Culture Magazine Saturday  05/10/2013 G Issue 414
فضاءات
السبت 29 ,ذو القعدة 1434   العدد  414
 
متدينون..أمريكيون
عبدالله العودة

 

كنت متشبثاً بكتابي لائذاً بالمحكمة المصغرة داخل كلية القانون في الجامعة.. حينما دلف إليّ شاب وفتاة تعلوهما البسمة فاعتذرا إليّ عن أخذ وقتي ولبثا يسألاني عن كلية القانون وهذه المحكمة المصغرة.. وتبين أنهما يتلطفان الحديث إليّ لأجل أن يدعواني إلى لقاءاتهما الأسبوعية في إحدى المواقع القريبة لنقاشهما حول المسيح وطريقه الصحيح، وحول الكتاب المقدس فهما إحد (مجموعات الكتاب المقدس: Bible’s Groups) فرحبت بفكرة النقاش وسألتهما ابتداءً : هل تتناقشون لتصلا للطريق الصحيح.. أم تتناقشان لأنكما تحسان أنكما في الطريق الصحيح فتريدان أن يصل غيركما لهذا «الطريق الصحيح»؟ فأجابني أحدهما بأنهما وصلاا فعلاً للطريق الصحيح الذي هو طريق المسيح -كمايقول- وأنه يدعوني لهذا الطريق ويريدني أن أطرح رأيي في هذا السياق.

فبدأت معهما في سؤال «التثليث» السؤال الأصعب عادةً، وسألتهما حول فترة ماقبل عيسى عليه السلام وهل كان اليهود على حق وهل كانوا يرون التثليث أيضاً، وعن قضية الإنجيل هل هو «كلام الله» حرفياً أم منقول بالتصريف والمعنى العام.. وعن الفرق المسيحية وتصنيفهم.. فكان آخر النقاش على مايبدو أشبه بمحاولة توصيف للاتجاه الديني داخل المسيحية أكثر من كونه «تبشيراً» ساذجاً بها.

تحدثت مع هؤلاء أيضاً حول الاتجاهات والفرق والكنائس الأخرى داخل المسيحية وعن شهود يهوه(Jehovah’s Witnesses) مثلاً وكيف أنهم يطرقون الأبواب ويذهبون للناس في بيوتهم، وعن الانجيليين الجدد وتبشيرهم السياسي وفرق البروتسانت بالعموم.. أو في الضفة الأخرى المورمان والآميش .. أو فرق أكثر غرابة وحداثة مثل المسيحية العلموية، وفي النهاية كل تلك الفرق والأديان عموماً تجد لها أرضاً خصبة ومجالاً رحباً للتبشير داخل أمريكا .. فحتى ديمقراطية أمريكا وعلمانيتها هي من ذلك النوع من العلمانية الصديقة للدين كما يسمى «Religion-friendly secularism».

احتجت كل هذا التوصيف لأجل دحض ذلك الانطباع التبسيطي الذي يحمله كثيرون في العالم العربي والإسلامي حول المجتمعات الغربية بالعموم والمجتمع الأمريكي بالخصوص بأنه مجتمع «غير متدين»، بل على العكس باحثون غربيون كثيرون يعتقدون أصلاً أن هذا النوع من العلمانية الموجود قد تم تأسيسه على أصول دينية لكن ذات تأويل مختلف، فليست قضية مطروحة على الإطلاق إخراج الدين أو التدين في أمريكا مثلاً من نطاق الحياة العامة فضلاً عن الحياة الخاصة.

القضية التي يتم تناولها قانونياً ودستورياً وسياسياً هو أنه لايصح للدولة في أمريكا تبني دين محدد أو تبشر به كدولة، ولكنها ستتيح الحرية لمن يبشر بأي دين.. وفي ذات الوقت فإن الدولة قد تتبنى قضايا دينية ما، أو قد تتبنى موقفا عاما متعاطفا مع فكرة وجود الدين ذاته.. لذلك فيدور جدل دستوري كبير حول الجامعات الحكومية وهل يصح وضع قيم دين محدد يميزه عن الأديان الأخرى أو تبني تعاليم دين خاصة.. لكن في ذات الوقت الجامعات الخاصة والأهلية قد تصبح كاثوليكية بامتياز أو بروتستانتية أو يهودية أو حتى مسلمة مادام المواطن العادي (Tax payer) لايدفع ضريبة لبناء مثل هذه الجامعات.

في كتابه المهم «American Grace» يتحدث روبرت بتنام عن دور الدين في أمريكا وحضوره مؤكداً أن الدين ذاته لايزال يسيطر على أغلب الشعب ولكن يحمل تحولات مثيرة فثلث الأمريكيين تقريباً يغيرون دينهم مرة واحدة على الأقل في العمر!

وهناك خصائص معينة لأغلب المتدينين فرغم حضور سؤال «دخول الجنة» للمؤمن وتداوله خصوصاً بين أهل الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) إلا أن أغلب المتدينين في أمريكا يعتقدون أن أصحاب الديانات الأخرى (قد) يدخلون الجنة بعد موتهم.

والإحصائيات تؤكد أن المجتمع الأمريكي لايزال يرى في اليهود مجموعة ذكية ومستثمرة فهم الديانة الأكثر شعبية اجتماعياً، بينما المورمان هم الفرقة المسيحية الأكثر تقبلاً لأصحاب الديانات الأخرى ولكنهم الأقل حضوراً وشعبيةً عند الديانات الأخرى. وفي سياق تفاعل أصحاب الديانات اجتماعياً، (بتنام) ينقل أيضاً أن ثلث الأمريكيين على الأقل تزوجوا من أصحاب ديانة أخرى.

هذه الأرقام وغيرها في النهاية تعيدنا للنقطة الأهم في حضور فكرة الدين بشكل عام داخل المجتمع الأمريكي .. ولكن في ذات الوقت اختلاف طبيعة التأويل والتفسير واختلاف طبيعة التدين ودرجته أو اختلاف الأديان والفرق.. وفي النهاية ذلك يعني حضور الدين بشكل عام في المجتمع الأمريكي.

abdalodah@gmail.com - الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة