Culture Magazine Thursday  13/06/2013 G Issue 410
أوراق
الخميس 4 ,شعبان 1434   العدد  410
 
معجم موازين اللغة
آثار وقبور الصحابة بين التحقيق... والتلفيق
د. صالح بن سعد اللحيدان

 

لعلَّه من المفيد في حال تداخل العلوم واختلاط الآثار بعضها ببعض، ولعله من المفيد كذلك في حال العجلة فيما يُطرح ويُنشر، لعله من المفيد جداً بيان ما يحتاجه المقام في مثل هذا أن أُبين ضرورات أرى حسب ما أرى أن أبُثها لما قد تجلب من ناصع مُفيد أو رأي سديد أو مسلك لابد منه رشيد، فإنني ومنذ أمد ليس بالقريب أرى أشياء يُكتب عنها، وأرى أشياء يُنقل منها، وأرى أشياء يُعول عليها وفيها، وهي عند تدقيق النظر وبُعد مسلك التأني ببعده عن العجلة واستجلاب صفاء الذهن يتبين من ذلك كله أن هناك ما لابد من بيانه، لاسيما وقد رأيت أناساً هم محل اللوم ومحط العتاب، تقع منهم ما لا يحسُن أن يكون. فمن أجل ذلك ولعلَّه يكون بين أيديهم أدون ما يلي:

أولاً: يعولُ بعضُ الباحثين والكتاب على آثار الصحابة ومنازلهم وآثارهم المنقولة على كتب التاريخ، مثل ما كتبه: ابنُ إسحاق وابن هشام والمسعودي والثعالبي، ومن المعلوم أنهم ينقلون نقلاً دون سند ودون ذكر صحة الأثر بصحة سنده، وهل هو: مدني أو مكي أو كوفي أو بصري أو شامي، أو يمني أو مصري، بل مجرد نقل وليس ثمة، مثل أن بعض الصحابة مقبور خلف: (جامع ابن عباس بمدينة الطائف)، ومثل موضع (ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه في موضع مكتبة الحرم الآن)، ومثل قبر (علي بن أبي طالب) في الكوفة وقبر (الحسين بن علي).

ثانياً: قول بعض الباحثين عن حالة تاريخية كمثل الذي مرَّ آنفاً (وهذا متواتر). وهذه قاعدة علمية لا تُطلق إلا في موضعها الصحيح، لأنك حينما تقول (متواتر) هكذا فهذا يلزم منه القطع بالصحة دون رد، وكتب التاريخ والأدب والأخبار لا يُقال عما تورده (متواتراً) لأن (التواتر) هو: (رواية جماعة عن جماعة لا يَعِرفُ بعضُهم بعضاً على نص واحد)، (تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب)، ومن المعلوم علمياً رواية ودراية أن: (رواية جماعة عن جماعة....) المرادُ به السند المتصل: حدثنا فلان عن فلان عن فلان.. عن.. عن، وكتب التاريخ والسير خاصة المؤرخ: ابنُ شبه.. والأزرقي والمسعودي ليسوا من هذا في شيء لضعف ما يروونه. ذلك لأن دراسة السند من خلال نظر حال الرواة واحداً واحداً وحال منزلتهم يتبين منه رداءة المتن، ومجرد الرواية ومجرد النقل ومجرد شهرة الكتاب تسقط جزماً عند المحك. وخُذْ مثلاً كتاب: (الأغاني) وكتاب (العقد الفريد)، هما كتابان عند جلة من أهل العلم والأدب والثقافة، وهم يستشهدون بهما غالباً، فهل هذا يُعطيهما المثال الصواب؟ لا جرم: لا، وخاصة (الأغاني) ففيهما جميعاً قرابة: (3000) ثلاثة آلاف رواية باطلة و750 رواية لا أصل لها. هذا كله فيما يتعلق بآثار الصحابة والمواقع والأخبار.

ومن الصعب جداً.. هُنا.. تغليب العاطفة على الرواية الصحيحة حتى، بل العقلُ يجبُ أن يخضع لصحة السند، ولهذا قال أحمد بن محمد الشيباني العنزي (بيننا وبين القوم القوائم)، يعني: الأسانيد الصحيحة القوية، وليس أجمل مما قاله عبدالله المبارك: (لولا الأسناد لقال من شاء ما شاء). والمراد واضح. وخذ مثلاً قبر (آمنة بنت وهب) أم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه في (الأبواء)، وهذا أبطله الطبراني في (المعجم الأوسط) عن عبدالله ابن مسعود الهذلي.

ثالثاً: كتب الحديث المسندة باتصال السند الصحيح هي المعول، وهي مبثوثة تترى، فعند رواية خبر ما أو قصة ما أو موضع ما في كتب التاريخ يُعاد هناك إلى الأصل ولا كلام.

أرأيت المريض المحتاج إلى العلاج الدقيق لا يذهب إلى طبيب عام بل الطبيب الاستشاري، ولكن من يتعجل الكتابة ويرنو إلى النتيجة (وإن كانت نيته حسنة) فإنه يقع في زلل الخطأ وقد يكون هذا الخطأ قاسياً أوقاب قوسين.

رابعاً: هناك عنفٌ شديدٌ أثناء الكتابة خاصة من مسائل المخالفة أو مسائل الدراسات النقدية في اتجاه مُعاكس تماماً، وذلك مثل الدخول في: (النوايا) أو التجريح الذاتي وترك أصل الموضوع، أو الإلزام بالرأي الآحادي مع تسفيه وذم لصاحب الرأي الآخر. ولهذا نجد ومنذ قرابة عشرة أعوام أنه لا يرد على هذا الصنف لأنه لا يمكن النقاش، إذ لا وجه له بحال لاسيما وهناك جرأة إنشائية حذرتُ منها كثيراً لأنها تولد الكراهية، ولهذا نجد ابن تيمية ونجد أبا الحسن الأشعري، وكذا ابن قتيبة، وأيضاً البخاري في تراجمه للرواة وتراجمه في (صحيحه) يتركون ما يتعلق بذات الشخص، ولا يتطاولون على طريقته بذم أو حقران، بل بالتفنيد والمعالجة الراقية، حتى أن بعض هؤلاء يستفيد من نقد كبار العلماء لهم ويجعلون ذلك في (مقدمة كتبهم، أليس هذا حسناً وجميلاً.

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5485 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة