Saturday 21/12/2013 Issue 422 السبت 18 ,صفر 1435 العدد

بين الرفاعي والزهراني .. موت الأندية الأدبية يمتد

تحطيم المنجز في سكرة الاحتفال بالوعد (2)

عين على قاعات الأندية الأدبية!

2-1

استدلّ صديقي سعيد الدحية الزهراني بـ(قلة الحضور) على موت الأندية الأدبية، ورأى أنّ هذه الظاهرة المقلقة لن تزول إلا بإعلان وفاة الأندية وولادة المراكز الثقافية !!

وفي الأسطر الآتية اختبار سريع لهذه الرؤية :

أولاً: يجب أن نقرّر ابتداء أن الشكوى من ضعف تفاعل الجمهور ليست مقصورة على الأنشطة الثقافية – كما يقدّر صديقي الزهراني – وإنما هي ظاهرة عامة تعاني منها الأنشطة في السياقات كلِّها دون استثناء، ففي الرياضة - على سبيل المثال - تمرّ مشاركة الجماهير بحالات متعدِّدة من التمدّد والانكماش، وتبذل الأندية الكثير والكثير في سبيل جذب مشجّعيها إلى أنشطتها فتنجح مرة وتخفق مرّات.. وقد خصصت الأندية الكبيرة ميزانيات لابأس بها لجذب المشجّعين، تصل – في بعض المنافسات المتقدّمة - إلى حدّ تأمين وسيلة النقل، والإغراء بالسحب على جوائز كبيرة، وتأمين وسائل التشجيع، وربما الوجبات أيضاً.. وقبل كلّ مباراة حاسمة وبعدها يظهر رؤساء الأندية الأدبية برسالة شكر للمشجّعين أو برسالة عتاب، تشفّ لنا عن القلق الذي ينتابهم من هذه الزاوية.

ويعرف صديقي الزهراني أن بعض الأندية الرياضية في دول خليجية قد استخدمت طرائق غير مشروعة لحلّ هذه المشكلة المحبطة، كاستئجار الجماهير، والتعاقد مع الجاليات، وغيرهما!! فإذا كان هذا ما تعانيه الرياضة (وهي الرياضة)، وصالات السينما، والحفلات الغنائية، فمن الطبيعي أن تتسع هذه المعاناة في السياق الثقافي!

ثانياً: إن جميع المؤسسات الثقافية تعاني من هذه المشكلة، فالفعاليات الثقافية في معرض الكتاب، والأنشطة التي تنظمها المكتبات العامة والمؤسسات الثقافية الكبيرة، والمؤتمرات والملتقيات التي تنظمها الأندية الأدبية، أو وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، أو مهرجان الجنادرية أو الجامعات تعاني من قلة الحضور وضعف التفاعل، وما يصدق على المؤسسات الثقافية في بلادنا يصدق على المؤسسات والمراكز الثقافية في جميع دول الخليج، وفي عدد من الدول العربية أيضاً، بل إن هناك من رأى – بناء على مشاهداته الخاصة - أنها مشكلة عالمية.. ولا فرق بين أن تكون المؤسسة الثقافية محدودة النشاط والميزانية والصلاحيات كالأندية الأدبية أو أن تكون مراكز ثقافية كبيرة !

وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز منهجيا أن يقصر الزهراني هذه المشكلة على الأندية الأدبية، كما لا يجوز له منهجيا أيضاً أن يوهم القارئ بأن إلغاء الأندية وإنشاء المراكز سيعالج هذه المشكلة.

ثالثاً : أنّ قلة الحضور من المشكلات التي عانت منها الأندية الأدبية قديماً وليست طارئة عليها كما يظنّ صديقي الزهراني، فقد عانت منها الأندية – كما الجنادرية - في العقدين الأولين من عمرها، وتمّخضت عن هذه المعاناة مواقف طريفة لاحدّ لها، سأشير هنا إلى اثنين منها:

حصل أحدهما في أدبي جدة، حين ضيّف النادي الناقدَ المصريَّ عزّ الدين إسماعيل، فاضطرّ إلى الاستعانة بالعمالة الوافدة القريبة من مبنى النادي لملء الصف الأوّل من القاعة، وقد تحدث د.الغذامي – قبل أيام - عن تفاصيل هذا الموقف في أحد البرامج (التلفزيونية)، وكانت التفاصيل موجعة.

وأما الموقف الآخر فقد حصل في أدبي الطائف، حين دخل الشاعر محمد العيد الخطراوي – رحمه الله – قاعة النادي لإحياء أمسيّة شعرية. . ولم يكن فيها إلا محمد المنصور الشقحاء وآخر لم يُحدّد بالاسم، فلم يكن من الخطراوي إلا أن قال : « ابحثوا لنا عن رابع لنلعب البلوت « (عكاظ: 3 أكتوبر 2012م).

هذان الموقفان يعبّران عن معاناة الأندية الأدبية من هذه المشكلة حتى في بداياتها، حتى وهي على عتبات أجمل المراحل التي مرّت بها؛ ولذلك كانت الأندية الأدبية – في تلك المرحلة - تبتكر طرائق متعدّدة لمعالجة هذه المشكلة فاتجه أدبي جدة وأدبي القصيم إلى دعوة طلاب الجامعة إلى الحضور مقابل درجات تحتسب لهم في حقل المشاركة، واتجه أدبي تبوك إلى السحب على جوائز ثمينة (عكاظ: 3 أكتوبر 2012م(، وربما كانت هناك طرائق أخرى لم أطّلع عليها.

لقد استدعيتُ هذين الموقفين لأستدلّ بهما على أن مشكلة قلة الحضور للأنشطة الثقافية قديمة وليست جديدة، وكان يعاني منها النشاط الثقافي بصفة عامة، والأندية الأدبية – في هذا السياق - جزء من كلّ !

رابعاً: تمر قاعات الأندية الأدبية – من حين إلى آخر – بتحوّل كبير على مستوى الحضور والتفاعل، فتمتلئ القاعة بالمثقفين والمتابعين، وقد يُضطرّ المنظّمون إلى إضافة مقاعد خارجية لبعض الضيوف، وقد حصل شيء من هذا في بعض الأنشطة التي نظمها أدبي الرياض في السنوات الثلاث الأخيرة، وحصل الشيء نفسه في عدد من الأندية الأدبية الأخرى، ولو تدبرنا سرّ هذا التحول لوجدناه متصلاً بأحد سببين : إما شعبية الضيف، وإما (سخونة) القضية المحدّدة للحوار.

2-2

إنّ الم عطيات السابقة تسقط العزوف عن الحضور من قائمة المظاهر الدالة على موت الأندية الأدبية، لكنها تجعلنا أمام سؤال مهمّ وصعب، هو : كيف نستطيع التغلّب على قلة الحضور في الأندية الأدبية وفي غيرها من المؤسسات والأنشطة الثقافية ؟

وأقدّر – ابتداء – أنّ الإجابة عن هذا السؤال ستسهم – إلى حدّ ما - في إخراج الأندية الأدبية من عزلتها، وفي إخراج جميع المؤسسات والأنشطة الثقافية، بما في ذلك المراكز الثقافية و(الوعود الجميلة) !

وهنا أقترح على مجالس الأندية الأدبية مناقشة إمكانية تفعيل المقترحات الآتية :

1- تقليص عدد الفعاليات التي تعتمد اعتماداً كاملاً على الدعوة العامة، بحيث تكون فعالية واحدة في الشهر، يسعى النادي من خلالها إلى تضييف اسم ثقافي كبير، من داخل المملكة أو خارجها؛ لإحياء أمسية في موضوع ثقافي مهمّ.

2- أن تعتمد الأندية على الدورات التدريبية وورش العمل والحلقات المغلقة التي تكون الدعوة فيها خاصة أو محدّدة.

3- أن يفعّل النادي عملية التوثيق المرئي لهذه الأنشطة؛ ليضمن تسويق أنشطته لاحقاً عبر (اليوتيوب) أو المواقع المشابهة، كما تفعل القنوات الفضائية الكبيرة.

4- أن يفيد النادي من شراكاته في إقامة فعاليات ثقافية خاصة تستهدف تكتلات جاهزة، كإقامة محاضرة مفتوحة في الجامعات، أو تنفيذ عدد من المسابقات التسويقية في المدارس أو على مسارح المؤسسات التعليمية، أو الصالونات الثقافية، أو المقاهي، وغيرها.

5- أن تلتفتَ الأندية الأدبية إلى الأنشطة المنبرية الجاذبة كالمناظرات العلمية، أو الحوارات المفتوحة.

6- أن تفعّل الأندية الأدبية فكرة المعارض على هامش ملتقياتها النقدية أو الثقافية.

7- أن يحرص النادي على الخروج من عزلة المبنى، لإقامة الأمسيّات الشعرية، أو المعارض التشكيلية، أو المحاضرات الثقافية العامة في المجمّعات التجارية، والحدائق العامة، بمعنى آخر: أن يخرج النادي إلى الجمهور بدلا من انتظارهم في مقرّه الرئيس.

وأخيراً، أتطلع إلى أن تنظّم وكالة الوزارة للشؤون الثقافية حلقة مغلقة عاجلة لمناقشة هذه المشكلة.. قبل أن تتسع بيننا دعوات الموت؛ فتأكلنا وتأكل الأخضر واليابس!!

- خالد الرفاعي @alrafai