Culture Magazine Thursday  03/01/2013 G Issue 392
تشكيل
الخميس 21 ,صفر 1434   العدد  392
 
محطات تشكيلية
اعتبر فنان الكهوف صديقا ومعلما له
عبد الله إدريس فنان معاصر يستلهم فكرة اللوحة من حفريات ذاكرته
إعداد: محمد المنيف

 

الحديث عن الفنان والناقد والصحفي عبد الله إدريس يتطلب مساحة أكبر تتوزع على حلقات وفصول، فالتجربة التي يتمتع بها كبيرة ومتنوعة وذات مصادر مختلفة ولكل منها خصوصية، إلا أنها تجتمع وتتمازج وتبرز هويته الإبداعية في كل منها، أمسك زمام القلم فروضه، وامتطى صهوة اللون فانطلق به في ميادين التنافس وكسب الكثير من النجاح فيها، وملأ فضاء الحوارات والنقاشات بأطروحاته، ولفت النظر بصرا وبصيرة، إلى نقده ودراساته وتحليلاته عن المعارض، فأصبح نجما في سماء الفن التشكيلي السعودي وشمعة في ليال أعراس المعارض التي تقام في الساحل الغربي في مدينة جدة تحديدا، ليمتد عطاء قلمه إلى كل جزء من الوطن.

أقام قبل أيام معرضا في الرياض يضيفه إلى معارضه الإحدى عشر السابقة كان لجمهوره في الرياض فرصة للاستمتاع بشيء من الكثير مما في مستقبل خطواتها ومحطات عطائه، أقام المعرض في صالة مشكاة ارت جاليري، كان كل عمل من أعماله عالم وحال وعوالم بذاتها، جذبت الأعين فاتسعت بها مساحة القاعة وكأني بكل لوحة أو عمل مفاهيمي يبحث عن الانعتاق نحو مجال أرحب.. ومع إنني لم أرى للفنان عبد الله إدريس معرضا قبل هذا لسوء الحظ، فقد أحسست بشعور يحق لي وصفه بالغريب حيث تلقفتني لحظة دخولي المعرض إجابات لتساؤلات عدة عن هذا الفنان الذي حقق هذا الحضور والنجاح والإعجاب مع أن علاقته بالدراسة الأكاديمية غير معلنة أو لتكن مفقودة، فكان رغم هذا مبدعا يستحق أن يمنح الدرجة العلمية الأكاديمية الشرفية، مقابل ما نراه من أعمال ومحاولات لمن تحملتهم لا حاملين لمثل هذه الدرجات والمؤهلات.

قرأت عن معارضه السابقة ومنها معرض أحافير وتابعت ما قيل عنها من تحليلات وقراءات، واليوم أقف وجها لوجه (معه) من خلال هذا المعرض وأعني بذلك إن كل لوحة أو منتج فكري وتقني في هذا المعرض يحمل شخصيته الهادئة الحكيمة، ففي إبداعه بوح، وحكايات، ورموز، تأخذنا إلى ما هو أبعد من الشكل واللون والخامة إلى عالم يبعث فينا النشوة، جعلتني استحضر ما كان وما قدمه من أعمال سابقة تحمل مؤشرات نحو ما هو قائم في هذا المعرض، وبين القادم في مخاض جديد لن يكون أقل ولن يكون مشابها بقدر ما أتوقع أن يكون أبلغ وأكثر وصولا إلى غايات الفنان.

إبداع عبد الله إدريس يحمل مفارقات تدعونا إلى عالمه الذي يختزل فيه كائناته الافتراضية مقابل عالم من الوعي يحاول من خلاها استخلاص واقع جديد من بين ركام عالم حاضر غائب، في عالم الفن، أحيانا يظهر مصادما له وتارة متبلدا، مواجهة نحو المصالحة، لاستخلاص مصطلح و مفهوم يرحل بنا من مجرد عناصر بعينها إلى عوالم افتراضية، بإحساس واقعي في حالات الخيال، حضور مادي مجسد من طبيعة أو أمكنة أو قضايا حياتية يحملها الإنسان، جمع فيها بين ملامسة الواقع (ذهنيا) كمدرك عقلي يتعامل به المشاهد وبين الميل إلى التجريد عبر تقديم الرمز على حساب العناصر الأخرى في اللوحة، اللون في لوحاته مرتبط بالفكرة وليس كعنصر جذب وتزويق (مكياج)، يتجاور أحيانا أو يتداخل في أحايين أخرى، بناء على أهميته في التعبير عن الفكرة، كدلالات تختصر الرمز والإشارة، بانسجام بين حال تأثيرها على العين، من التضاد إلى حالات التوافق.. ‏

الجمل ذاكرة الأرض وتاريخها

استلهم الفنان إدريس عنصر (الجمل) باعتباره وسيلة للتنقل على الأرض في كل العصور والأزمنة والأمكنة، فأصبح ذاكرة الأرض التي لا تتيه أو تختفي معالمها، كلما رأينا الجمل تذكرنا كل شيء وأهم من ذلك أنه رمزا للتفكر بقدرة الخالق، بهذا استطاع الفنان أن يروض المفردة ويقاربها مع بقية العناصر، ببناء احترافي في تشكيل العمل (اللوحة) بتوزيع هندسي بين الفراغ أو الكتل والمساحات اللونية، يأتي العنصر (الجمل) متحكما محتضنا كل المعاني أرقاما وشخوصا، وأماكن وحضارات.‏

من يتابع الربط البصري من خلال العناصر المتكررة دون ملل في لوحات عبد الله إدريس يمكنه أن يكتشف ما يمتلكه الفنان من قدرة على صياغة اللوحة، بأدوات القصة أو الرواية، حيث يتم الطرح بالسرد في فضاء اللوحة وصولا إلى المفردة الواحدة، تتوالد منها لوحات متوالية، لكل منها خصوصيتها، لكنها لا تنفصل عن الأصل، فالينبوع واحد (عقل ومختزل الفنان)، لنصل إلى المعضلة والمشكلة الأزلية في كيفية تعامل المتلقي مع مثل هذا الإبداع (فكرا) قبل الشكل، والذي يتطلب جمهورا من نوعا خاص، ممتلكا للثقافة البصرية، التي تحتاجه الفنون الحديثة والمتعاملة مع فضاء ما يقع عليه البصر على الواقع وبين حالة (التأمل) وإثارة الوجدان وتحريك ملكات التخيل، وقبول حالات التحفيز لكل ما في عقل المشاهد الباطني أو الحاضر، إلى مرحلة الوعي.‏

رمزية سهلة ممتنعة

تظهر أعمال الفنان عبد الله إدريس بشكل يراه البعض سهلا والبعض الآخر ممتنعا ونحن نراه يجمع الصفتين السهل والممتنع، ومع أن الرمز من أصعب العناصر وأكثرها تعقيدا وخطورة في أن لا تحقق الهدف، وقد تقلب الفكرة رأس على عقب إلا أن الفنان إدريس استطاع تخطي هذه الحدود أو الخطوط الحمراء، ليجعل منها أدوات يمنحها للمشاهد ليستفز بها حالة التأملات وجلائها، وليعيد بها العلاقات الذهنية بين ما يراه من تلك العناصر وبين مرجعيتها ليشكل بذلك محاور أو أضلاع ثلاثة، فهم أبعاد الفكرة في اللوحة، القدرة على التحكم في وضعها في إطار ما تعنيه، الاستمتاع بكل ما تمخض عنه هذا الشعور بها.

monif@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6461 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة