Culture Magazine Thursday  13/06/2013 G Issue 410
أوراق
الخميس 4 ,شعبان 1434   العدد  410
 
ريادة ورشة الطائف المسرحية
ناصر بن محمد العُمري

 

عندما نسم مشروعاً كورشة الطائف المسرحية بالريادة فنحن لا نجانب الصواب لأن شمس المسرح تشرق من بين أنامل أعضاء تلك الفرقة قبل أن ترتفع في كبد سماء المسرح وفوق خشبته والدلائل على ريادة هذه الورشة لا تحتاج إلى كبير عناء لتأكيدها.

فعطاءاتهم شاهد حي على تميزهم.

أعضاء هذه الورشة نذروا أنفسهم لخدمة هذا الكائن المسمى مسرحاً.

وانحازوا له بشكل كامل واتجهوا نحو كل الفضاءات ليزرعوا فيها كل ما هو مسرحي.

(سامي الزهراني يطل عبر الفيس ليزين سماءات المسرح المحلي بما يقدمه من عطاء ينضح بالوعي).

وعندما أتحدث عن سامي الزهراني فهنا الحديث عن واحد من ألمع نجوم المسرح المحلي الذين جاهدوا لأجل هذا الفن وسقوا تربته بعطاء كبير توجها بتقدير عربي باختياره أميناً لمكتب الهيئة العربية للمسرح بالمملكة.

ولأن ورشة الطائف المسرحية بيت خبرة حقيقي فقد انعكس هذا على العقلية التي يتمتع بها أعضاء الورشة ومنهم المبدع سامي الزهراني.

وعلى هذا المنفتح أهمية الثقافة المسرحية ودورها في الارتقاء بالممارسة المسرحية وآمن أن المسرح ليس مجرد نصوص تكتب وأداء على الخشبة تزينه السينوغرافيا والمشهدية البصرية والضوء والتشكيل بقدر ما هو علم قائم على المعرفة والوعي.

لذا لم يكتف سامي بما يقدمه مع بقية جوقة الإبداع المسرح من إلهام مسرحي وعطاء مختلف على الخشبة رغم رداءة واقع المسرح ورغم صعوبة الممارسة.

بل توجه نحو وسائط الإعلام الجديد فجعل من صفحته الشخصية على الفيس بوك حديقة غناء وكتاباً معرفيا في فنون المسرح وأضاء بالكتابة على حائطه هناك ظلام الطرق المؤدية إلى ذلك الفن العظيم.

فكتب عبر ما أسماه (ارتسام) على حائطه عن الكثير من النظريات والفنون والمعينات والأسس والتقنيات المسرحية.

فمن نظرية أكسفورد التي تقول إن إدوارد دي فير، إيرل من أكسفورد هو من كتب مسرحيات وقصائد تنسب عادة إلى وليام شكسبير، إلى حديثه في ارتسامة أخرى عن الثيمة في المسرح وماذا تعنيه مرورا بارتسام عن جوائز التحفيز المسرحي مستعرضاً من خلالها قصة جوزيف بوليتزر نالاشر الأمريكي من أصول مجرية الذي عندما توفي كتب في وصيته نص إنشاء جوائز البوليتزر كحافز للتميز وقد تخصصت في أربعة فروع في البداية ومن ضمنها المسرح ولتحسين صورة الجائزة تم تكوين مجلس استشاري مشرف على الجائزة كما أسند للمجلس وضع المعايير لاختيار المسرحيات الفائزة وأعطي المجلس كافة الصلاحيات لمنح أو حجب أي جائزة وبالطبع تطورت الجائزة وشملت الآن العديد من الفروع منها الشعر والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي وموضوعات أخرى. ومستعرضاً جائزة الشارقة وشروطها متمنيا أن تجدّ وزارة الثقافة والإعلام هنا بالمملكة بإنشاء جائزة متخصصة في المسرح وفي مختلف فروع المسرح تأليفاً, وإخراجاً، وتمثيلاً, وإضاءة, وديكوراً، ومؤثرات صوتية, وابتكاراً, وإعلاماً مسرحياً، ومقالاً مسرحياً، والبحث المسرحي ولأفضل عمل مسرحي وتكون ختاماً للموسم المسرحي السنوي إلى حديث واع عن فن (mime) AND (mimodrama) (mime) أو ما يعرف بفن التمثيل الصامت وعن استخداماته طبياً لعلاج بعض الأمراض وتطوير الذات والتركيز على الحدس والتخلص من العواطف السلبية وتوليد الأفكار لحل المشكلات النفسية. مروراً بعرض ورقة عمل لفيصل الخديدي عن العلاقة بين «المسرح والتشكيل».

ولأن الاستئثار بالأفكار قلص مساحات الإبداع فإن سامي رمى في ميدان المسرح بفكرة لمن يريد أن يتلقفها عندما واصل حضوره عبر حائطه عبر ارتسامة جديدة عن مسرح الجريدة الحي في روسيا متحدثا عن نشأته في عهد الثورة البلشفية شارحا صورته وكيف أنه شكل من الأشكال المسرحية يقدم للناس العامة لمتابعة الأحداث الواقعية الراهنة، عبر مجموعة من الأخبار الواقعية الحالية تصاغ بشكل مسرحي (كولاج إخباري مسرحي) وتقدم للعامة من الشعب والطبقة العاملة التي تختلف ظروفهم في متابعة الجرائد الورقية إما لأميته أو لكثرة انشغالاته متسائلاً عن إمكانية تبنى هذا الشكل من قبل أي فرقة مسرحية.

وأضاء الصفحة بحديثه عن الهامارتيا واختلاف كثير من علماء المسرح في تعريف هذا المصطلح من قديم الزمن وعرف بالتفسيرات المختلفة هذا المصطلح لثلاث كلمات (مفقود - خطأ - جريمة) ولا يزال المسرحيون خصوصاً من لهم علاقة بهاملت, أوديب يعتبرون أن الكلمة ومعناها لا تزال في الهواء دون تفسير.

(سامي) لا يكتفي بنقل ما قيل عن الهامارتيا بل يتحدث عنه من خلال رؤيته الشخصية بقوله (في تقديري أقرب تفسير لهذا المصطلح هو الخطأ الذي ينبع عن جهل) مبيناً أن أرسطو قديماً استخدم هذا المصطلح في مسرحياته وخصوصاً في المأساة لأنها العنصر الرئيس في المآسي اليونانية حيث كان يستخدم أرسطو هذا المصطلح مع بطل المسرحية ويجعله يقع في خطأ غير مقصود لنقص ما في شخصية البطل معرفية أي بمعنى نقلت له معلومات خاطئة بنى عليها تصرفاً خاطئاً أو أخلاقية في شخصية البطل مثل أن يكون سريع الغضب فيتخذ قراراً يندم عليه لاحقاً في سياق العمل كي يتعاطف معه الجمهور.

ولأن هذا المنحى لا يعني فقط أن تنقل المعارف بل ضمنه حديثا من عمق تجربته الشخصية عبر ارتسام- أسماه «محفزاتي المسرحية».

يقول فيه:

ما الذي دفعني وحفزني أن أتمسرح وأمارس التمثيل طوال 20 عاماً، فعلاً اليوم فقط سألت نفسي هذا السؤال فكرت كثيراً في ذلك لماذا استطاع المسرح أن يلازمني لهذه المدة الطويلة أوجز لكم المحفزات في هذه النقاط حسب وجهة نظري:

1- طوال عملي في المسرح كنت أبحث عن الجديد وبالفعل في كل مسرحية أو بروفة لأي عمل مسرحي أكتشف الجديد.

2- المتعة في مشاهدة عمل مسرحي وأنت طرف أساسي به يكبر وينمو حتى يصبح جاهزاً للعرض.

3- بعث الحياة في الشخصيات التي كتبها المؤلف والبحث لها عن تاريخ خاص بها.

4- الشعور الجميل عندما تعود إلى الحياة مرة أخرى بشخصية مختلفة على خشبة المسرح.

5- عدم الشعور بالملل وأنا أمثل في المسرحية حتى لو عرضت آلاف المرات فكل عرض له ظروف مختلفة.

6- تلقي ردات الفعل من الجمهور مباشرة وهو ما يسمى بالتغذية الرجعية والمسرح هو الفن الوحيد الذي يضمن لك ذلك.

7- التحديات الكثيرة ما بين الممثل والمخرج، النص الممثل الزميل, الإضاءة، الديكور, المتلقي, عاطفياً وجسدياً وعقلياً.

8- حب السيطرة فالممثل يسيطر على الجمهور طيلة مدة عرض المسرحية ويستمع إليه ويشاهده وينفعل معه.

9- التنافس لتقديم الجيد والمرضي لنفسي وللجميع.

10- البيئة المسرحية الجيدة هي الأرض الخصبة لزرع حب المسرح وهذا ما حدث معي بالضبط ورشة العمل المسرحي، لجنة الفنون المسرحية بجمعية الثقافة والفنون، فرقة الطائف بيئة مسرحية مميزة وكم أنا سعيد أن غرس حب المسرح في قلبي كان في هذه البيئة بالفعل هي من وفرت لي الماء والهواء لكي يزيد حب المسرح في قلبي.

أنا أحب ما أفعل، بيني وبين المسرح علاقة غرامية وحالة حب لن تنتهي بالزواج كي لا تموت سنبقى هكذا عاشقين محبين مغرمين.

كما دعى من خلال ارتسام - عنونه بـ»استقلالية الممثل» دعى الممثل المسرحي إلى ممارسة فعل الاستقلالية في أداء الدور من أجل منح الشخصية قوة وزخماً ولكي يتمكن الممثل من السيطرة عليها داعيا الممثل إلى ممارسة الخيال للتحليق عاليا مستشهدا بما قاله الخبراء في مجال الإعداد للدور، ومختتماً ارتسامه بموقف سئل فيه المخرج والمنظر المسرحي (جيورجي توفستونوكوف) عن الأسباب التي جعلت عروضه تتسم بالنجاح فقال إن هذا يعود إلى استقلالية الممثل.

كما تحدث عن «المسرح الشرعي» الذي نشأ في انجلترا عام 1737م عندما أُصدر قانون لترخيص المسرحيات الجادة لأهم المؤلفين مثل شكسبير وغيره للفصل بين المسرحيات الجادة التي تبحث في القضايا الإنسانية والهزلية التي تسلي الناس, وقد سن هذا القانون لمراقبة المسرحيات المقدمة في المسارح الكبيرة التي يرتادها الناس لأنها تمثل الدولة, أغلب الكتاب والمؤلفين يرخص العرض من الدولة قبل أن يتم عرضه بالمسارح المهمة. بعد هذا القانون انتشرت المسرحيات الكوميدية والهزلية في أنحاء انجلترا وكانت الموسيقى تلعب دورا مهما بها وكانت تعرض في الأندية والمسارح الصغيرة وفي عام 1890م تحولت بعض هذه المسارح والأندية إلى الخصوصية فبعد أن كانت تقدم عروضها للعامة اقتصرت على تقديم عروضها للأعضاء فقط.

واستمر العمل بهذا التشريع إلى عام 1965م، عندما عرض إدوارد بوند مسرحية بالمسرح الملكي البريطاني وكان قد أوهم الجميع بأن لديه ترخيصاً لعرض هذه المسرحية بالمسرح الملكي.

كما تحدث من خلال حائطه عن مسرح النو الياباني وعن مسرح خيال الظل (مسرح العقاب).

ونشأته مورداً رواية طريفة عنه تقول إنّ أحد ملوك أسرة هان منع النساء من رؤية المسرح. وكان المسرح في ذلك الحين من وسائل الترفيه الشائعة. فلكي يخفّف من وطأة هذا القرار، سُمِحَ للنساء بمشاهدة العروض من وراء الشاشة في أماكن مخصّصة لهنّ، وتمّ تطوير تقنيّة النور والظلال كي يتمكّنّ من رؤية المسرحيّات بطريقةٍ مرضية. وهكذا، حوّل المنع أبعاد الجسد الثلاثة إلى بعدين. وتحوّل المسرح من ثلاثة أبعاد إلى قطعة مستوية، وانقطعت العلاقة بين المؤدّي والجمهور،كانت هذه المرحلة بداية لفن سيشق طريقه ويطوّر نفسه، وسيتخذ اسماً هو مسرح خيال الظل، قوامه مهارة التلاعب بالأنوار والظلال.

ثم تحدث عن تصميم الإضاءة المسرحية. بما نصه: (من أصعب الأعمال في المسرح تصميم إضاءة مسرحية لعرض ما, هنا يجب العمل على صياغة خطة إضاءة تحقق المهام الأساسية للإضاءة في المسرح وأهمها إعطاء المتفرج رؤية واضحة، الإيهام في بعض مواقف العمل بالطبيعة كالليل والشمس, خلق الأجواء المناسبة لبعض المشاهد في العمل المسرحي من خلال التحكم في كثافة الضوء واللون والأهم من ذلك كله هو تصميم خطة إضاءة يأخذ فيها بعين الاعتبار أن العرض المسرحي سوف يقدم على مسارح عديدة مختلفة الأحجام والمساحات الإضاءة ليست مجرد وسيلة لرؤية فقط بل وسيلة تعبيرية وفيض من خيال يختلط فيها عالم الكهرباء بالفن تحياتي لكل العاملين في هذا المجال).

كما تحدث عن (سيميائية العرض المسرحي) معرفا هذا الموضوع ببساطة شديدة أنه تحويل النص المسرحي المتخيل من قبل المؤلف إلى عرض مسرحي متحرك على خشبة المسرح بالتزامن مع اشتغال الممثل على أدواته المسرحية وانتقد في إحدى منشوراته مسرحية المناهج ووصف محاولة التربويين ترسيخ هذا التوجه تشدقا بمسرحة المناهج لأن المعلمين كما يرى مشغولين بحل ألغاز وفك طلاسم تلك المناهج ولا وقت لديهم لمسرحة تلك المناهج.

الجميل أن كل موضوع ينشره على الحائط كان يضع معه صوره من أعمال الورشة الأمر الذي أضاف بُعداً بصريا جميلا على الحائط.

بعيدا عن المسرح كشفت لغة الخطاب التي تضمنتها المنشورات على الحائط عن أهلاوية سامي المتعصبة لهذا الفريق كما تضمنت كذلك أخبارا متفرقة عن مشاركات متعددة للورشة وتهاني لبعض الفرق الفائزة في بعض المشاركات المسرحية ومقاطع مصورة لبعض العروض للورشة ولبعض الفرق الأخرى وعروضا مرئية منوعة منها عرض عن (أحمد الأحمري) عضو الورشة عندما تم تكريمه على هامش أحد المهرجانات نستشف من خلاله (عمق العلاقة الحميمة التي تربط بين أعضاء الورشة).

الصفحة لم يكن خيط الطرح فيها يلتزم الجدية في كل منشوراتها بل تخللها حس فكاهي تجلى عندما (خلع ضرس العقل) وروى عبر تلويحة طريفة ما صاحب خلع الضرس من ألم وحمى ومعاناة.

كما تخللها دعوة طريفة لحضور عرض (المحطة لا تغادر) مستهلا الدعوة (بالدعاء المأثور في حفلات الزواج) مما جعل الصفحة أكثر تنوعا.

كما توقف من خلالها معترضا على مواقف بعينها شهدتها الحالة المسرحية المحلية وأبدى رأيه فيها دون مواربة.

هذا الحديث بقدر ما هو انحياز تام لعمل جميل شدني كثيرا إليه ليس في حجم المعلومات التي يقدمها فقط وإنما في تحفيز المتلقي على البحث والقراءة والمزيد من الاطلاع حول تلك العناوين التي يطرحها عبر ارتساماته، ورغم أن تعليقات المارين بالحائط في غالبها لا تتجاوز عبارات الإعجاب إلا أن هناك بعض الإضافات والأسئلة التي دونها بعض من رقنوا مرورهم أضافت للموضوع المطروح بعدا زاد من ثراء الطرح أحيانا.

وفي ذات اللحظة هذا الحديث هو تأكيد على أهمية الوعي باستغلال الميديا الحديثة بما يفيد هذا الفن.

الطائف

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة