Culture Magazine Thursday  09/05/2013 G Issue 405
فضاءات
الخميس 29 ,جمادى الآخر 1434   العدد  405
 
ثقافة السياحة: صباحات من ذاكرة (لندن) (2)
د. عمر بن عبد العزيز المحمود

 

أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أهمية السياحة، وحجم العائدات الاقتصادية التي تعود إلى البلد الذي يهتم بهذا القطاع بالغ الأهمية، وأوضحت أن مدينة مثل (لندن) تُعد أنموذجاً بارزاً للمنطقة السياحية التي استطاعت أن تجتذب تلك الأعداد الهائلة التي فوجئت بها في زيارتي الأخيرة رغم شدة برودة الأجواء في هذا الفصل من السنة.

وإذا تجاهلنا المقومات الطبيعية المتمثلة في الأجواء والطبيعة - وهما بلا ريب من أبرز المقومات - فإن المقارنة بين هذه المدينة وبين مدينة الرياض مثلاً - بوصفها عاصمة المملكة ومركزها الرئيس - تظل حاضرة ومعقولة، والسعي إلى الإفادة من خبرة أولئك القوم في القدرة على الوصول إلى هذا المستوى من الاستثمار السياحي واستثمار كل ما يمكن استثماره في خدمة هذا القطاع الاقتصادي المهم الذي يشعر المسؤولون هناك بأهميته القصوى.

وأعتقد أن وجود هذا الشعور هو الخطوة الأولى في السير نحو الاستثمار الأمثل للوصول بالمنطقة إلى مراتب عليا في القطاع السياحي، وما لم يتوفر لدى المسؤولين الإحساس بأهمية السياحة على المستويات كافة - وبخاصة الاقتصادي منها - وما لم تتواجد ثقافة السياحة وأبجدياتها المعروفة فإنه سيضيع على المنطقة كثير من العوائد التي تسهم في تطورها وانتعاشها، مما يجعل حضورها متضائلاً على مستويات كثيرة.

والتساؤلات التي تظل حاضرة في هذا السياق: لماذا نحن متأخرون في هذا القطاع؟ وما السبب الذي جعل مناطقنا في المملكة من أقل المناطق حضوراً في القطاع السياحي؟.. وماذا فعلت (لندن) وأخواتها في هذا المجال لتصل إلى ما وصلت إليه من حضور بارز؟.. وهل المقومات السياحية التي استطاعت هذه المدينة أن تجتذب من خلالها هذه الأعداد الهائلة من السياح من مختلف أنحاء العالم غير موجودة لدينا أصلاً، ولذا فلا يمكن أن نحمّل أحداً ملامة في هذا التأخر؟ أو أنها موجودة لدينا لكن لا ترقى إلى المستويات التي نجدها هناك؟ أو ربما نحن نتفوق عليهم في وجود هذه المقومات، لكننا متخلفون في استثمارها وكيفية تفعيلها؟

لقد تجولت في زيارتي الأخيرة لعاصمة الضباب في عدة أنحاء منها، واستمتعت كثيراً بمناطقها السياحية، ورأيت هناك العمل الجبار الذي ينم عن ثقافة سياحية وذكاء اقتصادي في جذب السياح من كل مكان، رغم أننا لا نختلف عنهم كثيراً اقتصادياً بشكل عام، حتى التطور الحضاري المتمثّل في الأبنية والشوارع لا يرقى إلى التطور الذي نمتلكه هنا، بغض النظر عن حرصهم الشديد على المحافظة على العراقة والتمسك بكل ما يصور حضارتهم وثقافتهم القديمة.

ولعل أول ما لاحظته هناك كثرة المناطق السياحية، وتعدد الأماكن التي تجذب السياح، فقبل أن أصل إلى هناك حرصت على إعداد جدول سياحي وترتيب زياراتنا للأماكن التي تستحق الزيارة ولا ينبغي للسائح هناك أن يفوتها، وذلك من خلال الاستعانة بالشبكة العنكبوتية والمواقع الإلكترونية الخاصة بالسفر، وفوجئت حينها بكثرتها الهائلة، وعلمت بأن الأيام الثمانية التي سأقضيها هناك لن تكون كافية في المرور على بعضها فضلاً عن جميعها.

وحين وصلنا هناك وبدأنا بالتجول كانت المفاجأة الكبرى، فقد أيقنت حينها أن الأماكن السياحية التي ضمها الجدول لا تُمثّل ما نسبته 20 بالمائة تقريباً من الأماكن التي تمتلئ بها لندن، أما كيف أدركت ذلك فليس بالأمر الغريب أو الصعب، كل ما في الأمر هو أن المسؤولين هناك استطاعوا أن يستثمروا أهم وسيلة لجذب السياح والتعريف بها وبمواقعها، وذلك عن طريق الإعلان والدعاية، فلا تكاد تلتفت حولك إلا وتجد عدداً مهولاً من الملصقات الإعلانية واللوحات الدعائية التي ترشدك إلى وجود منطقة سياحية معينة، وتدلك إلى مكان ترفيهي أو معرض فني أو متحف تراثي، وذلك بأسلوب جميل، وطريقة مدهشة مبتكرة تجعلك ترغب بشدة في زيارة ذلك المكان، واكتشاف ما يقدم فيه، والاستمتاع بمشاهده ومعروضاته ومنتجاته، وكانت النتيجة أن كثيراً من الأماكن التي زرناها لم تكن مسجلة في جدولنا السياحي، وإنما جاءت زيارتها طارئة بعد أن استطاعت إعلاناتهم ودعاياتهم المنتشرة في كل مكان أن تجرنا إليها بأسلوب ذكي ومشوق، والأهم من هذا وذاك المصداقية وعدم المبالغة في الإعلان، أو التحايل فيه، والابتعاد عن الادعاء بما ليس موجوداً، كي لا تفقد هذه الإعلانات مصداقيتها، ومن ثم التسبب في خسارة هؤلاء السياح الذين دفعوا أموالهم وأوقاتهم لزيارة مكان لم يكن كما صوّره الإعلان.

وأعتقد أن الإشكال الذي نعاني منه في وطننا الحبيب فيما يتعلق بالسياحة هو عدم إدراك المسؤولين بأهمية الإعلان عن المناطق السياحية والدعاية لزيارة الأماكن التي يطمح إلى أن تكون محل جذب للسياح بما يتوفر بها من مقومات السياحة، وأرى أن الاهتمام بهذه الوسيلة وتكثيف العناية بها من أهم الحلول لمعالجة التأخر السياحي في مناطقنا، والدليل على هذا أن كثيراً من الشعب لا يعرف عن هذه المناطق شيئاً، بل إن بعضهم قد تكون إقامته على مسافة دقائق من مكان سياحي غير أنه لم يعلم به ولم يسمع عنه، وهذا شيء طبعي في ظل التخاذل الإعلامي والإهمال الإعلاني للمواقع السياحية المنتشرة في كثير من مدن وطننا الحبيب.

omar1401@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة