Culture Magazine Thursday  21/02/2013 G Issue 397
ترجمات
الخميس 11 ,ربيع الثاني 1434   العدد  397
 
حصريا في المجلة الثقافية، مختارات من كتاب صدر للتو:
قصص لا ترويها هوليوود مطلقاً 1-3
د. حمد العيسى

 

يسعدني نشر بعض المقاطع المختارة من الفصل الثالث من كتابي المترجم الذي صدر مؤخرا بنفس عنوان هذا الفصل: «قصص لا تنتجها هوليوود مطلقاً» (منتدى المعارف، بيروت، 192 ص). والكتاب من تأليف المؤرخ الأمريكي هوارد زِنْ وتكمن رسالة الكتاب في مقاومة فكرة الحرب لأنها تؤدي حتما لقتل المدنيين الأبرياء كما يثبت المؤلف بالأدلة التاريخية، ويتكون الكتاب من سبعة فصول كالتالي: المبدعون في أوقات الحرب، عن إيما غولدمان، قصص لا ترويها هوليوود مطلقاً، النشرات في أمريكـا، واجب التعبير أو دور الفنان في تغيير المجتمع، تغيير عقلية أوباما، تقهقر الإمبراطورية الأمريكية. وكتب تقديم الكتاب الصحافي البريطاني المقيم في بيروت بول كوخْرَن. وهذا الفصل في الأساس هو نسخة منقحة من خطبة ألقاها زن في مهرجان تاوس للفيلم، تاوس، ولاية نيومكسيكو، في 17 نيسان/أبريل 1999.(المترجم).

هوارد زِنْ: سيرة موجزة

هوارد زِنْ (‏1922 - 2010)، مؤرخ وناقد اجتماعي/سياسي أمريكي. أصدر أكثر من 45 كتاباً. ولد زِنْ عام 1922، في حي بروكلين في مدينة نيويورك، لأبوين مهاجرين يهوديين من الطبقة الكادحة. عمل في شبابه في حوض لإصلاح السفن، ثم شارك في الحرب العالمية الثانية كقاذف قنابل من الطائرات. شكّلت مشاركته في الحرب بداية وعيه السياسي الذي عُرف به في ما بعد ليصبح مناهضاً لفكرة الحرب. حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة كولومبيا المرموقة عام 1958، مع تخصصٍ فرعي في العلوم السياسية. أصدر عام 1980، كتابه الكلاسيكي غير المسبوق «تاريخٌ شعبيٌ للولايات المتحدة: 1492 - الآن»، والذي روى فيه تاريخ أمريكا – لأول مرة - من وجهة نظر المحرومين والمستضعفين. نجح الكتاب الضخم – الذي يقع في 768 صفحة - نجاحاً ساحقاً، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً. وقال ملحق مراجعة الكتب الشهير في جريدة «نيويورك تايمز» عن الكتاب: «المؤرخون سيعتبرونه – بحق – خطوة في اتجاه نسخة معدّلة ومتماسكة من التاريخ الأمريكي». أعيد طبع الكتاب مرات عديدة، وفي ربيع عام 2003، أقيم احتفال خاص بمناسبة بيع النسخة الرقم مليون منه. ولحسن الحظ فقد صدر هذا الكتاب الهام بالعربية من ترجمة الأستاذ شعبان مكاوي عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2005 بعنوان «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة» (الكتاب الرقم 736). توفي زن في يناير 2010.

قصص لا ترويها هوليوود مطلقاً

عندما بدأت قراءة التاريخ ودراسة التاريخ وتدريس التاريخ وكتابة التاريخ، كنت دائماً أقع على حوادث وأحداث وأناس يجعلونني أهتف: «واو يا لها من قصة تصلح موضوعاً لفيلم عظيم». وعلى الرغم من أن السينما تقدم أحياناً قصصاً بغيضة، إلا أنني كنت دائماً أحب الأفلام.

وعندما كنت أقرأ عن أشياء في التاريخ أفكر أيضاً إذا ما كانت قد تحولت إلى فيلم سينمائي؟ ولكن الحالة لم تكن كذلك أبداً. لقد استغرق الأمر بالنسبة إلي فترة معتبرة لكي أدرك أن هوليود لن تنتج أفلاماً مثل التي كنت أفكر فيها. أي أن هوليوود لن تنتج أفلاماً تؤثر في الناس لكي يكون عندهم وعي حقيقي أكثر عن طبقتهم الاجتماعية، أو لكي يكونوا مضادين لفكرة الحرب بصورة أكثر، أو أكثر وعياً بالحاجة إلى المساواة الجندرية أو العرقية.

لقد تساءلت عن سبب هذا الأمر؟ لقد بدا الأمر لي بأنه ليس مجرد صدفة بحيث يمكنك أن تقول إنه مجرد غلطة غير مقصودة من جانب هوليوود مثل عدم إنتاج فيلم عن مذبحة «لودلو» في ولاية كولورادو – مجرد مصادفة، مثل المصادفات التي تسمع عنها عندما تشاهد التلفزيون كما فعلت هذا الصباح. لقد كانوا يشرحون حادثاً عرضياً عندما قصفت قوات النيتو طابوراً من اللاجئين من كوسوفو. هذه الأشياء دائماً تعتبر حوادث عارضة أو مصادفات. ولكن الآن قد تتساءلون: «هذا ليس متعمداً فعلياً، إنهم لم يقصدوا حقاً قتل هؤلاء!!». ولكن هذه الأمور من النادر أن تكون حوادث عارضة أو مصادفات.

أقصد أن العاملين في هوليوود لم يجتمعوا كلهم في غرفة واحدة ويقرروا: «نحن لن ننتج هذا النوع من الأفلام أو ذلك النوع». وكذلك لا أحد في مركز قيادة النيتو أو في الحكومة الأمريكية اجتمعوا معاً وقالوا: «سوف نقصف المدنيين». لا يجب عليهم فعل ذلك ومع ذلك فإنه ليس حادثاً عرضياً أو مصادفة! استعمل أحد المفكرين ذات مرة تعبيراً ليصف الأحداث التي ليست مصادفة أو متعمدة ولكنها تقع في المنتصف بينهما، لقد أطلق عليها «الانتقاء الطبيعي للحوادث»، بمعنى أنه إذا كان هناك ترتيب محدد لوضع ما فإن هذه الأشياء سوف تحدث حتماً سواء بالتخطيط أو من دونه. إن ترتيب الحرب مبني بصورة تجعل من الحتمي قتل أناس أبرياء. لقد سمعت الرئيس كلينتون يقول: «في الواقع، نحن لم نقصد هذا ا لشيء، ولكن الإصابات المدنية حتمية عندما تشن الحرب». لقد كان مصيباً تماماً، ما يقودك إلى استنتاجين: إما أن تقبل بالضحايا المدنيين، أو أن تلغي فكرة الحرب. وبالطبع كما تعلمون، الخيار الثاني لا يمكن التفكير فيه.

يبدو أن ترتيب الحرب هو كذلك، وترتيب هوليوود هو كذلك أيضاً، أي أنها لن تنتج تلك الأفلام التي تخيلتها عندما بدأت بقراءة وكتابة التاريخ. هناك ترتيب هوليوودي يمكن وصفه كالتالي: «بناءً على الحاجة لكسب الكثير من الأرباح»، أي ترتيب تكون فيه الأرباح هي الاعتبار الأول قبل الفن وقبل الجمال والقيم الإنسانية. عندما دعيت إلى هذا المهرجان الخاص بالأفلام، تأملت: «حسناً، هذه هي فرصتي ها هم صانعو الأفلام، سوف أخبرهم عن القصص التي طالما تمنيت أن أشاهدها في فيلم ولذلك سينصتون إلي وسينطلقون مباشرة لإنتاج تلك الأفلام «إن هدفي هو أن يتم إنتاج أفلام تستطيع أن تجعل فكرة الحرب مرفوضة ومقرفة للناس. عندما تتأملون في الأفلام التي أنتجتها هوليوود عن الحرب – وهناك مئات ومئات منها وربما آلاف – فسوف تجدونها دائماً أفلاماً تمجد البطولة العسكرية. هناك استثناءات قليلة يمكن عدها على أصابع اليدين، ولكن في الغالب نجد أفلاماً تتحدث عن محاربين أبطال أو بطولة عسكرية فذة، أي أنها أنواع من الأفلام لا يمكنها أن تقنع الجمهور الشاب بأنه لا يجب عليهم تقبل فكرة الحرب وبالتالي عدم المشاركة فيها. لقد بدأت أفكر بكتابة قصص عن بعض الحروب من وجهة نظر مختلفة، وعندما تنظر إلى الحرب من وجهة نظر مختلفة سوف تستنتج كل أنواع الاحتمالات.

دعونا نأخذ واحدة من أفضل حروبنا: الحرب الثورية الأمريكية، أي حرب الاستقلال الأمريكية. ولكن كيف يمكن أن أتحدث ضد حرب الاستقلال الأمريكية، أليس كذلك؟! لكي نكتب قصة الثورة ليس من وجهة نظر الآباء المؤسسين، ولكن من وجهة النظر التي تقول إن الحرب ظاهرة معقدة متداخلة مع قضايا أخلاقية، يجب أن نرى أن الأمريكان كانوا مظلومين من المحتلين البريطانيين، ويجب أيضاً أن نرى أن بعض الأمريكان كانوا مظلومين من بعض الأمريكان الآخرين.

الحرب الثورية الأمريكية لم تكن بسيطة؛ فعلى سبيل المثال: «الأمريكان الهنود لم يندفعوا للابتهاج بانتصار المستعمرين البيض على إنكلترا، لأن ذلك النصر بالنسبة إليهم كان يعني أن الخط الذي وضعته بريطانيا لمنع التوسع نحو الغرب الأمريكي في إعلان عام 1763، سوف يلغى. المستعمرون الأمريكان سيجدون الحرية للزحف نحو الغرب حيث الأراضي الهندية. الهنود الأمريكان لم يحتفلوا بنجاح الثورة الأمريكية، وأيضاً العبيد السود لم يحتفلوا بنجاح الثورة الأمريكية».

ونستطيع أن نصنف الناس في أمريكا بعد الثورة الأمريكية كالتالي: ثلث المستعمرين ساندوا الثورة الأمريكية، والثلث الثاني عارضوها، والثلث الأخير كانوا محايدين. لقد كان هذا تقدير جون آدمز، الذي يعتبر أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية وأحد قادة الثورة الأمريكية. لقد اعتقدت أنه من المفيد أن نروي في فيلم قصة الثورة الأمريكية من وجهة نظر عامل أمريكي عادي وفقير سمع إعلان الاستقلال، حينما تم إعلانه من شرفة في بوسطن، وكان ذلك الإعلان يعد بالعدل والمساواة.. الخ، ثم يعلم بعد ذلك بسرعة أن الأغنياء يمكن أن يعفوا من الخدمة العسكرية إذا دفعوا بضع مئات من الدولارات. هذا العامل العادي ينظم بعد ذلك للجيش لأنه تم وعده بقطعة أرض مجانية على الرغم من تشككه وريبته، وعلى الرغم من مشاعره الخاصة بأنه مظلوم، وشعوره بالظلم ليس من البريطانيين فحسب، ولكن من قادة المستعمرات الأمريكية التي يجد صعوبة في توفير لقمة العيش فيها. ولكن بينما تستمر الحرب، يشاهد القتل، وبتر وتشويه الأجسام، ويصبح بصورة متزايدة مستاءً وناقماً وساخطاً.

لا يوجد مكان في المجتمع حيث يكون تقسيم الطبقات واضحاً مثل الجيش، ويشاهد بنفسه ضباط الجيش الثوري وهم يعيشون بطريقة باذخة، بينما المجندين العاديين بالكاد يجدون ما يناسبهم من الملابس والأحذية وتتأخر رواتبهم، ولا يجدون ما يسد رمقهم سوى حساء أشبه بالوحل، ولذلك ينظم إلى المتمردين.

في الحرب الثورية كان هناك متمردون ضد جيش واشنطن: تمرد خط ولاية بنسلفانيا، وتمرد خط ولاية نيوجرسي. أعتقد من الجميل والمفيد أن نروي قصة عامل ينضم للجيش الثوري ويقاتل في معارك ثم يجرح، ولكن بعدها ينضم إلى خط بنسلفانيا وبالتالي يتمرد معهم. ويزحفون إلى مؤتمر فيلادلفيا، ولكن في النهاية يحاصرهم جيش واشنطن ويضطر العديد من رفاقهم لإطلاق النار على المتمردين. ثم يقوم هذا الجندي الغاضب مما رأى بالخروج من الجيش ويحصل على أرض في غرب ولاية ماساتشوستس، وبعد نهاية الحرب يصبح متمرداً. هناك انتفاضة وقعت غرب ولاية ماساتشوستس سميت بـ «انتفاضة شايز» حيث قام مزارعون صغار بقيادة ضابط سابق بالتمرد ضد الرجال الأغنياء الذي يسيطرون على المجلس التشريعي للولاية، ويفرضون ضرائب عالية عليهم، ويأخذون الأرض والمزرعة من العائلة التي تتأخر في تسديد الديون. انتفاضة شايز، كانت تمرداً شعبياً لمحاربين قدامى من الحرب الثورية، إضافة إلى مزارعين آخرين يحيطون بالمحاكم ويرفضون أن يدخل منظمو المزاد الذين ستباع مزارعهم في المزاد العلني. وعندما يتم دعوة الميليشيا لتفريقهم، تأتي الميليشيا وتنضم إليهم، وفي النهاية يظهر جيش مرتزق يموله أغنياء بوسطن ويقضي على ثورة شايز.

الحروب يمكن وصفها بطريقة تعقد السيناريو البسيط «الخير ضد الشر»، الذي يقدم لنا في كتب التاريخ وفي ثقافتنا. الحروب ليست ببساطة هجوم شعب ضد أخر، بل دائماً تتضمن اختلافات طبقية داخل كل طرف حيث النصر دائماً لا يتشارك فيه الجميع ولكن القلة فحسب. كما إن الناس التي تقاتل في الحروب ليست هي الناس التي تنتفع من الحروب.

نواصل في الأسبوع القادم بحول الله.

- المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة