Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
فضاءات
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
الوثنية الجديدة-2-
سهام القحطاني

 

«فلسفة الحقيقة»

هل الحقيقة جزء من الدين أم أنها من حاصل العلم والعقل؟

وقد يعتبر البعض أن السؤال السابق هو سؤال غير معياري؛ لأن إقران الثابت بالمتغير في إيجاد حكم لعلاقة تتسم بالاطراد فيه إخلال لقيمة تلك العلاقة.

ولا خلاف في مسألة أن انعدام التكافؤ في حالة الإقران هو غالبا الذي قد يؤدي إلى اضطراب ما تُنتجه تلك العلاقة.

ولذلك قد نحقق معيارية الإقران قدر الإمكان إذا ربطنا الحقيقة بالعقل والعلم ؛أي ثلاثية المعرفة بدلا من الدين.

هل هذا يعني أن الدين سيخرج من تلك الثلاثية؟

والإجابة على السؤال السابق تقتضي تقديم ما يوضح ماهية الدين،وعلاقة الدين بالعقل والعلم والمعرفة،وعلاقة الحقيقة بهم جميعا.

ما هو الدين؟

هناك بعض المصطلحات التي تُعرف وفق وظيفتها أو أننا يمُكن أن نتعرف عليها وفق خصائصها،والدين ينتمي إلى هذه المصطلحات.

يتعامل بعضنا مع الدين على أساس أنه روح الله»في الأرض أي أنه ذو صفة إلهية وهذا الاعتبار يمنحه قدسية كمال الصحة والصوابية،وكل ما يُبنى على كمال الصحة فهو كامل الصوابية.

ويتعامل البعض مع الدين إضافة إلى الخاصية الإلهية بأنه دستور تنظيمي ذو إطار إلهي أيضا ولذلك فهو مُشرِع مستديم لكل زمان والمكان.

لكن هل الدين وفق ما يختص به من وجود وتنظيم إلهيين يمكن اعتباره الأب الشرعي لإنتاج الحقيقة؟

وتُطرح هذه الجدلية لأن هناك خلاف على مصدر إنتاج الحقيقة؛خلاف مضطرب حول من هو الأب الشرعي للحقيقة؟

وهل الدين هو الأب الشرعي للحقيقة أم العقل أو العلم؟

وقد يرى البعض إن وضع الدين ضمن الاستحقاق الشرعي لملكية الحقيقة هو إقحام لا يستند إلى ثابت منطقي؛ باعتبار أن العقل والعلم هما مصدرا المعرفة باعتبار صفتي الإنماء وقابلية التطوير اللتين يختصان بهما، في حين أن الدين لا يمثل مصدرا للمعرفة أيضا وفق الاعتبار ذاته ؛عدم اتصافه بخاصيتي الإنماء وقابلية التطوير.

فكيف يملك التخويل الشرعي لملكية الحقيقة والتصرف في تطويرها أو تغييرها.

فهل صحيح أن الدين لا يمثل مصدرا للمعرفة كما يذهب إلى ذلك العقلانيون والعلمانيون؟

وحتى نستطيع الإجابة علينا أن نسأل عن ماهي المعرفة؟.

يمكن اعتبار المعرفة في جوهرها هي» الإضافة».

وتُعرف الإضافة بمظاهر عدة تتعلق بالزمان والمكان والتجربة ومن مظاهر الإضافة؛ التحسين والتعديل والتطوير؛أي أن الإضافة لابد أن تحقق تغييرا بالانتقال أو التحويل أو التجديد.

ونلاحظ أن مظاهر ناتج المعرفة»الإضافة» تتشابه مع خصائص الحقيقية والتي ذكرتها في الجزء الأول من هذا الموضوع.

وهذا التشابه بلاشك له دلالتان ،دلالة تبرهن على تبعية الحقيقة للمعرفة،ودلالة تؤكد على وجوب قدرة ناتج المعرفة على صناعة الإجرائية.

وفي هذا المقام قد يسأل سائل أليست الإضافة هي ضامن اشتراطي للإجرائية؟.

وحسبما أعتقد أن الإجرائية تدخل في باب الإمكانيات؛ فالإضافة في عجز الإمكانيات لا يمكن أن تحقق الإجرائية؛وهذا لا يعني إلغاء الإضافة إنما تأخرها أو ترحلها.

وبيئة الإجرائيات غالبا ما تكون مغرية لجذب فاعل الإضافة ومحتواها.

فهل المعرفة التي يقدمها الدين هي معرفة تتجوهر على «الإضافة» ؟.

هكذا يسأل أصحاب المدرسة العقلانية والعلمانية.

يرى العقلانيون والعلمانيون أن وظيفة الدين تكمن في «تنظيم العلاقات الإنسانية».

وان المعرفة التي يقدمها تُصنف ضمن باب»الإخبار» ؛ وإن ذلك الإخبار يتضمن بدورها وظيفة تنظيم علاقة الإنسان بالزمان والمكان والأخر، كما أن الكليات التي يروج لها «الإخبار» هي اقتضائية وليست حتمية،وبذلك فإن المعرفة وفق خصائص الإخبار لا تحقق الإنماء المعرفي والتنمية المعرفية، وبذلك لا يملك اعتبار الدين بمعرفته الإخبارية مصدراً للمعرفة كمفهوم للإنماء والتنمية، ووفق حصرية تلك الوظيفة يخرج الدين كمؤثر لصناعة الحقيقة وتنميتها.

ووفق موقف العقلانيين والعلمانيين السابق فإنهم بذلك يشككون في هوية «الإخبار» كمعرفة.

وبذلك فإن الدين كمختص في «معرفة الإخبار» كما يذهب أنصار العقلانية والعلمانية لايُمكن أن يتحكم في صناعة الحقيقة وتنميتها.

إن تقدير مصطلح»الإضافة» كحدّ أحادي هو الذي جعل العقلانيون والعلمانيون يخرجون «خاصية الإخبار» من خانة الإضافة،وبالتالي تفقد صلاحيتها كمؤثر إضافة وما تحققه فيما بعد من مشاركة في صناعة الحقيقة.

ولو تجاوزنا ذلك التقدير لمفهوم الإضافة الذي يشترط تحقيقها من خلال تجديد المنطق كما يذهب أنصار المدرسة العقلانية ومن خلال استيلاد التجربة المحرضة على التوسع في الاكتشاف كما يذهب أنصار المدرسة العلمانية.

-والحقيقة أننا لو تتبعنا جوهر الحقيقة عند أنصار العقل وأنصار العلم سنجد أن بينهما اختلافا.

فجوهر الحقيقة عند أنصار العقل يستندإلى شرعية المنطق،في حين أن جوهر الحقيقة يستند إلى»شرعية التجربة» عند أنصار العلم.

وبذلك نرى أن الاختلاف بينهما يكمن في «مصدر التصديق».

فكل ما توافق مع المنطق عند المدرسة العقلية فهي حقيقة، وكل ما توافق مع التجربة العلمية فهي حقيقة عند المدرسة العلمانية.

وهذا الاختلاف في مصدر التصديق بين العلم والعقل هو الذي أمات «فلسفة الحقيقة» في عصر «علمانية الحقيقة».-

أقول لو تجاوزنا مصدر إنتاج الحقيقة عند العقلانيين والعلمانيين إلى البحث في طبيعة «الإخبار»، الإخبار عند العقلانيين هو نقل معرفة محددة وثابتة وهذه المعرفة قد تكون قيمة أو تجربة أو معلومة أو علاقة،والنقل مع انقطاع الإضافة تحرض على النمذجة، والنمذجة هي أول بوادر توثين الفكرة.

كما يرى العقلانيون أن الاعتماد على توسيع الإخبار عبر تعدد آلياته لا يحقق للإخبار جوهر الإضافة.

أما العلمانيون فيروا أن الإخبار كمعرفة يتبناها الدين ماهي سوى تجميد لإطار التجربة وهو تجميد فيه خداع لحقيقة مسار العلم وأحداثياته.

جدة sehama71@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة