Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
فضاءات
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
رؤية
هل تاريخ الإنسان هو تاريخ قمعه..؟
فالح العجمي

 

ذهبت بعض النظريات النقدية إلى افتراض أن أشكال القمع والقسر ليس مرتبطاً بالوجود البيولوجي للإنسان؛ بل أيضاً بوجوده الاجتماعي كذلك، وأن الحضارة تحد من بنيته الاجتماعية والغريزية على السواء. فنمو المجتمع في بعض تلك النظريات يتم بتحويل الأيروس بوصفه الطاقة التي تكمن في أصل الحضارة، فتتخذ لنفسها تعبيرات غير مباشرة؛ تتمثل في المبادئ والقيم الأخلاقية والدينية وفي التعبير الفني والأدبي.

ويزعم ماركيوز في كتابه «أيروس الحضارة» أن فرويد يقرر أن تحقيق الإنجازات الحضارية والثقافية ومطالبها، يتم على حساب الإشباع الحر للدوافع الجنسية الغريزية؛ أي أن طريق إنكار هذه الدوافع وإعلائها في صورة فنية وعلمية للتعويض عن كبتها وكظمها لصالح الحضارة والثقافة. وهذا أدى إلى وجود ما يسمى بالقمع أو التسلط؛ وتعد هذه من أهم مقولات النظرية النقدية، ويرجع الفضل فيها إلى فرويد. وكانت هذه النظرة المأساوية، والتصور المتشائم لتاريخ العقل البشري، بوصفه تاريخ عذاب الإنسان وتغريبه من خلال قوة مجهولة غاشمة، قد بلغ ذروة سلبيته وتجرده من أقنعته الحضارية، وتصدعه واغترابه في ظل المجتمعات الصناعية المتقدمة، وتصاعد الإرهاب النازي، ثم الرأسمالي والشيوعي.

وقد سعى فلاسفة النظرية النقدية بعد ما شاهدوه من انحطاط القيم الفردية داخل المجتمع، ومن انسحاب لحق الفرد في الاختلاف داخل النظام الفاشي أولاً، وفي ترتيبات النظام السياسي المغلق للمجتمع الصناعي ثانياً، إلى إعمال العقل لإعادة الاعتبار إلى الفرد، ولتنشيط الفكر النقدي. وانطلاقاً من هذا الاهتمام عملوا على إعادة قراءة النص الفرويدي في ضوء تحولات المجتمع الصناعي، متسائلين عن دلالات الرغبة والتصعيد اللاشعوري، وموقع الجنس في آليات الإغراء الحديثة، وعلاقتها بالعملية الإنتاجية، وعن المعاني التي يتخذها الحب.

تبقى قضية التكنولوجيا هي العقبة الكأداء في سبيل نشأة نظام بشري متصالح مع طبيعة الإنسان نفسه؛ فالتكنولوجيا تمثل تسلطاً على الطبيعة والإنسان، والأهداف المحددة لهذا التسلط لا تتم دراستها فيما يخص التكنولوجيا بعد ذلك من خارجها، وإنما تدخل في صميم بناء الجهاز التقني.. فهي إذاً مشروع اجتماعي؛ وما يؤخذ منها، أو ما يعتزم المجتمع أن يأخذه منها هو ما يسيطر به على الناس والأشياء.

فلنأخذ على سبيل المثال: الأزمات المالية المتوالية في العقد الأول من هذا القرن، والتي مازال بعضها شديد التفاعل مع حياة الناس، ومع ظروفهم المعيشية، وأحوال المجتمعات المعاصرة الاقتصادية.

فالرئيس الأمريكي باراك أوباما كان قد وصل إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية (كبرى الدول الرأسمالية في العصر الحديث)، بأثر من الأزمات المالية والاقتصادية في النظام الرأسمالي. وقد حدثت بعض فواجعها في فترة رئاسته الأولى، ووعد باجتثاث فساد هذا النظام المالي، وعدم السماح للمديرين التنفيذيين الكبار بالإثراء على حساب مساهمي الشركات (المالية منها على وجه الخصوص). فهم قد درجوا على اقتطاع نسبة كبيرة من الكعكة لهم على هيئة مكافآت ومخصصات ونهاية خدمة..... إلخ. وتركوا في حالات ليست قليلة تلك المؤسسات تنهار، أو توشك على الإفلاس؛ فتضطر الإدارة السياسية -حفاظاً على الوظائف وأموال الناس- إلى التدخل بدعم بعض تلك المؤسسات العملاقة، التي كان يقال عنها: «إنها كبيرة على أن تسقط»؛ بمعنى أن سقوطها قد يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي بكامله، أو يؤدي إلى خلل بنيوي كبير في ذلك النظام. فما الذي على المجتمعات الصغيرة، أو الدول التابعة لتلك العجلات، أن تفعله من أجل أن يتحول تاريخ الإنسان إلى أن يكون أنظف من تاريخ في القمع، وأن ينأى تاريخ العقل الإنساني عن أن يكون تاريخاً لعذابه.

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 9337 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة