Culture Magazine Saturday  21/09/2013 G Issue 412
فضاءات
السبت 15 ,ذو القعدة 1434   العدد  412
 
المصريون بين آلام القمع وآمال التمرد
قراءة في طبائع الاستبداد وأبنية السلطة في الثقافة العربية
عصام حجازي

 

تعد جدلية الحاكم والمحكوم من أكثر التيمات الشائعة في الأدب العربي في العصر الحديث وفي أولى أعماله القصصية، يتصدى الكاتب الشاب د. حجاج علي لإشكالية السلطة والحرية في العالم العربي من خلال قصته القصيرة «صلاة سرية» التي ترصد رحلة مواطن بسيط كُتب عليه أن يمر على تظاهرة بإحدى ميادين مصر ويتفاعل مع تلك التظاهرة لا شعورياً حيث يدور حوار داخلي مع النفس كاشفاً عن مأساة الإنسان المصري والعربي وبؤسه في مواجهة أبنية السلطة فبطل صلاة سرية يواجه أنظمة قمعية متعددة تحول بينه وبين القدرة على الفعل والإحساس بالذات، وتتمثل تلك الأنظمة في مربع الفقر والبطش والاستبداد الديني واللامبالاة. فعزوف المجتمع عن المشاركة والمتابعة الفضولية للتظاهرات، التي غدت أحد أشكال الفرجة عند السواد الأعظم من الشعب الذي يسمى في «أدبيات الصحافة بحزب الكنبة»، هي أولى وسائل دعم الطاغية فحيادية المواطن وإيثاره السلامة هي ما تشجع أدوات السلطة على الفتك بمن يخرج عليها. فعلى مر التاريخ، كما يقول جمال حمدان، كانت مصر حكومة بلا شعب سياسياً وشعباً بلا حكومة اقتصادياً. ويأتي استغلال الدين وتوظيفه سياسياً من أجل الهروب من محنة مواجهة الذات والاعتراف بفشلها وجبنها في التصدي للفرعون الجاثم فوق أنفاسها من آلاف السنين. فعندما تحين صلاة العصر يترك بطل القصة التظاهرة من أجل أن يقيم الصلاة فالصلاة فرض! وهنا يتعامل الكاتب بحرفية مع موقف الديني من السياسي ويكشف عن التحولات البنيوية الكامنة التي تعتري الفرد في مواجهة السلطة، واستعداد المجتمع لأن يترك ما لقيصر لقيصر تحت مسمى التدين والاستجابة لنداء الآخرة، فإستراتيجية الهروب هنا تنسرب في اللجؤ للمسجد الذي يغدو رمزاً جدلياً هو الآخر فمنه تخرج الثورات وبه ينتصر السلطان. أما بطش السلطة فيبدو مروعاً عندما يصف البطل ما حدث لأحد المتظاهرين «لقد أمسكوا بشاب صغير، لكن المسكين لم ينعم برفاهية عربات الاعتقال! بل أنهالوا عليه بعِصى غليظة، وأخذوا يكسرون عظامه، لقد فقأ المجانين عينيه، وسحلوه على الرصيف» وتلك هي قيمة الإنسان في الأنظمة الاستبدادية، جماد أو أحط ليس من حقه الاعتراض أو النقد أو الشكوى بل الإذعان والانصياع وإن لم تكن معي فأنت ضدي. ثم تأتي آخر أبنية السلطة وهي الجوع والفقر وهي إحدى أدوات السيطرة في المجتمعات المتخلفة. فالإحساس بالجوع كان أحد مبررات بطل القصة أو قل إحدى حيله الدفاعة للخروج من مأزق الابتعاد عن التظاهرة بالرغم من تعاطفة الشديد معها... لقد حمد الله على أنه سرق وضاعت محفظته في الزحام وله الآن بدل العذر عذران ليترك هذا المكان. إن سعادة المواطن بسرقته وبجوعه يشيران إلى خلل في البناء النفسي والمفاهيمي للفرد. فبدلاً عن الغضب والانتقام يجد بطل القصة في حادثة السرقة مخرجاً لعدم الاشتراك في المظاهرة وفي انتصاره لقراره بالذهاب بعيدا عن التهلكة واستخدام لفظة التهلكة تشير إلى فهم مغلوط بل ومقصود لمعنى المشاركة السياسية والاعتراض. فإذا كانت مواجهة السلطة تهلكه فإن المعادل الموضوعي للتهلكة هو السلامة والسلامة تعني الانبطاح والقبول بما يفرضه السلطان والتزام المنزل.

وفي الختام، تعد قصة «صلاة سرية» نقداً حاداً للمجتمع المصري بكل مقوماته ومكوناته حاكماً ومحكوماً، فرداً وجماعة، جاهلاً ومثقفاً بل ضحيةً وجلاداً. وعلى الرغم من إشارات المؤلف الخفية لحب البطل للحرية حينما ذاق طعمها وهتف مع المتظاهرين لبرهة إلا أن تلك الإشارات جاءت خفية خافتة بقدر ما هي خفية ومستترة في الواقع المصري ويبقى السؤال الأهم الذي غاب عن بال مؤلف القصة وبطلها في مناقشة مفهوم الحرية ومدلولاتها: ما هو معنى الحرية وما هي حدودها وهل الحرية مرتبطة بالفرد فحسب وما هو دور الدولة في تطبيق حرية الفرد؟ إذ لا حرية بلا دولة وكما يقول د. ذكريا إبراهيم في كتاب مشكلة الحرية «ليس الغرض الأسمى للدولة هو السيطرة على الأفراد بالقوة والعنف والإرهاب، وإنما الغاية القصوى التي ينبغي أن تسعى نحوها وتهدف إليها هي أن تحقق للفرد أكبر قسط ممكن من الأمن والطمأنينة والحرية... فالدولة نفسها هي حصن منيع ضد الفوضى والظلم والإرهاب» ص236.

essamok@hotmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة