا وجه لطلبه فيما عداها، غارٌّ نفسه بالكاذب من الطمع، ومسلمٌ لها إلى الخدع، وأنه إن أبى أن يكون فيها كان قد أبى أن يكون القرآن معجزًا بنظمه». فإن يكن النحو هذا شأنه من تفسير إعجاز القرآن فكيف يُهوّن من أمره ويتندر به كما سيتبين في كلام قادم.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة