Saturday 16/11/2013 Issue 417 السبت 12 ,محرم 1435 العدد

خالد الهزاني لـ«المجلة الثقافية»:

لو استقبلت من أمري ما استدبرت لدرست اللغويات التطبيقية

حاوره - فيصل العواضي:

مترجم وأكاديمي تخصص في ترجمة الشعر الإنجليزي وكان من أوائل المبتعثين في مجال اللغة عندما تحاوره تجد نفسك أمام آفاق واسعة فهو راوية بأكثر من لغة يروي لك أشعار القدامى والمحدثين من العرب كما يروي لك قصائد الإنجليز والفرنسيين ويكشف لك عن بحور وأوزان الشعر بغير العربية أترككم مع هذا الحور الشيق الذي تحدث فيه الدكتور محسن الهزاني عن أكثر من جانب وكان السؤال الأول:

* أين تجد نفسك مترجما، كاتبا، ناقدا؟ وهل أنت راض عن نفسك؟

- زاولت الترجمة والكتابة مبكرا – 1970 – ونشرت بعضا من القصائد مترجمة عن اللغة الإنجليزية (احتفظ ببعض منها وضاع إكثرها).

كنت أظن – بعد سفري للولايات المتحدة لدراسة الأدب الإنجليزي – متخصصا في الشعر – وعلى مقاعد الدراسة والتحصيل عند « مشائخي « في جامعتي وسكانسن وإنديانا – أني سأصبح شاعرا « بالإنجليزية « لسهولة عروض الشعر الإنجليزي كما بدا لي. إلا أن النصال تكسرت على النصال وولى جزء كبير من العمر وقل الرضا وانتهيت كما لو كان شكسبير يعنيني.

وإذا قلَ باللذيذ رضائي

بعدما سرني فصار الأمرا

فتشهيت تارة علم هذا

وتمنيت حذق ذلك أخرى

وقد رضيت – أخيرا – بما أنا عليه في مجال ذي صلة بتخصصي الأكاديمي (تعلم اللغات، الموارد البشرية، التدريب) من خلال الأكاديمية السعودية للغات والتدريب. ويستأنس بعض المبدعين من الأصدقاء برؤاي النقدية.. حيث إنني دارس للنقد الأدبي – ويحسن الظن بي البعض الآخر في مراجعة بعض أعمال الترجمة واستشكالاتها.

* لو استقبلت من أمرك ما استدبرت في مجال التخصص الأكاديمي، هل سيتغير مجال تخصصك «الشعر الإنجليزي إلى مجال آخر»؟

- الحق أقول لك لو دارت بي عجلة الزمان ووجدت نفسي في حرم الجامعة لدرست اللغويات التطبيقية متحصصا في تدريس اللغة الإنجليزية كلغة اجنبية. أو لدرست تطوير المناهج، لفائدة هذين المجالين على المستوى الشخصي والوطني. ومن العجب أن الشعر الإنجليزي -رغم المتعة والجمال -أقل فائدة وأكثر صعوبة مقارنة بالتخصصين المذكورين لو قدر لي دراسة احداهما بالجامعتين اللتين درست فيهما. لكن لا تنس أنه حينذاك لم يكن يوجد من يوجهنا فيما تعود مخرجاته بالنفع أكثر على مستوى الفرد أو الوطن.

أحد الزملاء بلغ به «الترف الأكاديمي» أن تخصص في «مسرح اللا معقول» « The Theatr e of the Absurd «وهو مجال أبعد ما يكون أن نحتاجه في ظل عدم وجود «مسرح معقول» أصلا!

* برزت في مجال الترجمة، كيف ترى واقع الترجمة في عالمنا العربي بشكل عام، والسعودية بشكل خاص؟ وهل ساهمت الترجمة في إثراء المكتبة العربية؟

- واقع الترجمة في العالم العربي كارثي. إذ إن بلدا مفلسا كاليونان تترجم إلى لغتها أربعة أضعاف ما يترجم في العالم العربي. لكن الأمل معقود في المشاريع المختلفة التي بدأنا نسمع عنها. جائزة الملك عبد الله العالمية للترجمة والتي يقول القائمون عليها « تنطلق من رؤية تقدر أهمية الترجمة في نقل المعرفة وفي التواصل العلمي والثقافي والتفاعل الحضاري بين الأمم كذلك « النهوض باللغة العربية من خلال تشجيع الترجمة منها وإليها «. في إمارة دبي – المتميزة دائما – هنالك مشروع الألف كتاب. في أبو ظبي مشروع « كلمة « للترجمة التابع لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة حيث يتم ترجمة مائة كتاب سنويا. ولا أنسى بالطبع مشروع الألف كتاب الذي تقوم عليه الهيئة المصرية العامة للكتاب ويسعى إلى ترجمة الكتب الحديثة والتلاقح مع الحضارات الأخرى.

* متى بدأت تترجم، وماذا ترجمت؟

- كما ذكرت في إجابة سابقة بدأت مبكرا عندما كنت أدرس مرحلة البكالوريوس في مجال اللغة الإنجليزية وآدابها(1970 – 1975). وكنت مهتما بترجمة الشعر للإنجليزية ولي محاولات ضاع أكثرها. وأذكر أنه في العام 1975 حينما توفي الملك فيصل- رحمه الله- كانت تربطنى صلة بشاعر هندى يكتب الشعر باللغة الإنجليزية في الصحف الهندية تحت اسم مستعار» قيصر محمود». كان هذا الشاعر عاشقا للملك فيصل، وقد كان لوقع وفاته عليه أثر بالغ، وكتب قصيدة رثاء باكية لم أعد أتذكر منها إلا هذا المقطع (فقدتها مع كثير من الترجمات):

If with my tears

I could see your visage fine

I›ll shed tears، a thousand years

وترجمتها هكذا:

لو كان بدمعي،

أرى محياك الوسيم،

لذرفت الدمع ألف عام.

ونشرت هذه القصيدة في صحيفة الجزيرة ومجلة اليمامه، والتى كانتا في صدارة الصحف في ذلك الوقت ويرأس تحريرهما أ/خالدالمالك والأستاذ محمد الشدي على التوالي. كما أن الإذاعة أذاعتها باللغة الإنجليزية مع الترجمة العربية.

وترجمت قصائد قصيرة لشعراء كبارمثل وردزورث، وبن جونسون. ولدي مسودة- منذ أمد - لمجموعة من القصص لأشهر كتاب القصة في الشرق الأقصى» Stories from the ORIENT « بالتعاون مع أحد الزملاء بجامعة عين شمس. ولم أتمكن من الحصول على الموافقة بطبعها من وزارة الإعلام (هذا في الثمانينيات). وكتبت مقالات متنوعة باللغتين العربية والإنجليزية في عدة صحف.

* عندما تحدثت عن الترجمة خطر في ذهني سؤال – لم أكن لأطرحه – وهو هل التعليم باللغات الأجنبية (خاصة الإنجليزية) سيحدث نقلة نوعية في التعليم كما يردد الكثير؟ أم أن نقل العلوم للعربية هو السبيل الأنجع للنهضة؟

- هذا من أخطر الأسئلة والإجابة تحتاج إلى تفصيل. بصفتي أحد المتخصصين في اللغة الإنجليزية ودرست اللغة الإنجليزية وعملت في الموارد البشرية لفترة طويلة. والتقيت الكثير من أبنائنا المبتعثين من الذين أنهوا درجات البكالوريوس في تخصصات مختلفة. لفت انتباهى ضعفهم الواضح في اللغة الإنجليزية (أنا أتكلم بشكل عام ونسبى / هنالك استثناءات بلا شك، لكنها تؤكد القاعدة).

إن الدارس يتلقى من خلال اللغة علومه ومعارفه ومهارات التدريب، وهذا يعني بالضرورة أن نسبة ما يستفيده الدارس – أيا كان التخصص- سيخضع لمدى إجادته هذه اللغة. وأكاد أجزم من خلال تجربتى أن القدرة الاستيعابية تشكل في حدود 30 – 40 % كون المحاضرات تلقى باللغة الإنجليزية. وهكذا لن يكون في مقدور الدارس استيعاب المعلومة.

ولا يفهم من كلامي عدم جدوى الدراسة باللغة الإنجليزية، ولكن ليتم ذلك بشروط موضوعية يجب الوفاء بها حيث ينبغي أن تبدأ دراسة اللغة الإنجليزية وإتقانها ومعرفة خفاياها (تداخل اللغة الأم مثلا mother-tongue interference) وتصبح عملية دراسة اللغة قبل الالتحاق بالتخصص هي لزيادة طلاقة Fluency الدارس اللغوية فقط وليس لتعلم مهارات اللغة.

إن عدم استييعاب المعلومة نظرا للضعف اللغوي ينعكس سلبا على العملية التعليمية برمتها، ويصبح من سيتخرج على هذه الشاكلة – إلا من رحم ربي – نصف متعلم (في مجال اختصاصه) ويؤسفني أن أقول إني تأملت في أناس يحملون درجات الدكتوراه في الولايات المتحدة وبريطانيا ممن يشار إليهم بالبنان وهم لا يتقنون اللغة التي تعلموا وكتبوا أبحاثهم بها.. فوق ذلك لا يتقنون لغتهم العربية. فبالله عليك قل لي كيف تعلموا؟ وأي أجيال ستتخرج على أيديهم.

إن إتقان اللغة والكتابة والتعبير بها شرط موضوعى للفهم المعرفي، سواء كانت بلغة أجنبية أم بلغة الدارس الأم.

وللإجابة على الجزء الثاني من سؤالك وهو مهم.. إن الأولوية للتعليم يجب أن يكون بلغة الدارس. هذا ما صنعته البلدان التي تقدمت مثل كوريا، فنلندا، إسرائيل، الدنمارك.. الخ. فنلندا وكوريا- مثلا – تصدرتا ترتيب التحصيل العلمى على مستوى العالم وهما تدرسان بلغتيهما القومية. مع الاهتمام بالطبع بالترجمة من جميع أفرع العلوم إلى لغتهم.

التعليم الذى يكسب الدارس مهارة التفكير والإبداع والابتكار لا يتم في الغالب بغير اللغة الأم. فكيف يبدع ويفكر ويبتكر من لا يتقن اللغة التى يدرس بها! ومن لا يستطيع أن يبدع بلغتة فأنى له أن يبدع بغير لغته.

لهذا تقدمت الأمم التي تعلمت بلغاتها القومية.

* ألا تتفق معي – بصفتك أحد خبراء الموارد البشرية – بأن التدريب تُرك لمن هبَ ودبَ! وهل ترى أن الإعلام كان له دور؟

- الصحافة لها – مع الأسف – دور سلبي في إبراز وبهرجة وإظهار من ليس له علاقة بهذا الميدان. إن عدم الإحساس بالمسئولية الإعلامية من قبل بعض الزملاء المحررين والكتَاب.وعدم جديتهم –أحيانا – في البحث الحقيقي عن المحترفين الحقيقيين في هذا المجال جعل العملة الرديئة تظهر وتفرض نفسها في سوق التدريب. وعلينا أن نعي جيدا أن مجال التدريب ليس أمراً سهلاً يطرقه من ليس له صنعة، إذ إن مخرجاته لها علاقة وطيدة – سلباً أو إيجاباً – بالمجتمع. فإما أن نخَرج أناساً يعتمد الوطن على إنتاجيتهم، أو نخَرج أرقاما تكون عالة على الوطن والمجتمع. وفي ظل تصدُر خبراء التدريب الوهميين – الذين يتم بهرجتهم إعلامياً – يتم تخريج متدربين عبارة عن أرقام تزيد من ترهل القطاعين العام والخاص، وتزيد من فئة العاطلين في الوطن.

* هل تؤيد اللجوء إلى الرمزية في الأعمال الأدبية شعرا، أو قصة، أو رواية؟ وهل يمكن القبول بما ذهب إليه البعض من أن اللجوء إلى الرمزية يعد عجزا أو عدم امتلاك الأدوات للوصول إلى المباشرة؟

- الشعر خاصة – والأعمال الأدبية الأخرى – وأن على درجة أقل – بحاجة إلى الرمز وإلا أصبح كلاما عاديا. شريطة أن لا يفضي إلى الغموض ويصبح العمل الأدبى طلاسم لا نستطيع فهما. فالرمز يتيح لنا أن نقرأ ما وراء النص الشعرى ويجعلنا نقارب النصوص برؤى مختلفه. وفي قراءتى لبعض الشعر الحديث لبعض الشعراء السعوديين – أجد مع الأسف – البعض أسرف في الرمز حتى تحول إلى غموض يلف النص فيستغلق على القارئ فهم المراد.

ذات مرة قرأت لشاعر سعودي نصا شعريا... لم أفهم منه شيئا... وما زادنى عجبا أني قرأت لرواد الشعر الرمزي مثل أزراباوند، واليوت ولم أواجه صعوبة في فك رموزهم. ولم أجد تفسيرا لذلك سوى أن شاعرنا المحلي لم يستخدم الرمز كتكريس للفن الشعرى وتميز وتفرد لغته، إنما كان استخدامه – كما قلت في سؤالك – عجزا و عدم امتلاك الأداة -وليس دليل غنى ومؤشر عمق.

والسؤال عميق ويحتاج إلى وقفة أطول.

* يقال إن عظمة المتنبي تكمن في أنه لامس أحاسيس الناس.. بماذا تفسر الحضور عند الشاعر الراحل نزار قباني؟ ومن أين اكتسب ذلك؟؟

- نزار قباني شاهد على عار التاريخ.. يتحسس الأشياء ويستقرئها ويسبر أغوارها.. ليس شاعر المرأة فقط كما صوره الإعلام.. هو شاعر الأمة.. يجسد تطلعاتها ويرفض ويقاوم شعرا..يجسد آلام وآمال الناس حتى صار –كما قال مرة- إنه الناطق الرسمي باسم الأمة العربية. نزار جعل القصيدة العمودية تسترد وهجها ومجدها وعندما كتب شعر التفعيلة.. لم يفعل ذلك هربا من قيود أوزان الخليل كما يفعل البعض – وإنما ليعطي إبداعه قبسا من حرية شعر التفعيلة، ليعود ليمتطي حصان الشعر الموزون.

خاطب الزعيم عبدالناصر ’’ أبا خالد أشكو إليك مواجعي ’’ لم يكن الزعيم حاضرا ليطمع في شيء من مجده الذي لم يكن مجدا خالصا.

وحينما عاتب الخليج.. كان عتاب المحب لا المجامل وإن قالها بصوت عال:

فإذا صرخت بوجه من أحببتهم

فلكي يعيش الحب والأحباب

ولقد تطير من العقال حمامة

ومن العباءة تطلع الأعشاب

شعر نزار ليس كغيره.. فهو مدونة حب وعشق مسكون بتراب الوطن، وسجل لما مر بالأمة من أحداث وآلام عبر عنها بكل وعي واقتدار فكان له الحضور في وعي الناس.

نزار-كالمتنبي – شاغل الناس، فهذا شعره يستشهد به في أروقة مجلس الأمن منذ شهور وإن كان مجتزء (معظم شعر نزار ضد الأنظمة القمعية في العالم العربي وداعم للحرية):

دمشق ياكنز أحلامي ومروحتي

أشكو العروبة أم أشكو لك العربا

بالطبع هنالك أبيات لم يأت ذكرها لأنها لا تخدم هوى القائل مثل هذا البيت:

يارب حي رخام القبر مسكنه

ورب ميت على الأقدام منتصبا

* كيف تشخص الحالة العربية الراهنة.. هل هو مخاض لمرحلة أكثر ألقا؟ وما دور المملكة في ذلك؟

- لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال الصعب باختصار، لكن دعني أقارب الإجابة فيما يخص المملكة، وأقول إن أهم شيء في هذا ربما يكون سقوط الوهم الذي تدعيه الديمقراطيات الغربية – خاصة أمريكا – فالديمقراطية والحرية والحداثة هم من يجب أن يتمتعوا بها. وثمة مشهد جديد يشكل محوره (الرياض – القاهرة) بعد خطاب الملك عبدالله – الذي ينحو فيه منحاً عروبيا ويعبر عن موقف المملكة الراسخ نحو أمتها العربية التي تشكل فيه مصر قطب الرحي – ويظهر فيه – ربما نادراً – استقلال السياسة السعودية عن المحور الأمريكي والدوران في قطبه بنفوذه المتآكل. هذه لحظة تاريخية نادرة.

* هاتفك المحمول فيه 1400 صديق. وأعرف أنك صاحب علاقات اجتماعية واسعة. كيف تسنى لك جمع هؤلاء الأصدقاء؟

- لقد استسمنت ذا ورم يا أستاذ فيصل ! فليس كلهم أصدقاء، فهناك المعارف، وهناك من يربطني بهم بعض الأعمال، وهناك فئات أخرى. لكن سؤالك الجميل يجعلني أقول إن المسألة ليست بالعدد بل بالكيف.. فالأصدقاء الحقيقيون في هذا الزمن الرديء قلة. ومن تجربتي أن من لم تتعامل معه بالمال وتسافر معه فمن الصعب معرفة معدنه. لم يعد السفر كافياً لوحده حيث طغى عليه المال.

فالمال والسفر هما – في رأيي – المحك الذي تستطيع أن تعرف من خلاله الصديق الصدوق الذي يمكن الاعتماد عليه. استخدم هذه الخلطه وستجد الكثير يتساقط كأوراق الشجر، وقد تصيبك الدهشة حينئذن، لقلة بضاعتك في عالم الأصدقاء!

* الشاعر الكبير محسن الهزاني الذي اشتهر بشعر الغزل تجاوز محيطه المحلي وسط الجزيرة العربية قبل عشرات العقود بإمكانيات بسيطة ليحقق حضوراً في دول الخليج والعراق والشام ولبنان وتردد شعره الركبان، ما سر هذا الحضور لشاعر شعبي يقتصر فهم شعره على محيطه الضيق؟

- محسن الهزاني على اطلاع واسع بالشعر العربي وشعره ليس من النوع الموغل في العامية، بل يمكن رد كثير من قصائده للفصحي بمجرد قراءتها معربه. مثل:

بها هام قلبي واستمالت صبابتي

وغصن الرجا مني له اليأس هازع

ويعد الشاعر محسن الهزاني من المبدعين والمجددين في عدة نواح في الشعر النبطي وقد أضاف كثيرا من مقومات الشعر الفصيح للشعر النبطي مثل عنايته بكثير من المحسنات البديعية كالجناس والطباق. لكن استخدامه يأتي عفو الخاطر من غير تكلف ممجوج أو مبالغة تخرجه عن هدف القصيده.وشعر محسن الهزاني ليس مقتصرا على الغزل كما يردد البعض دائما، فهناك أصناف أخرى طرقها. خذ مثلا ما يسمى (شعر الطبيعة) عند الشعراء الرومانسيين فهذا موجود عنده، حيث يرد الكثير من أوصاف رائعة لكثير من ألوان الطبيعة وما فيها من شجر وزهر وحيوان.وقد عقدت مقارنة لقصيدة له من هذا النوع مع قصيدة لشاعر بريطاني (وردز ورث) من أشهر شعراء بريطانيا – ونشرتها في صحيفة الرياض (منذ عشرين عاماً) ولضيق المكان أكتفي بإيراد هذين البيتين:

إلى ما انقضى النيروز فيها وخوضت

مطافيل غزلان المها كل خايع

سقاها الحيا في ليلة بعد ليله

من المزن هتان حقوق الروامع

ولسلاسة شعر محسن الهزاني خاصة في الغزل ورقة ألفاظه سارت به الركبان إلى البلاد العربية المجاورة يتسامرون على قراءة أشعاره. وحين سمع الزجال الكبير رشيد نخلة بما يتم تناقله من غزليات محسن التي يختلط فيه الواقع بالخيال التقف طرفا من هذه الغراميات وصاغ منها ملحمته الزجلية « محسن الهزاني» (الطبعة الأولى بيروت 1936). وتكلم عنها عندما زاره أمير الشعراء عام 1925 م حينما جاء ذكر مسألة الملحمة في الشعر العربي وقرأ على مسامع شوقي بعضاً من رواية « محسن» الزجلية وكما يروي لنا نخله فقد طرب لها كثيرا شوقي. أما الفضل في سماع هؤلاء الشعراء الكبار عن محسن الهزاني فيعود لشخص اسمه سليمان الأحمد، وهو بدوي من النمير/سوريا، ينقل قصص وغراميات وشعر محسن إلى مجلس عباس بيك (عم والد رشيد نخلة) وكان عباس بيك يتمني نقل مثل تلك القصص والأشعار وما فيها من بطولة وحب وجمال وصور.. وأن يجد من يستطيع نظمها على طريقة «المعنى» وهو نوع من أنواع الزجل اللبناني.

ولعل الشاعر الكبير رشيد نخله حقق أمنية عم والده (عباس بيك) حين كتب رواية محسن.

وقد أبدع الزجال رشيد نخله فيما يسمى (الشروقي) ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إن هذا النوع من الرجز أقرب ما يكون إلى المسحوب في الشعر النبطي الذي اشتهر فيه محسن الهزاني.

هذا باختصار مخل – بالإضافة لما ذكرته آنفا – ما جعل اسم محسن الهزاني يحقق حضوراً خارج موطنه. والحديث ذو شجون ويحتاج إلى استطراد ليس هذا مكانه.

-