Culture Magazine Thursday  23/05/2013 G Issue 407
حوار
الخميس 13 ,رجب 1434   العدد  407
 
ساق البامبو .. احتقار الإنسان واللغة
عمار الطويل

 

تبدأ صحفات رواية ساق البامبو لصاحبها سعود السنعوسي والحائزة على جائزة البوكر لعام 2013، بقصة أسرة كويتية مكونة من الأم غنيمة سيدة البيت وابنها الذكر الوحيد راشد من أسرة الطاروف وثلاث أناث وهن عواطف ونورية وهند. وتبدأ معاناة راشد عندما يتزوج من الفلبينية جوزافين الخادمة في بيت العائلة فيتم طرده من البيت مع زوجته، وعندما تنجب منه طفلا يبدأ الأزراء والتحقير والتنكر من الذات وعدم قبول الطفل ويطرد راشد، ويقرر بعدها أن يتخلى عن زوجته وطفله وتغادر جوزافين الكويت إلى الفلبين مع ابنها عيسى والذي أصبح اسمه هوزيه في الفلبين ويعيش هوزيه مايقارب 18 عاما في وطن أمه، وعندما يرجع إلى أرض والده يعطي له الأوراق الرسمية والجنسية الكويتية، ولكن كل هذا لم يشفع له انتماءه للأرض أو للأسرة»وأنا،أقف على أرض لست أعرفها،باحثا عن أرض تأويني بين بلاد أبي وبلاد أمي» (1). وهو يعيش في ضياع فلا أهل والده يحترمونه بينهم والأرض تبدو تضيق وتخنقه عندما يقسى عليه المجتمع وخاصة أسرته التي لا تريد أحد أن يعرف أن هذا ابنها فهذا ينقص من مكانتهم لدى العوائل الكويتية ولا أحد سوف يتزوج منهم ويصبحوا على لسان كل الناس. والرواية تكشف حال بعض العوائل في الكويت التي لا تقبل للابن أن يتزوج من جنس غير جنسه وخاصة عائلة الطاروف، وتكشف أيضا مدى تعصب العائلة بالعادات والتقاليد والخوف من ألسن الناس والتي تصبح الألسن سلطة تكون كالسوط على رقاب من يخالف المجتمع، فالمجتمع هو الكل، ورضا الناس هو الغاية الكبرى ومخالفتهم يعني كون الإنسان في بعض الحالات منبوذاً فيه. ففي الرواية تتلبور أزمة الإنسان مع ذاته وعدم تخليه عن عادات لا تمت إلى الإنسانية بشيء برغم أننا في القرن الواحد والعشرين واننا ندعي المدنية والرقي وهذه الحالة لست الوحيدة في الكويت بل نجدها في معظم الدول العربية فحيث نتمسك بعاداتنا وتقاليدنا العمياء، وعندما يتخلى عنها الشخص فيكون في حالة الإزراء له أو لأولاده وخاصة من كانت أمه ليست من نفس المجتمع أو غير قبيلية- ويحتقر البعض الآخر في بعض الدول العربية بسبب أمه التي لا تنتسب إلى الأسرة أو القبيلة الفلانية- وعيسى أحد ضحايا المجتمع الذي ينظر إلى هيئته وليس إلى إنسانيته، وبدأ إزدراء عيسى والتقليل من إنسانيته عندما أتى به راشد إلى جدته غنيمة لعلها تلين على عيسى الطفل الذي يحمل اسم زوجها المتوفى ولعل في ملامح عيسى شيئاً من الأسرة أو من رائحة الجد وعند دخول راشد البيت ومعه ابنه الرضيع رفضت غنيمة الطفل بتقزز واستعلاء، وعندما نظرت إلى الطفل، فلا ملامحه تشبه العائلة بل جاء هيئته لأمه الفلبينية فقالت غنيمة لابنها راشد « اخرج الآن، ثم أشارت نحو الصغير: وأياك أن تحضر هذا الشيء إلى هنا!»(2). وهذه اللغة في الرواية وصفة الشيء هي السائدة في المجتمع الكويتي خاصة وبعض الدول العربية عامة، وأصبح عيسى الفلبيني أو الهندي أو البنغالي غير مقبول في المجتمع وينظر إليه بدونية أو إنسانيته ناقصة!. والكاتب سعود السنعوسي يتطلع بأن يكون المجتمع الكويتي راقٍ يعامل الناس معاملة حسنة ولا ينظر إليهم بأنهم أقل منهم في المال أو الملبس وخاصة الخدم أن لا ننظر إليهم بأنهم فقط خدم لا يفهمون شيئاً في الحياة، وكان راشد أبو عيسى من يحمل هذا الفكر النير، ولم يحتقر العاملة الفلبينية جوزافين قبل أن تكون زوجته بل يتحاور معها ويشعرها بأنها إنسانة لها احترامها ومكانتها في البيت حيث تقول جوزافين لابنها عيسى: « تصور مدى جنون والدك! كان يتحدث إلى الخادمة في الأدب والفن وشؤون السياسية في حين لا أحد هناك يتحدث مع الخادمات بغير لغة الأوامر: هاتي .. اغسلي.. امسحي.. جهزي.. أحضري!»(3).

ومن المواقف المحزنة والمضحكة في آن معا عندما يدخل عيسى بيت جدته عائداً من الفلبين كانت التحذيرات من أسرته أن لا يحتك بالخدم ولا يتكلم معهم بكثرة حتى لا يعرف أحد أمره ويعرف الجيران عن عيسى راشد الطاروف ذي الملامح الفلبينية.واختيار الملحق سكنا لعيسى بحد ذاته فيها نقص لإنسانيته وقبول ناقص حيث يقول عيسى لأخته خولة: «فهمت أن قبول جدتي لي كان قبولا منقوصا. ملحق البيت ليس البيت ذاته»(4).

ولم يتوقف الأمر عند الملحق والسكن فيه، بل وجوده أصبح مزعجاً لدى العائلة وخاصة عند أسئلة أم جابر الجارة التي لا يروق لها بالاً إلا لتعرف الشيء الكثير عن الفلبيني الجديد, وعند سؤال أم جابر سيدة البيت غنيمة عن أمر الفلبيني الجديد بدأت العائلة في التفكير بطرد ابنهم من البيت بطريقة غير مباشرة، وكان خروج عيسى بإرادته إلى شقة أصغر في الكويت، وتصغر الكويت في نظره- وهذا السلوك من العائلة هو سلوك سائد في مجتمعات عدة بحيث يتنكر ابن العم لابن عمه بسبب الفوارق الاجتماعية, التي قهرت المجتمعات العربية وتسببت في تأخرها عن سلم الحضارة في القرن الواحد والعشرين. إن ازدراء الإنسان وخاصة عيسى تتبلور بوضوح في الرواية ويقابل هذا الازدراء ازدراء آخر وهو التقليل من شأن اللغة العربية والتي تنافسها اللغة الإنجليزية في بعض الدول العربية وخاصة في الكويت ، وخولة أخت عيسى من الأب هي المثال في الرواية والذي جعل الكاتب بذكاء أن يؤدي رسالة إلى مجتمعه الكويتي أن ازدراء اللغة واحتقارها والتخلي عنها في حياتنا هو فقدان الوطن والهوية، وخولة دائماً في الرواية تتحدث باللغة الإنجليزية مع معارفها وصديقاتها مما جعل عيسى يتساءل ويحذر بطريقة هادئة مستنكرا ما تقوم به أخته لتصل الرسالة» قلت لها حين فرغت من مكالمتها : لماذا تتحدثين بالإنجليزية؟، أجابت على الفور: أحبها، في المحادثة، أكثر من العربية». انتهزت الفرصة لاستعراض معلوماتي: يقول خوسيه ريزال.. إن الذي لا يحب لغته الأم هو أسوأ من سمكة نتنة»(5). وكأن لسان المؤلف أن تقول للقارئ إن من الأشياء المهمة في الحياة وتصل إلى القداسة هو الإنسان واللغة فعندما يحتفى بالإنسان ويُحترم في أي بقعة من الأرض وخاصة بين قومه وأهله فهو رمز للرقي، وثانياً اللغة عندما تهمل في وطنها فهو ضياع وطن وعمل نتن يهدد الكويت والوطن العربي، وهذه الإشارة إلى أهمية اللغة هي إشارة ذكية من سعود السنعوسي وقد كرر تحذيراته بأهمية اللغة العربية على لسان عيسى في أكثر من صفحة في الرواية، لكي لا تحتقر اللغة العربية في الكويت فيقول مثلاً: «كم كنت أشفق على أصدقائي الذين يجبرهم وجودي على التخلي عن لغتهم ليشركوني عالمهم»(6). ويقول أيضا عيسى: «أمسكت بالقلم أواصل الكتابة بالإنكليزية My name is Jose توقفت عن الكتابة مستذكرا كلمات خوسيه ريزال «أن من لا يحب لغته الأم،هو أسوأ سمكة نتنة»، وأنا لا أريد أن أكون أسوأ من سمكة نتنة» (7). فالنتانة لا تكمن التخلي عن اللغة الأم بل أيضا تكمن عندما تسلب إنسانية الإنسان، وهي قمة الانحدار في القيم،وقد تجردت إنسانية عيسى ومن أقرب الناس له وليس لشي إلا بسبب أن أمه فلبينية يقول عيسى: «تبا لدارون ونظريته السخيفة. كيف يكون أصل الإنسان قردا وأنا الذي فقدت إنسانيتي لديكم؟ تخلفت وأصبحت كائنا أدنى، قد ينجب أحفاده قرودا ليثبت للتاريخ نظرية دارون، ولكن، بشكل عكسي!»(8).

إن احتقار الإنسان واللغة في الكويت خاصة والوطن العربي عامة هو ضياع الأمة وأخلاقها، ولهذا أتت رواية ساق البامبو لتكشف مانحن عليه من واقع مؤلم نعيشه بكل كبرياء وغرور، مع هذا ندعي المدنية والتحضر والتقدم، ولكن الواقع مغاير لذلك تماماً.

***

هوامش

1-8 رواية ساق البامبو لسعود السنعوسي صفحات: 224،75،32،229،258،354،388،387(تباعاً).

batawil@gmail.com - جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة