Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
أوراق
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
ستنهض الثقافة ويزدهر الإبداع بشقراء وأخواتها
رؤية احتفائية بصالون شقراء المدخلي الثقافي في صامطة
د. محمد عبدالله منور

 

لقد عرفت جازان بتميزها الثقافي والإبداعي، إن على مستوى الشعر والأدب وإن على مستوى الفكر والصحافة والثقافة، حتى قيل إن وراء كل باب في جازان شاعراً أو أديباً، ولقد كان نادي جازان الأدبي واحداً من الأندية الخمسة الأولى التي أسست في بلادنا إبان نشأتها عام 1395هـ، حيث صدرت الموافقة بقيامها في: الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وجازان، وإذا ذكر رواد الشعر والأدب في المملكة العربية السعودية الأوائل ذكر الشاعر محمد بن علي السنوسي، والأديب محمد بن أحمد العقلي ضمن أعلام ورواد الأدب السعودي أمثال العواد والغزاوي وابن خميس وابن إدريس والربيع والسباعي وغيرهم من الشعراء والأدباء والمفكرين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على بروز الفعل الثقافي والأدبي لمنطقة جازان وريادتها من بين تلك المناطق التي كانت تتمتع بحركات أدبية رائدة في أوليات نشأة الأدب السعودي وتكونه، وظل نادي جازان الأدبي شعلة متألقة بين الشعل الثقافية الأولى في سماء الحركة الأدبية السعودية الناهضة، وظل على مدى الأربعة العقود الماضية يؤدي دوره الثقافي والإبداعي البارز، سواء في مرحلة التأسيس والنشأة، أو في مرحلة التطور والنقلة الثقافية الحداثية التي شهدها الأدب السعودي في مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حيث كان نادي جازان الأدبي واحدا من الكيانات الإبداعية والثقافية التنويرية التي أسهمت في إرساء حداثة الأدب السعودي أنشطة وتأليفاً، أو في مرحلة اختيار المحافظة التي جعلت الأصالة الأدبية هدفاً وغاية لنشاطاتها وإصداراتها الرائدة والمتميزة، حتى بات نادي جازان أنموذجاً وقدوة لبعض الأندية الأدبية الأخرى في مناشطه وإصداراته وحلقاته الإبداعية والنقدية .

لقد مر هذا التاريخ المجيد لنادي جازان الأدبي في ذاكرتي وأنا أقرأ خبرين متضادين عن الواقع الأدبي والثقافي في جازان اليوم في المجلة الثقافية الصادرة عن جريدة الجزيرة في عددها 404 وتاريخ 15-6-1434هـ الموافق 25-4-2013م، الأول يحكي توقف أنشطة نادي جازان الأدبي بسبب خلافات أعضائه وإدارته واستقالات كثير منهم وما ترتب على تلك الحالة من الضعف والجفاف والموات الأدبي، حيث أجل ملتقاه الشعري وجمدت أنشطته الثقافية، وأنه بات في انتظار لجنة وزارية تأتي لتنتشله مما هو فيه من تيبس وتكلس وموات، أصابه على يد من كان المأمول أن ينهضوا به، ويعملوا على تطوير مناشطه، وفعالياته بعد أن جاؤوا بإرادة الوسط الأدبي والثقافي في جازان عبر انتخابات انتظرناها طويلا حتى تحققت.

وهذا آلمني وجعلني أتساءل هنا: أي انتخابات حرة هذه التي نجم عنها هذا الموات الثقافي للنادي، وأي لائحة تنظيمية هذه التي أتاحت لمن ليس له تجربة في العمل الفكري والثقافي و الإبداعي أن يصل إلى عضوية الجمعية العمومية للنادي، ويصل بناد رائد في مناشطه وإصداراته مثل نادي جازان الأدبي إلى ما وصل إليه من عجز وشلل ثقافي، سواء بقصد منه، أو بغير قصد أو إدراك لطبيعة المشاريع الثقافية والفكرية والإبداعية، وطبيعة قيادتها وإدارتها.

إن ذلك الحشد الجماعي – في تقديري- الذي انطلق من إيديولوجية ضيقة، أو مصلحة شخصية ذاتية، قد استغل أدبيات الانتخابات، ونقاط الضعف في اللائحة التنظيمية ليصل إلى مواقع القرار في النادي هي التي أوصلت النادي إلى هذه الحالة من الخواء والتوقف الثقافي.

أما الخبر الثاني الذي آسى ألمي هذا، وبعث في الأمل والرجاء في مستقبل أبناء جازان الفكري والثقافي والإبداعي فهو إعلان الشاعرة شقراء المدخلي قيام صالونها الثقافي في محافظة صامطة. لقد أيقنت بهذا الخبر أن الإبداع والثقافة والفكر في جازان وبين أبنائها مازالت شعلها متقدة مضيئة، وإن سقطت من يد النادي التي باتت ضعيفة مرتعشة فإنها ستجد الأيدي القوية التي تحملها مضيئة مشتعلة، تنير لأبناء جازان وعموم الوطن طريق الثقافة والإبداع وسبل الفكر والمعرفة، كذلك أكد لي هذا الخبر ما وصل إليه المجتمع الجازاني من وعي باللحظة الثقافية ولإبداعية، وأنهم لن يتوقفوا في ممارستهم للثقافة والإبداع بتوقف مؤسسة ثقافية لسبب من الأسباب، ويربطوا مصيرهم الثقافي بها، منتظرين اللجنة الوزارية التي سوف تنقذ الثقافة والإبداع في جازان وتفعل ما عجز مثقفو جازان عن فعله.

إن هذا الفعل الثقافي الذي بادرت إليه الشاعرة شقراء المدخلي يعد امتداداً طبيعياً لتلك المبادرات الثقافية الخاصة التي أخذت تنتشر في مدننا الحضارية في الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة،وجدة، وسوها من مدن المملكة ومحافظاتها، وأثبتت من خلالها فاعليتها الثقافية في المجتمع، بعد أن باتت ثقافة الصالونات الأدبية ركناً مهماً من أركان الثقافة السعودية، التي لا أقول نافست النوادي الأدبية فحسب بل إن بعض الصالونات فاقت في طرحها وما يناقش فيها ما يطرح في النوادي الأدبية.

لقد جاءت مبادرة الشاعرة شقراء المدخلي الثقافية لتعبر عن أن المجتمع الجازاني بات مؤهلاً تأهيلاً ذاتياً ليمارس الفعل الثقافي دون حاجة لمؤسسة بيروقراطية استسلمت للأهواء الشخصية، والمنازعات الأيدلوجية، فوأدت الإبداع وأوقفت المسيرة الثقافية، وانتظرت لجنة رسمية لتفكها من الأسر، وتخلصها من مخالب الموات والتشويه.

إنني أعتقد بأن المجتمع الجازاني ووسطه الثقافي قد تأخر كثيراً في اصطناع مثل هذه الصالونات الثقافية وإقامتها في بيئته الثقافية، وقد تأخر أكثر في إبراز دور المرأة الجازانية الثقافي والإبداعي، ولا أنس هنا الإشادة بصالون الشاعر عبد الرحمن موكلي وما يمارسه من حراك فكري وأدبي وثقافي، لكن المنطقة تشكل بيئة ثقافية مليئة بالمواهب والإبداعات؛ لذلك فهي رغم هذه التجارب لما تزال بحاجة إلى إقامة مثل هذه الصالونات، والملتقيات الأدبية الخاصة الآتية من رغبة المجتمع، وتطلعاته لتكوين ثقافته بعيدا عن البيروقراطيات. فمدينة الرياض وحدها تحوي العشرات من الصالونات الأدبية والثقافية الخاصة، التي تتنوع في طرحها ما بين ما هو فكري وأدبي وثقافي واجتماعي وتربوي وغير ذلك من الموضوعات العلمية والثقافية والاجتماعية، التي بات لها أثرها الفكري والثقافي على المجتمع ووسطه الثقافي، كذلك هناك تجارب نسائية في كل من الشرقية والغربية والشمالية سوف تشكل تجربة شقراء المدخلي رافداً مهماً لرفد ثقافة المرأة السعودية الحديثة.

إن صالون شقراء المدخلي في صامطة أعده امتداداً لثقافة التنوير المعرفي والعلمي، الذي جسدته محافظة صامطة عبر تأريخها العلمي والمعرفي بدءا من مدرستها السلفية، التي أسسها فضيلة الشيخ ناصر خلوفة رحمه الله، ثم معهدها العلمي الذي يعد من أوائل المعاهد العلمية في المملكة، الذي نهض بتأسيسه بدعم خاص وغير محدود من الملك سعود – رحمه الله- فضيلة الداعية الشيخ عبدالله القرعاوي وتلميذه فضيلة العلامة الشيخ حافظ الحكمي – رحمهما الله.

لقد تراجعت محافظة صامطة كثيراً في تقديري من بين محافظات جازان عن دورها الثقافي والعلمي الذي كانت تنهض به في بدايات النهضة العلمية السعودية المعاصرة، لكن لنا في شقراء المدخلي وأخواتها من مثقفات المحافظة ما يمكن أن نعده منطلقا للنهوض والانبعاث الفكري والثقافي وولادته ولادة جديدة كما تولد العنقاء، وكما يولد الفينيق من رماده مستعيداً شبابه وحيويته، وكما تنهض عشتار من جديد من غفوتها؛ لتملأ الأرض حباً وخصوبة وحياة، فتورق أشجار المعرفة وتتدلى أغصان الثقافة، وتطلع ثمارها من أكمامها المتفتحة.

ستنتصر الثقافة في جازان، وينهض الشعر والإبداع بشقراء وأخواتها من أديبات المنطقة ومثقفاتها إن لم تستطع أن تنتصر بمثقفيها وأدبائها من جمعية النادي الأدبي وبنيته الإدارية، وسيكون لصالون شقراء المدخلي وعبد الرحمن موكلي، وما سوف يتبعهما من مثل هذه المبادرات الثقافية الخاصة أثرها في صناعة الفكر والإبداع والثقافة في جازان .

إنني وأنا أحتفي بهذه المبادرة الثقافية الرائدة؛ لأستشرف لهذا الصالون مستقبلاً واعداً على مستوى ثقافة المنطقة بخاصة، وثقافة الوطن بعامة؛ إن أراد مثقفو جازان أن يكون لهم مستقبل ثقافي عظيم كما هم في ماضيهم، وأدعو الشاعرة شقراء المدخلي أن تجعل صالونها صالوناً تنويرياً يتسع لمختلف الأفكار الفاعلة والمفيدة، محتوياً مختلف الاتجاهات والإبداعات الأدبية والنقدية، واسعاً في أفقه المعرفي وتطلعاته، راقياً بمكانته الثقافية والفكرية، وأن تكون أهدافه وغاياته خدمة الفكر والثقافة والإبداع، والنهوض بتطلعات رواده واستشرافهم للمستقبل الإبداعي الفاعل والدافع نحو التغيير للأفضل من الحياة، وأتطلع أن نرى صالونات أخرى تلي هذا الصالون، وشقراوات أخر ينهضن بما نهضت به شقراء المدخلي في بقية محافظات جازان، وعموم مدن ومحافظات الوطن.

كلية الآداب – جامعة الملك سعود

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة