Culture Magazine Saturday  21/09/2013 G Issue 412
فضاءات
السبت 15 ,ذو القعدة 1434   العدد  412
 
القنوات الفضائية
قاسم حول

 

من يشتهي، من يرغب، بتأسيس قناة فضائية فإن الأرض والسماء العراقيتين مفتوحتان أمامه. يمكنه بين عشية وضحاها أن يؤسس هذه القناة. مبلغ التأسيس خمسة ملايين دولار هبة من الأمريكيين. تتوزع كالتالي خمسة وثمانون ألف دولاراً أمريكياً أجور الصعود على القمر الاصطناعي الواحد للبث ولو شاء المؤسس أن يصعد على قمرين اصطناعيين فإنه يدفع مائة وسبعين ألف دولاراً في السنة الواحدة.

ينتقي صاحب القناة مذيعة جميلة وأخرى مقدمة برامج بحجاب أو بدونه مع مذيع شاطر يستهوي هوى الحسناوات براتب سنوي مقداره ألفي دولار، وأية حسناء أو رجل حسين يقبل بالتأكيد لأنها فرصة للعرض لقنوات أخرى قطعت شوطاً لو شاهدها مدير التلفزيون! شراء البرامج الجاهزة الساعة الواحدة بمائتي دولار من سوق الأشرطة التالفة شكلا ومضمونا والمستهلكة شكلا ومضمونا قد يحتاج صاحب القناة إلى عشر ساعات في اليوم لأن التلفزيون فم جائع مفتوح يأكل التبن والتبر ولا يفرق بينهما فتصبح ميزانية البرامج الجاهزة أربعا وعشرين ألف دولار سنويا. ينتج صاحب القناة ساعة واحدة في الشهر أي ستين دقيقة بسعر خمسمائة دولاراً للدقيقة الواحدة فيحتاج والحالة هذه إلى ثلاثين ألف دولارا في الشهر أي ثلاثمائة وستين ألف دولاراً في السنة. تأسيس القناة تحتاج اليوم إلى كاميرات ومازج صوت وصورة وبضعة مصورين لا تكلف أكثر من مائة ألف دولار وتحتاج بعد هذا وذاك إلى دش - صحن فضائي عملاق يبث الصورة ويستقبل لا نعرف ماذا؟! هذه كلفة القناة التلفزيونية في حدها الأدنى والباقي في جيب صاحب القناة فيبدأ البث وتتوالى عليه الإعلانات ودعم البرامج!

وأنا في العراق حسبت أربعين فضائية. سألت عن المصادر المالية التي تبلغ في حدها الأدنى خمسة ملايين دولار فقالوا لي «الأمريكان» هم المصدر الوحيد والأهم. لم أصدق ما سمعت بسبب وجود تناقضات فكرية بين كل تلك القنوات الأربعين فهي تدعم قناة مغرقة بالدين وأخرى مغرقة بالجنس، لكنني سمعت نبأ من داخل إحدى القنوات الفضائية أن صاحب القناة كان يبث برنامجا سياسيا ويبدو أن أحد الضيوف قد استرسل في حديثه وتجاوز الخط الأحمر المسموح به. وكان صاحب القناة هو الذي يدير البرنامج فتلقى مكالمة سريعة وهو على الجو بأن يوقف البرنامج فأسمعه المخرج تلك المكالمة فتوقف البث وظهرت على الشاشة نعتذر عن مواصلة البرنامج لأسباب فنية! من كان يتحدث على الخط .. ما هي الجهة .. ومن أين؟ لا أعرف ولا أحد يدري. وأنا أيضا لا أدري فقد تكون المعلومة غير دقيقة، ولكن ما أكد ذلك أنني ذات يوم وأنا أجري التحضيرات لتصوير فيلمي الجديد «بغداد خارج بغداد» زارتني مقدمة برامج وقالت لي إنها تركت القناة التي تعمل بها وسوف تؤسس مع فلان الفلاني وهو مدير القناة التنفيذي قناة فضائية جديدة وطلبت لقاء معي عن فيلمي الجديد، فسألتها بهذه السهولة يتم تأسيس قناة فضائية جديدة؟ قالت طبعا فقد أعطونا الأمريكيون خمسة ملايين دولاراً كي نؤسس القناة. من هم الأمريكيون؟ سفارة؟ مؤسسة لها مندوب في العراق؟ مندوب أمريكي أو عراقي؟ هل لهم مكتب يمكن للواحد أن يقدم لهم طلب تأسيس فضائية؟ هل عندهم وكيل عميل، شيء من هذا القبيل؟

السؤال لماذا يقدم الأمريكيون هذه المنح المفتوحة لكل من يريد تأسيس قناة تلفزيونية في العراق؟ وما هي طبيعة هذه القنوات وما هو الهدف منها؟

إن القنوات الفضائية العاملة في العراق، والعراق هنا مجرد نموذج للبحث والمساءلة والتجارب أكيد سائدة أو تسود وتتسع مساحات البلدان العربية وفضاءاتها وسوف تخرب الأرض والسماء، ولكن ما أشاهده في العراق يعيد لي فكرة البحث التي غصت فيها وتعبت وحصدت خسارات كثيرة في فرص العمل والجوائز ولكني مصر على موقفي هذا حتى أحصل على أكبر جائزة ذهبية وبلاتينية وهي جائزة حب الوطن وعشق الأوطان وعشق لغتي العربية وعشق أهلي الذين يتكلمونها في العراق وفي المملكة العربية السعودية وفي الأردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وبلدان الخليج، ليس الآن ربما غدا أو ربما في غد بعيد لا نعرف إن كان موجودا أو غير موجود إذ قد نكون حينها في يوم القيامة فيشكرني أهل الجنة على ما فعلت.

القنوات الفضائية التي تبث من العراق بينها قناة متخصصة بشتم المملكة العربية السعودية وتاريخها فتبث أصوات استغاثة من سجون المملكة العربية السعودية مسجلة بمستوى صوت ستوديو متقن التقنية، وشكرا للمملكة العربية السعودية التي توفر داخل سجونها ستوديوهات صوت بهذا المستوى من التقنية!

قناة أخرى متخصصة بشتم إيران ولسنا بحاجة إلى شتم إيران لأن الذي يشتم عليه أن يتلقى الرد وهذا الرد يأخذ أشكالا متنوعة قد تتعدى الرد الإعلامي وتعود بالكوارث على الوطن والمواطن العراقي.

قناة ثالثة متخصصة في شتم الطائفة السنية والتوغل في شتمها وشتم رموزها التاريخية والدينية. قناة رابعة متخصصة في شتم الطائفة الشيعية وشتم رموزها التاريخية والدينية. قناة خامسة موغلة في الدين وخلق الخرافات والقصص التي ما أنزل الله بها من سلطان فتحولت الأحداث التاريخية الدينية إلى حكايات كوميدية تثير الضحك وأخرى تثير الفزع. قناة سادسة فاضحة لعرض اللحوم البشرية، لحوم تهتز وأخرى مستلقية على السرير بنصف ستر وثالثة مكتنزة ورابعة رشيقة حتى تحولت المرأة إلى سلعة خاضعة للعرض والطلب، قناة سابعة تعرض لقطة واحدة على مدى أربع وعشرين ساعة عن جمال تركض في الصحراء أو تتسابق، قناة ثامنة تعرض رقصا فولكلوريا وهو مشهد واحد مصور ويبث على مدى أربع وعشرين ساعة. قناة تاسعة تعرض المديح وفيه جمهور يهز رقبته ذات اليمين وذات الشمال ويسمونه الذكر، وكل هذه البرامج مدعمة بهواتف على الشاشة تنزل فواتير الهواتف على العائلات مدراراً وتخرب ميزانياتها الشهرية فينشأ جيل لا مبال وخربان حتى العظم. قنوات سياسية إخبارية ووثائقية تربك العمليات السياسية وتودي بأي اتفاق أو انسجام يريد أن يخدم الوطن.

للقنوات الفضائية أربع مخاطر في نهجها.

الخطر الأول - البعد السياسي

الخطر الثاني - البعد السيكولوجي.

الخطر الثالث - البعد الأمني.

الخطر الرابع - البعد الفيزيائي.

في البعد السياسي لعب الإعلام الإذاعي وبعده التلفزيوني دوراً كبيراً في إسقاط نظام الإتحاد السوفياتي السابق. تمكنت أمريكا من استخدامه بذكاء فسقط نظام الإتحاد السوفياتي بدون حتى إطلاقة واحدة. وفي المجال العربي الأمثلة كثيرة وشاخصة للعيان!

في البعد السيكولوجي فإن صياغة الخبر مدعم بصياغة الصورة يلعب دوراً خطيراً في التأثير على سيكولوجية المتلقي. فلو افترضنا أن في العاصمة العراقية حدثت ثلاثة انفجارات فبدلا من أن يصاغ الخبر عن عدد الانفجارات ومواقعها فإن الخبر يمكن صياغته كالتالي «الانفجارات تهز العاصمة العراقية» فيلعب الخبر دورا سيكولوجيا في سلوك المواطن.

في البعد الأمني، فإن الصحن الفضائي العملاق يستقبل مثل ما يبث ولذا فبالإمكان استخدامه لالتقاط المكالمات الهاتفية وأحاديث الشرطة والمسؤولين، ولذا تعمد الدول الحديثة إلى تأسيس مدن الإعلام وتبعد القنوات الفضائية وصحونها العملاقة عن مركز المدينة ومؤسسات الدولة.

في البعد الرابع وهو البعد الفيزيائي، فالصورة التي تحركت جاءت من خلال حسابات فسلجة العين التي تحتفظ بالصورة الواحدة أقل من عشر الثانية وهي أي العين التي تقوم بتحريك الصورة، وهذا يعني العلاقة الفيزيائية بين ما تحتويه الصورة وعقل الإنسان. فجريمة جامعة كاليفورنيا التي قتل فيها طالب زملاءه من الطلبة عندما عرضت من على شاشة إحدى الفضائيات فإن طالبا آخر تأثر بها فيزيائيا وقام بجريمة مماثلة ما حدا بالرئيس الأمريكي إلى منع عرض الجريمة على شاشات التلفزة. وهذا هو السبب الذي كان وراء منع الإغريق في البيان المسرحي من عرض الجريمة على المسرح والاكتفاء بروايتها صوتيا!

ترى متى تدرك الأوطان الناطقة بالعربية مخاطر القنوات الفضائية بدون قوانين علمية لتنظيمها؟!

k.h.sununu@gmail.com - هولندا
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7591 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة