Culture Magazine Thursday  04/04/2013 G Issue 401
أفق
الخميس 23 ,جمادى الاولى 1434   العدد  401
 
مقاربة
خالد المرضي في روايته «مصابيح القرى»: لسان الحكاية يلهج بذاكرة القرى وشجن المكان
عبدالحفيظ الشمري

 

يطل الروائي والكاتب خالد المرضي على القارئ من خلال عمله السردي الجديد حينما يجد وبشكل مميز في استقصاء حالة المكان والزمان بوصفهما بعدين معبرين عن حالة الانسان حينما يجد في استقصاء رسالة البقاء والفناء ومحاولات البحث المستميت عن رؤى وصور تذكي في الوجدان والذائقة رغبة التتبع ومواصلة استشراف حقيقة الحياة من حولنا.

المرضي في روايته يدلف إلى حقيقة قوية ومعبرة تتمثل في حياة القرى في تضاعيف الجبال في الجنوب.. ذلك الهامش الجغرافي المكتظ في الكثير من الصور المعبرة والفريدة.

فحينما يأخذ الراوي على عاتقه مهمة اكتشاف عوالم القرى مبتدأً من سوق القرية وما يعج به من أنواع من المعروضات وما يسترعي الاهتمام هو صورة ما يعرض في هذا السوق من متناقضات ومتباعدات وكل ما يريده الناس في هذا الحشد الأسبوعي «سوق القرية» أو «سوق الخميس» ومن ثم يدلف المرضي إلى تفاصيل المكان الذي بات يؤثثه بما يريد، إذ تأتي المدرسة البسيطة بعد السوق وعلى لسان «عبدالحميد» حينما يعيد لنا وصف المشهد بشكل أنيق ومفعم بالصدق والموضوعية لا سيما ان عرج على فضاءات العاطفة وجمال الروح الذي يسكن ذلك الزمن القديم وحكايته المعتقة كقهوة جنوبية تضوع تفاصيل الهيل والجنزبيل وتفتر الذات عن ابتسامة وتبجيل لتلك الصور الغائرة في الوجدان منذ الأزل.

يسعى المرضى من خلال هذه البنوراما الحكائية أن يستجمع الكثير من صور الحياة النازة بالعفوية ليقارنها بما تم عرضه اليوم من توسع وتحول وتبدل في الحياة حتى في هذا الريف القصي حينما لم تستطع براءات أهل القرى أن تحافظ على مواقعها الحميمية لتصبح وخلال عقود ثلاثة متحولة ومتبدلة وتلهث وراء كل ما هو جديد يطرق أبواب العالم بلا استئذان.

المرضي تسكنه في هذا العمل الجميل حميميات الماضي، وحنين لا ينقطع عن المنابت الأولى، حينما يغرق في وصف تفاصيل المكان، ويستعرض دورة الزمان وتحولاته في الخلائق والأمكنة، بل إنه عني في سبر أغوار الذات الإنسانية البسيطة، وحرك مفردة الخطاب الواعي نحو تمثلات الجمالي والعفوي في تلك المواقف الإنسانية المعبأة بالحكمة والجمال والبحث عن كل ما هو مفيد لتستمر العلاقة على نحو بهيج يحفظ لهؤلاء البسطاء شيئاً من جماليات ما يعملون فيه منذ أن وجدوا على تلك الأرض الضاربة في وجدان الذات.

لم يتخل الراوي عن حميمية أي مشهد أو ملمح في هذه المشاهد الإنسانية ولم يبتسر أي موقف، إنما عمد وبشكل جميل إلى تقريب كل الوجوه من خلال عدسة السرد لتلتقط المشهد الأسري لا سيما الأم والجدة والأحفاد الذين باتوا يرون تلك الأيام الخوالي بعين كليلة وحيادية لا يطربها ما كان في تلك القرى من حياة، وما كانت تضوع فيه من مباهج وجمال إنساني آسر سيظل للتاريخ وإن كان هناك من يسعى إلى تجاهله أو تحييده.

لغة الرواية سهلة ومكتملة العناصر، وتتعمق في تفاصيل النص الحميمي للحكاية من خلال عرض الصور البلاغية والجملة الشاعرية التي تحرك في الوجدان مكامن البهاء والجمال والتميز في صياغة مفهوم المقولات المؤثرة عن ذلك الزمن الجميل أو ما أسماه الكاتب «المرض» مصابيح القرى والتي تعد بحق إضاءة نوعية تجسد الشعاع المعبر عن قوة الإنسان في تلك الجبال وتلك الحياة النازة بالجمال والبساطة رغم قسوة الحياة وشقاء التجربة ووضوح المعاناة لأهلنا الطيبين هناك.

تدور تفاصيل حكاية الأرض في هذه الرواية على مفصلات ما هو جديد بات في حكم القديم على نحو ما سعى إليه المعلم «فوزي» آنذاك، إذ تعد هذه الشخصية المحورية في الرواية بعداً استشرافياً لحياة التحول والبناء المعرفي الجديد، لا سيما حينما انتقل العلم ورسالة التعليم من المساجد والكتاتيب إلى التعليم النظامي الذي نشهد ثورته الآن، إلا أن لتلك المرحلة المبكرة أبعاداً إنسانية جميلة لا يمكن تغييبها أو التقليل منها ومن دورها في بناء منظومة الوعي والحياة.

تتحرك شخصيات هذه الرواية بشكل متميز وتنهل من معين الحكاية التي لا يتردد «خالد المرضي» في وصفها والعمل على رسمها بطريقة سلسة وعفوية، تحقق المتعة والفائدة، وما يزيد الفكرة رسوخاً وحضوراً هو أن الكاتب قد عاش هذه التفاصيل وها هو يرويها للأجيال عن دراية وإتقان، وهو لا يخفي في هذا السياق الجميل تفاصيل الحياة المعبرة عن شجنها ووجدانها وبعدها المؤثر.

*****

إشارة:

مصابيح القرى «رواية»

خالد المرضي

مؤسسة الانتشار العربي - بيروت - 2013م

تقع الرواية في نحو( 144صفحة) من القطع المتوسط

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة