Culture Magazine Thursday  04/04/2013 G Issue 401
فضاءات
الخميس 23 ,جمادى الاولى 1434   العدد  401
 
البيوت
لماذا أعيش؟
لمياء السويلم

 

يسجل مجتمعنا أرقاما قياسية في أمراض الخوف، الرهاب الاجتماعي والفزع وفوبيا الازدحام والأماكن المغلقة وغيرها، والنفسانيون الذين يجمعون على أن الخوف هو حالة قلق بالدرجة الأولى، يقدمون تفسيرا واضحا لهذه الأرقام القياسية من أمراض الخوف في مجتمعنا، القلق النفسي الذي يسكن قلوب الناس وعقولهم، لم يجد حله مع كل هذا الإغراق في سوق الدروس الدينية ودورات التنمية الذاتية، القلق الذي يتكون دون وعي الإنسان بأسبابه، لا يمكن معالجته بتنظيم للوقت وتغير العادات السيئة وعداد الحسنات، الحوافز الخارجية يمكن أن تخفف من أشكال القلق لكنها لا تنزع جذوره من النفس، ذلك لأن صراع الإنسان مع ذاته يبقى دائما أسيرا لمعناه الوجودي، سؤال عن لماذا أعيش، قبل السؤال عن لماذا أموت؟

والإنسان في مجتمعنا لا يجد في نفسه أي جواب عن السؤال الأول، إلا أجوبة مستعارة من ثقافته، أجوبة مشتركة مع جماعته، والاستقلال الفردي الذي ينزع بالإنسان إلى إدراك نفسه ككائن له وحدته وكينونته الخاصة، يصعب أن يتحقق في مجتمع بثقافة جمعية مغلقة ومحافظة، وصائية وأبوية، لهذا تزداد حدة صراع الإنسان مع نفسه، وإذا ما كانت الأسئلة واضحة في وعي البعض منا، ستكون مخفية وعميقة في لا وعي البقية، ولأننا مجتمع ناشئ لم تسجل ثقافته تاريخا فلسفيا أو علميا واضحا، ظلت لغتنا على بدائيتها، منزوعة الاستفهامات والأسئلة، مشبعة بالأجوبة الجاهزة، وإذا غاب عن الإنسان سؤال لماذا أعيش، سيجد نفسه في صراع دائم مع نفسه، لا يهدأ ولا يطمئن، لأنه في حالة بحث عن شيء لا يعرفه، والأجيال على تعاقبها تعرف تلك العبارة اللاذعة في القلب «لا أعرف ماذا أريد».

يصعب على الشباب السعودي الذي يشكل أكثر من نصف المجتمع أن يجد أجوبته في أي من العوالم التي يعيشها، روتين الحياة ليس رتما جامدا على مستوى الحدث اليومي فقط، بل هو رتم جامد تعطيلي للعمليات الذهنية، وأحلام اليقظة التي تتحول إلى مرض إذا ما أغرق فيها الإنسان، هي أحد أعراض هذا الروتين في أسلوب حياتنا، ثمة ما يتعطل في العملية الإدراكية للإنسان مع الرتم الجامد بغض النظر عن سرعة الأيام أو بطئها كما نحسها، أن نفقد القدرة على التركيز، ومن ثم نفقد شيء من ذاكرتنا، ولا نعرف أننا نخسر كل هذا إلا عندما نصطدم في كلمة واحدة هي «النسيان»، عمليات التذكر لا كما ندركها في عالم الأدب كذاكرة شقية ونبعا للذكريات القاسية أو السعيدة، بل كما هي عمليات ذهنية أساسية لوجود الإنسان.

صراع النفس البشرية هو صراع وجودي بامتياز، والثقافة الاجتماعية التي لا تعترف بهذا الصراع ولا تعرف حتى معنى الوجود، هي ثقافة عاجزة عن تقديم عوالم يحقق فيها الإنسان وجوده، الثقافة التي لم يتسلل إليها سؤال لماذا أعيش، لا يمكن أن تحتضن أجوبة له، لا يمكن أن تخلق للإنسان الفرصة المعرفية أو العلمية أو الأدبية أو الإيمانية ولا حتى الرياضية التي يمكن لها أن يجد نفسه فيها، ومرارة عبارة مثل «لم أجد نفسي» ذاقها الجميع يوما، واستمرت مع الكثير منا وانطفأت في البقية، لكنها لم تتحول إلا في النادر منا إلى عبارة «أحس بنفسي هنا»، هذه الكلمات ليست ألفاظا تعبئ اللحظة الفارغة من حياتنا، بل هي مفاتيح حقيقتنا الإنسانية، مفاتيح الوجود الإنساني.

هنا خوف وقلق وصراع، وليس هنا حلول، ليس هنا ثقافة قادرة على صنع الحلول، لأننا لم نقرر بعد أن نشعل في ثقافتنا سؤال لماذا أعيش ولماذا أموت، بعيدا عن الأجوبة المعلبة بمواد وتقاليد حافظة.

lamia.swm@gmail.com الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 8789 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة