Culture Magazine Thursday  09/05/2013 G Issue 405
ذاكرة
الخميس 29 ,جمادى الآخر 1434   العدد  405
 
فؤاد رضا.. صياغة جديدة للإصلاح
د. زهير محمد جميل كتبي

 

فؤاد علي رضا، المثقف والكاتب والمفكر، كاتب خارج العصر واللغة، وضع لنفسه قاموس مفردات، هادئة وجميلة وموضوعية، له حق الأداء العلني الوحيد له.

قلم فؤاد رضا الذي يتحدث ويحلل ويرصد هذا المقال بعض من مقالاته ومؤلفاته، سيجد القارئ أسلوب نقدي جريء وراقي دون أن يحدث أي جرح لكائن من كان.

سيجد المتلقي أن هذا المثقف والكاتب لامع الذكاء وسريع البديهة. جعل من الكتابة الصحافية وظيفة تحتوي وتغذي معظم طموح القارئ الذي يحلم به وبداخله. أدرك الأستاذ فؤاد رضا أن معظم ما ينشر في الصحافة يعتمد على الإثارة بحيث تجعل أذهان القراء تتوقف عند النظر إلى سطوح الأشياء وتنبهر ببريقها دون أن تصل إلى ما وراء ذلك البريق، فرفض أن يكون من الكتاب الذين يعتمدون على الإثارة.

وحث في نصه الكتابي أنه يمارس قراءة وجوه الناس وحركة أجسادهم ويعمل على فهم نفسياتهم هذا الكبير الأستاذ فؤاد علي رضا لم يجعل.. (الكتابة).. أو (الصحافة).. مهنة له، بل جعلها أداة من أدوات الإصلاح في وطنه.. توزعت مقالاته وكتاباته على مر الزمان في أكثر من صحيفة ومجلة.

أن ما كتبه هذا الكبير كأنه صوت بأننا من آخر الذاكرة المكية، فنذهب إليه فنجده أصبح تاريخاً وإرثا. أكد فؤاد رضا من خلال نصه الكتابي أن تحب الوطن هو أن تحب الإصلاح فيه وبدون فوضى أو ضجيج.

أحساس بالزهو ينتابني حين أقر مقالاته وكتبه فيها إبداع وفكره، مضافة بالإرشادات الموجودة نمو خدمة المجتمع يستمتع المتلقي بقراءة مقالات فؤاد رضا لأنها مليئة بتجهيزاتها الواقعية والثقافية والدينية، وحيث أن هناك شيئاً ما في هذا الرجل الذي ملأ اسمه عالم الصحافة والكتابة طولاً وعرضاً يغريك بقراءة ما يكتب. كتب في الكثير من أمور وقضايا الحياة ولم يهدأ. وكل ملامح نصه هادئة في بعض العبارات والجمل لا تفارقه الابتسامة فنظرته للحياة مطمئنة. مقالاته الصحافية تبرق كقطعة من الألماس الأصيل. ابتسم في نصه الكتابي ولم يكن منفعلاً ولم يسمح لنفسه ونصه أن يكون ضمن الواقفين في طابور الشاكين من الحياة أو المسؤولين، ورفض أن يقف مع المتفرجين دون أن يشير للملاحظات والقضايا التي تستحق الصلاح تشعر وأنت تقرأ نصه أنه قريب من نفسك.

حين يقف على معالجة قضية ما فإنه يبتسم حتى تمتلئ خزائن عقله بمعلومات وحقائق ما يريد أن يكتب عنه، وتجده يفرح حين يساهم في إضافة نخلة لأرض الوطن تشعر من خلال كتاباته المتعددة والمختلفة أن يحمل في عقلة وقلبه كل، لأنه يحلم بوطن كبير مكتمل الخدمات والأساسيات من الحياة.

أستمر في الكتابة الصحافية مدة طويلة جداً لقناعته أن الكلمة تفصل فعلها في هذه الحياة ظل فؤاد رضا في تكريس نفسه لخدمة وطنه فكتب مقالاته لتعيش وتجعل من يقرأها يعيش. وجاء هذا اليوم نكتب عنه وعن فكره وثقافته وإنجازاته لنعيش معه رغم أننا لم ندركه. ولكن اليوم اعترف أنني قد تعلمت، وتعلمت، وتعلمت، من هذا الكبير الكثير والكثير. كنت كلما قرأت في مقالات فؤاد رضا وحياته الاجتماعية الهادئة أمر على قضية إهمال وتجاوز.. (إنتاجه).. الفكري و.. (إنجازاته الثقافية والصحافية).. وهذا الأمر يقودني إلى حزن شديد يصيب أصاحب النفوس الرقيقة. فكيف لم يجمع هذا الإرث الثقافي المهم لقامة ثقافية مثل فؤاد رضا؟، منسجمة تماماً مع الحساسية الإبداعية دون أن يسمح لتعبيراته الأدبية والصحافية إسفافاً في القول والشرح.

تربى فؤاد رضا ونصوصه وكلماته وجمله على الأخلاق وبنائها على (الحياء)..، لقناعته أن (الحياء).. قوة تحقق العدالة والإصلاح. كلماته ونصوصه لا تقدر بثمن، يكتبها هذا المثقف الواعي. أن مقالاته موازين وأطر، محافظة على قيمنا ومبادئنا هذه هي أخلاق الأديب والكاتب الشامخ.

بما فيها من فكر مستنير، ونتاج عقلية متنورة وناضجة ورأيت في كثير ها يحمل رؤى بعيدة الأعماق الثرية بالأحلام والأماني.

لم أجد في أسلوبه فكرة.. (التعميم)..، وإنما يأخذ الاحتياطات ويشير إلى الاستثناء اشتهر بجمال خلقه، ورقي أخلاقه، وعرف بشيكته وأناقة هندامه وعنايته بمظهرة واستقامة قامته فهو متأنق في سيرة وحديثه، ويتميز في اختيار ألفاظه، بلاغة وبيانا، واحترم كل المقاييس الأخلاقية العامة التي أقرها المجتمع المكي.

فؤاد رضا منذ أن كتب بقلمه الحر أولى كتاباته وحتى توقفه عن الكتابة طوعاً وزهداً، كان يتطلع لمرحلة الهدوء بعيداً عن ضجيج الحياة إلزاماً والتزاما بكل خلق فاضل. فؤاد ناء بنفسه عن نقد المسؤولين بأسمائهم احتراماً لهم، فذلك نجد أن كتاباته النقدية تحمل هدوءاً وكتابات فؤاد رضا تتسم.. (بالموضوعية).. وامتلك معظم مقومات الكتابة النقدية. وهذا لم يمنعه من أن يبدي مشاعره السلبية ضد أية ظاهرة أو ملاحظة.

ومن خلال قراءة نصوص الأستاذ فؤاد تجده لا يملك الاستعلائية الممقوتة وأشعر في بعض الأحايين أثناء قراءاتي لمقالاته أن هذا الكاتب قدم صورة مختلفة للكتابة الصحافية في بلادنا وربما فاقت ثقافته بعض نظرائه في تلك المرحلة. وبخاصة نجد أنه استمر ثقافته وفكره الإصلاحي من علماء المسجد الحرام ودروسهم ومما يلاحظ أن دراسته للعلوم الشرعية عرفته بالأدب العربي القديم منه والحديث وهذا ما جعل كتاباته تنتقل إلى أفاق جديدة سواء في المضمون أو لن الفكرة أو التكتيك. وفؤاد رضا أحيا أفكار، وأفكاره لن تموت، بل نمت وتطورت. بل وقف موقفا لصالح الجديد والجميل، الذي ابتسم في وجه الجميع.

هذا الكاتب القدير تأخر عنه المجتمع، ولكنه هو لم يتأخر عن خدمة مجتمعه. أغنى الصحافة بمقالاته وكتب في قضايا الوطن، وقدم تأملات في إنسان الوطن. هكذا نحن في هذا الوطن نجهل قيمة كبارنا وعندما يرحلون ندرك ونعرف قيمتهم ولا يمكن لأحد أن ينكر مواقف فؤاد رضا وعائلته الوطنية. ولكن للأسف لم يكتب عنه.. (مقالاً)..، أو.. (كتاباً).. أو.. (دراسة)..، رغم أنه عمق إحساسي بأنني لم نعد معزولين عن مرحلتهم الثقافية والصحافية الراقية.

سيدي سيذكر لك تاريخ بلادنا أنه كان لك دور إيجابي وكبير في تطوير وعي الإنسان السعودي ومسؤوليته وفي تعميق. العلاقة بين الحاكم والمحكوم،.

ومما يلفت النظر في تكوينات المثقف والكاتب فؤاد رضا أنه لم تدفعه موجات النزعات الأيديولوجيه الإقليمية الرائجة -حينذاك- مثل القومية والناصرية والاشتراكية والبعثية أو غيرها، فلم يعمل على الابتعاد عن عروبته وإسلاميته الثقافية. وهذا ما أكده نصه الكتابي بأنه مثقفا مؤمنا بكل التطور والرقي والنهضة.

لا أبالغ حين أقول إنه الأستاذ فؤاد رضا المثقف والكاتب قيمة سعودية راقية. والذي تعددت أدواره الثقافية والصحافية في المجتمع السعودي.

رحل الإنسان فؤاد علي رضا المثقف الوطني الذي تعامل مع الصحافة والثقافة بأوسع مجالاتها وفنونها فكتب في الأدب والتاريخ والنقد الاجتماعي، وكتب في عدة مناحي المعرفة، والتي تقود للتنوير. هذا الرجل الذي اندمجت فيه البلاغة والعقل والمنطق ودمائه الخلق وبشاشة الوجه وتواضع الكبير.

تجده في الناس الذين عايشهم، وعاشهم، صديق للمكان الذي سقط فيه رأسه وترعرع، كان فؤاد رضا كاتباً مقلاً، ورغم ذلك اكتسب قيمة الكتاب الكبار.

لم يضع الكاتب فؤاد رضاً.. (البارود).. في قلمه حتى لا يؤذي أحداً من المجتمع بما يكتب. ولهذا نجد أن صياغة مقالاته تعتمد على التقاط الخلاصات الموجزة والمكثفة والمختصرة لحقيقة ما يكتب فجاءت لغة كتاباته بسيطة وغير معتصرة.

أعتقد، بكل بساطة، أن فؤاد رضا استطاع أن يقترب كثيراً من المجتمع، وهذا ساعده على الاقتراب الأكثر في الكتابة بمختلف تخصصاتها ولم يتفلسف على قرائه، ولم يكتب عن شيء لم يعشه. الكفاءة الأخلاقية تحمل الكفاءة الفنية والمهنية وتجعل الكاتب راضياً في قراره نفسه على أن يشارك في خدمة الساحة الصحافية والثقافية، دون أن يلطخ اليدين والضمير.

فؤاد رضا وجه مكي لمرحة البناء والتشييد، عبر بلغة وطنية عن عقل الإنسان المتحضر. ترجم ما يدور في الأزقة والحواري. ولم يخلط الحقائق بالإدعاءات وطالب في بعض مقالاته بحلول سريعة. وهو من المثقفين الذين يؤمنون بأنك قد تستطيع أن تخدع البعض لفترة وجيزة من الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع الجميع للأبد، وهي مهمة صعبة ومشاقة على المثقف.

كلما قرأت نص فؤاد رضا اشعر أنني أمام طاقة حركية تتفجر من خلال كتاباته فكلمات مقالاته تكاد تتوائب من أماكانها فوق السطور وتشكل على الواقع ونصه يقول هيا إلى العمل.

لقد رحل الكاتب الكبير فؤاد علي رضا دون أن تهتم به وسائل الإعلام المختلفة، ولا الكتاب والأدباء، ولا جماعات المفكرين والمبدعين، ولم يلتفت إلى وفاته جهة صحافية أو ثقافية شأنه في ذلك شأن كثير من كبارنا الكبار، الذين غادروا هذا الدنيا دون ضجيج أو شنشنة.

هذا المقال هو جزء بسيط جداً من (بضاعة مزجاة) من عطائه الكبير، الذي لم يجمع كله حتى لحظتي هذه سيقف القارئ أمام قامة غنية ومتعددة الأبعاد في نماذج الكتابة الصحافية في بلادنا يجد أمامه مساحات واسعة تتداخل وتتكامل في مشروع فؤاد رضا التنويري. فأحاط مشروعه بوضوح النظرة التي تتضمن الأفكار ضمن بناء تكامل ومنظومة. بهدف الإرشاد إلى الحق في المواقف والقضايا التي يتناولها، وأيضاً إلى الخير في السلوك والمعاملات لقناعته الكاملة ومن خلال نصوصه يحكم المؤقت والمتغير. ونجد أيضاً في إطاره الصحافي المتماسك يضم أنساقاً فكريه فرعيه تعمل في داخل المجتمع وتحتاج إلى أصلاح أو مراجعة وتصحيح، وهذا اكسب نصه الكتابي حركة حيوية تفعل تجدد في عقول المواطنين وعندما يطرح قضية ما في أحدى مقالاته، إنما يخلق تناسقاً وانسجاماً بين نصه وفكرته في تكاتفهما على إقامة نظام اجتماعي صالح.

وهذا النوع من الرجال المفكرين وإن اختلفت في أشكال نصوصها وأساليب أدائها، لاعتبارات ترتبط بالعوالم المختلفة، فإنه لا يغضب من المختلفين معه في الرأي أو النظرة، وخاصة إذا ارتبطت بمجالات الفاعلية العقلية ومستويات الوعي الذي ينظر للمقال من جوانب التعامل وكيفية التناول وهذه المقالات وغيرها التي كتبها فؤاد رضا تخرج أنظمة للوعي الذاتي عند المتلقي، وربما تكون متنوعة في المجال، ومنها المجال المرتبط بأنساق المعرفة ومسارات الفكر، هذا يمكن لأي باحث متخصص أن يتوجه لدراسة إمكانات التأثير، وقدرات التغيير في النصوص والأفكار، وهذه الأمور لها قواعدها العلمية والأخلاقية.

إذا قام المتلقي لقراءة مقالات ونصوص هذا الكبير سيجد أمامه خبرات تراث الغير، إنها خبرات متعددة ومتكاملة يقف منها المتلقي موقف المستفيد والمنبهر من هذا النوع من الرجال الكبار، الذين لم يأخذوا حقهم من الدراسة والفحص والتكريم والتقدير.

قد يظن البعض من القراء أن الأثر الذي يجري بغير رضائنا وبغير صالحنا، يجعلنا نكرة أو نرفض الآخر، هذا التفكير في مجمله غير صحيح، لأسباب عدة أهمها في -اعتقادي- قوة أو ضعف القابلية للحوار أو المناقشة مع الكتاب، وليس شرطاً أن نكون ككتاب ومثقفين ننزعج من غلبة الغير لنا فأن سيطر هذا التفكير على الكاتب فأن ذلك يدل على ما يتصف به الكاتب من الضعف والتردي، والجمود ووهن القدرة على الحوار.

كما تناول فؤاد رضا في بعض مقالاته اضطراب القيم، والأخلاق والجهل، وغير ذلك مما يكون سبباً في تأخرنا وعدم نهوضنا ويرى إن تقسيم عالم الصحافة والثقافة يجب ألا يكون من كراسي الراحة الوثيرة، بل لابد من النزول للشارع والاستماع للناس وفهم مطالبهم واحتياجاتهم ضمن الواقعية والموضوعية. وتأكيده لكل الكتاب على ضرورة التعرف على معظم الظواهر المجتمعية وعناصر رصدها ووصفها كما هي أثناء الكتابة لموضوعها في سباقات تحليها وتفسيرها. ويرفض كلياً التعامل مع.. (التعميم)..، ويؤكد فؤاد رضا لو أن كل كاتب التزم بذلك، فأنه يسهل عليه ضبط عناصر التأثير والتأثر بين الكاتب والمتلقي وهذا ما يعتمد عليه رفع أو انخفاض سقف التفاعلات مع الكتابات الصحافية وكثافتها وتبادل تأثيراتها. وهذا أيضاً يسهل على الحكومة فهم الظاهرة أو القضية بسهولة وتدخلها للعلاج والإصلاح لأن اختلاف الحجة والبرهان عند الكاتب يضعفه أمام المجتمع والسلطة.

فؤاد رضا وكل جيله من الرجال الكبار حكمهم وتحكم فيهم الظرف التاريخي في مرحلة تأسيس هذا الكيان الكبير وخاصة كثرت أوضاع التحدي، التي تولد أسلوب المواجهة لدفاع كل فريق عن نظرياته وأفكاره وقيمه ومبادئه الاصلاحية والتنويرية فعند قراءة معظم انتاجه المختلف وجدت أن شخصيته وتكوينات فؤاد علي رضا لم تكن.. (صدامية).. أو.. (عنيفة)..، ورفض التطرف في الكتابة والإصلاح والمعالجة. وكان دائما يميل إلى.. (الاعتدال).. وبكثير من مستوياته وهو ممن يعتقد أن.. (الضجيج)..، دائما لا يعبر عن الأغلبية فرأي ضرورة إدراك الأوضاع الاجتماعية والتاريخية التي لابست اجتهادات الناس، مع تأثير الزمن وتحدياته فإذا فهمت التحديات الحقيقة استطاعتنا تخفيف سقفها وامتصاص شحناتها العالية من مصادرها. أن التحديات عادة تختلف في وحدة انتمائها ولكنها ليست بالضرورة وحدات مانعة أو غير قابلة للنقاش والتفاوض العقلي. والتحديات ذاتها لاتقف على قدم المساواة في علاقاتها بعضها ببعض، ولكنها تختلف باختلاف تعدد وتنوع المجتمع وقابليته للتطوير والتطور والإصلاح.

وهناك تحديات قد تخلق ازمات تولد ازمات قد يكون لها قدر من الثبات النسبي، في كثير من مراحل نمو المجتمع وتطوره ولكنها تقبل التأثر والتأثير من داخل المجتمع مثل تعليم البنات، وإدخال التقنيات والفضائيات للمجتمع. وهذه التحديات التي ظهرت في مرحلة التأسيس والتكوين لهياكل الدولة، لم تمر علينا أو عانينا منها في هذه المرحلة المتطورة كثيراً عن مرحلة التأسيس. ولكن الآن برزت أمام جيلي تحديات جديدة وكبيرة ربما تفوق مرحلة التأسيس والتكوين، وهي بالضرورة متداخلة ومتشابكة وهي تلتف حول الإصلاح العام بقدر إدراكها أن هذه العملية الإصلاحية تكفل لها الحد الأدنى من تحقيق التنوير والإصلاح والتطور.

ونحن لم ندرك حجم وخطورة وقوة التحديات التي واجهت المثقفين والكتاب في مرحلة التأسيس وقد كانت مولدات الحركة الاصلاحية والتنويرية والتطويرية ونحن نخطئ أيا خطأ -ولقد أخطانا- عندما أهملنا جمع ودراسة وفهم وقراءة المقالات الصحافية وغيرها من الإنتاجات الفكرية والثقافية التي تركها لنا جيل الكبار، الكبار من رجالات الثقافة والصحافة والأدب والفكر. وأخطانا مرة ثانية حين نظرنا إلى ذلك الإرث الفكري والثقافي والصحافي على أنه حبوب ثمرات قد لا نحتاجها مستقبلاً في حياتنا، لقد وجدت لكثير من الكتاب والأدباء والشعراء والمثقفين أنه يحمل حبات مثمرة لم نذق طعمها أنها ثمرات لا تنفصل عن بعضها البعض، بل هي تضم وحدات متماثلة على غير تنوع في الأهداف النبيلة والقيم السامية، ولكنها متدرجة المستوى في النوعية والكمية، يقربها التفاعل الوطني والديني بين بعضها البعض. أكد جيل الكبار ومن خلال مواقفهم الوطنية، وأفكارهم، وكتاباتهم، وإنتاجهم الفكري المختلف. إن الوطن لا يضم أفراداً، وإن الوحدة الوطنية لا تضم أفراداً، وإنما تضم شعباً متماسكاً وقوياً بالعقيدة الإسلامية.

هذا المقال يحكي قصة رجل مكي وهو من المثقفين والكتاب المعروفين، كتب وأبدع، وترك لنا إرثاً فكرياً وثقافياً وصحافياً يستحق التوقف عنده، وينبغي فهمه ودراسته وفحصه.

هذا المقال يحكي عقل مثقف وكاتب تحمل مسؤولية هندسية ورؤاه وتصوراته، ووضع الكثير من الأسماء التي تعمل على بناء مجتمع صالح وحضاري وإقامة الأعمدة الصحافية لبناء قوى اجتماعية تتحمل مطالب الشعب، ولما شعر أنه أصبح في مقدوره -حينذاك -ولو بالتجربة والخطأ نفذ تجربته الصحافية والثقافية بحريته المنضبطة.

بدأت تجربته الكتابية بوتيرة متصاعدة، حاملة رؤية سياسية واجتماعية وصحافية. وفي العادة وباستقراء التاريخ، فإن الوصول من التفكير إلى الكتابة تستغرق فترة طويلة، بيد أن فؤاد رضا لم يرد أن يستغرق زمناً طويلاً. وكان يعرف بحكم ثقافته أن الناس في تلك المرحلة مزدحمة بالهواجس، ومليئة بالطموحات، ومكشوفة بالمطامع، وإن الناس لديها قابلية خصبة -حينذاك - للتدخل والاعتراضات وطرح التساؤلات وأدرك فؤاد رضا أن خصوم التقدم والتطور والنهوض بالدولة والمجتمع يحاربون وبدون ممل أو كلل. فعندما قرأت معظم إنتاجه المجتمع وجدت أن هذا الكبير قد سعى إلى شرح وجهة نظره في التقدم والتطور وأراد أن ينبه بصراحة إلى خطر الجهل لإيقاف ذلك المتقدم والتطور.

عند قراءتي الدقيقة للكثير من إنتاج فكر وثقافة فؤاد رضا قلت في نفسي ليس من حق كثير منا نحن معشر المثقفين والكتّاب من جيلي أن يفتح فمه ويتكلم. ويقول إنه كتب عن الكثير من قضايا المستقبل لقد وجدت جيل فؤاد رضا قد قالوا ما فيه الكفاية وزيادة وأكثره ما يمثل طموحاتنا ويشكل لنا القدرة، يعي مثل كاتبنا أن هناك قوى فكرية وثقافية وصحافية كثيرة على أرض الوطن، وأن هناك طبقات متعددة العلم والمعرفة والثقافة وأن هناك أجيالاً قادمة متعاقبة معهم في نفس ساحاتهم سوف نحاسبهم على ما قالوه وفعلوه فككتب بأقصى درجات التنبه أن الشباب في هذه البلاد سيكون الكتلة الأكبر والأقوى على هذه الساحة فدعا للاستماع لصوت الشباب وفهم طموحاتهم باعتبارهم نقطة التركيز في المستقبل.

لكن أريد لنفسي ولا لغيري من جيلي أن نتجاوز مثل الأستاذ الكبير فؤاد علي رضا، ولكن يقع علينا أن نتدخل في ما تركه لنا من تراث صحافي وثقافي للاستفادة، وفهم حالات وطبائع مرحلة تأسيس هذا الوطن بسبب. وأنا وجيلي أصبحنا أصحاب الصبح والظهر عصر. هذا يجعلنا مرفوعين إلى إعادة قراءة مثل هذه القامات الثقافية والصحافية فعلوا الكثير لنا في زمن استولت فيه كل وسائل التعبير عن حافظة، مع صعوبة في استخدام معاني ومعطيات تنوير. ولم يكن في تلك المرحلة المهمة أي هامش سيء ومسموع غير المقروء والذي كان محاطاً بكل المحاذير. ربما استطاع قليلاً التنفيس عن بعض مكونات البخار الذي لا يحدث الانفجار.

اليوم، وبعد مرور زمن طويل على وفاة فؤاد علي رضا قد وقع ما كان، محتما أن يقع، فقد تغيرت أشياء كثيرة واستجدت حقائق جديدة، ومطالب جديدة يجمع جديد. لقد جرى في بلادنا أشياء كبيرة، طلب منها هذا الكبير.

لقد تصورت -وتصور غيري-، إن مثل هذا الإنتاج الفكري والثقافي والصحافي أن يدرس لأقسام المختصة بجامعاتنا لأن هناك حقائق لابد أن تكون أمام الجميع، لمعرفة قياسات لتطور والتنمية والتنوير. لقد فتح جيل فؤاد رضا.. (ثغرة).. في المسؤولية الفكرية أمام التاريخ، وإنتاج فؤاد رضا وجيله هو اختبار لنا لا ينبغي لأي أحد منا أن يضع فيه اللوم على الآخر، فكلنا مقصرون في حق هذا الجيل العظيم والكبير. وعندما قلت أن فؤاد رضا فتح.. (ثغرة).. أعني لا يستطيع أحد أن يتدخل إلا من.. (ثغرة).. فؤاد رضا ومن في مكانته وقامته.

أن معظم إنتاجه المختلف حمل.. (إشارات).. واضحة تعبر عن قلق مستقبلي، أن .. (إشاراته).. أعطيت للإصلاح. فكان -رحمه الله- طرف ضاغط لقراءة المستقبل. قراءته للمستقبل لم تكن مشدودة أو متوترة أو فاترة، بل هادئة وموضوعية.

أضيف في نفس الوقت أن مقالي هذا لم يشمل كلاماً متفرقاً -كتبته عن فؤاد رضا، إنما قمت باختيار أمكن من المقالات والكتب التي وفرها لي أخي وصديقي الأستاذ مصطفى فؤاد رضا، والذي كان يرغب في عمل مثل هذا العمل، ولكن قال لي: أنت متخصص في هذا المجال والحقيقة أن الرجل حقاً يحتاج لفرصة لنعرف المجتمع به، وهذه الفرصة -كبداية -لأجزاء أخرى أملاها الموقف التاريخي بغير التباس وخاصة أن الساحة الثقافية والصحافية ظهر الانفراط والتغريظ يجرف كل خصب، وغاب معها تاريخ كبارنا الكبار.

أنا كاتب وأديب أرفض أن استلام للمعوقات والتحديات مهما كبرت أو صغرت، فزيادة يستفزاز دائماً عندي تستدعي رصيد الإدارة.

والأمل أن يكون هذا المقال يسلط في الضوء على تاريخ وحياة الأستاذ الكبير على رضا والذي ترك بصمة بل بصمات على بطة الأحداث الثقافية والصحافية في بلادنا.

أديب وكاتب سعودي - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة