Culture Magazine Thursday  23/05/2013 G Issue 407
مراجعات
الخميس 13 ,رجب 1434   العدد  407
 
استراحة داخل صومعة الفكر
آه من سطوة العمران!
آه من موت العبارة
سعد البواردي

 

عبدالله الزيد

151 صفحة من القطع المتوسط

بين الشعر في أصالته، وبين النثر المعنى في جزالته قاسم مشترك أعظم ما يحمله ذلك الصراع من رؤى وأخيلة.. وصور جميلة قاطعة بدلالاتها مشرقة بمضامينها في كل شعر تقليدي خاو وخال من أدواته بشعر.. النظم انموذج خواتة وفقدان حياته وحتى النثر وحيد وحين يغيب عن ذهنية القارئ.. وتخيب من مكوناته الفتية يتحول إلى مجرد هرطقة كلامية لا مكان ولا مكانة لها في أدبيات الطرح.. وشاعرنا الزيد اخال جمع بين الحسنيين في أصالة شعره.. ومعاهدة نثرية في ديوانه.. وفي عنوانه الذي جمع بين السطوة والهوى بين القوة والضعف المتهالك..

أصطفي من شعره ونثره ما هو خارج الخصوصيات.. هذا ما يعنيني أمره.. ولتكن البداية مع ترتيله المشروع في نسق النداء

قرب الأقصى تتناثر أجساد الصبر الموجوع وتضم القهر

عند الأقصى تهراق دماء النصر

وتحرق أوراق الفأل الموعود

يشيخ النثر وينتحر الشعر

بهذه الآهة جاء صوته مستفزاً للوهن والضعف.. ولاستباقة كل حق وحرية، وهو إنسان يعاني القهر في ظل صوت عالم منكوب بإنسانيته وشرعيته وقوانينه الدولية العوراء، وعلى مشهد صارخ من المفسدين في الأرض، وهم يعبثون بالحرمات والتوسلات يقتلون ويغتالون ويدمون يهجرون ينسفون ويسجنون ويحرقون وييتمون..

> صوت أي يحمل صرخة وجع وشكوى:

أحمل غيظي إلى موعد

أكون به الفاعل السيدا

وأوقد ناري التي انطفأت

وأن لها الآن أن ترقدا

أحرق ذلا دنا فتولى

وفي ساعة العز قد عبروا

واستمطر الله غيث مغيث

يرى المصري من هدير المدى

الكلام يا عزيزي وحده لا يكفي.. ملأت الكون صخبا وضجيجا.. كانت لنا المرادفات والشجب والتنديد.. ولعصابة تل ابيب العدوان والتهويد.. السماء لا تمطر ذهبا.. (وقل اعملوا) هكذا جاءت دعوة السماء.. لا مكانة للقاعدين والخاملين. جميل أن تشعر وأن تصوغ مشاعرك المحمومة شعرا لاهبة غاضبة شريطة أن تنادي حبه كتلك التي صرخت و(وامعتصماه) وجاء ها الجواب الحاسم (صوت2) هذه المرة دون الدموع - وهل يملك المتهور العاجز غير الدموع؟!

سوف أبكي.. نعم هناك دموع

لا تجاري في مقتها لا تضيع

سوف أهمي بثورة الصحب اني

دون صبحي لا يصطفيني الشروع

والربيع الربيع يألف وجهي

كلما همت هام في الربيع

والهوى ينتشي إذ احتد حدي

فوق حدي حالفتني الضلوع

حالفتني طلائع النصر إني

في هزيع الفلاح طاب الهزيع

جميل أن نحلم أن نبني القصور في خيالاتنا أن لا تكون الرمال اساسا لذلك في نهار طلائع النصر اضحية وحلم يكذبها الواقع على الأقل في زمننا المعاش، ما نشهده تفتيت لجسدنا العري وفتن تنسج لتمزيق نسيجه الاجتماعي بين مذهب ومذهب وبين قطر وآخر.. بل وبين شقيق وشقيق وغزة والصفة أكبر دليل وشاهد على ما أعني.

(يا نبت الأحياء) مسودة رثائية تقول كلماتها:

يا ذاهلا أوغلت في ذاته الخاء

والميم تشعله اذ يكسر الماء

والراء تسري سريعا في مفاصله

وقد اقامت على ايقاعها الراء

حاولت أن اجمعها فجاءت (الخمر) إضافة إلى راء زائدة وتاء زائدة.. ادع السر لبطن الشاعر.. يهمني ما بعده:

أقرت بك الخطوات الخضر واندلعت

نار الخبال وانهى فألك الداء

وأصبحت سهرات الانس منزعة

نار الخبال وانهى فألك الراء

مقطوعة رمادية اللون.. والرماد لا يستهويني.. بل أنه يثير في نفسي الكثير من الشجن والوجع.. حتى تلك الحروف التي تسرف باؤها في بلواء بأنها لا استلذها.. ربما غيري يطعمها أكثر..

(صوت) ثالث بدون رقم تسلسل، وقد نثره شاعرنا.. لابد من كلمته والوصول إلى مهمة:

ألا أيها الآدمي الذي قد عصيت

وما شرك النور صوب النجاة ولا أنت

في سيرك للتريب ارعويت إذا كنت قدما

نسيت اباك الذي باع جنات عدن

بوعد تنورته فيه ثم انتهيت

ويذكره بأخيه الرضي وصومعته، وألفة من دعاء وترتيلة من دموع، وقد هدهد هذه في السجود الرجاء وتأهبه اليأس حين الركوع أشعر يا عزيزي أنني بدأت أغرق في بحر الرمز فما أجد بين للنجاة سأكتفي بهذه الكلمات (خاتمة) (عنوان) وليس نهاية:

يا مسرفاء لا يستفيق به الدم

قد ضم مراك السبيل المعتم

كل التأويل التي اسرجتها

قد أطفئت ومداك افق معتم

هيمان تسترق الضياء بومضة

والبرق حولك مرعب لا يرحم

هلا سموت إلى السلام وسجت

خطوات روحك اذ غشاها الموسم؟

فلأنت سيد لحظة أضرمتها

مازالت تسرف في الوقود وتضرم

أي سلام يعنيه شاعرنا الزيد.. سلام سياسة في عالم مسكون بالحرب.. أم سلام حب مسكون بالجحود والجمود؟! أم سلام آخر؟!!

أجرمت في حق المسير ونوره

ولأنت في حق النهاية أحرم

ما بين معترك الخطايا لحظة

تنجيك فيها توبة وتندم

أحياك حي لا يموت وأنت في

عين النعيم مجاهر تستأثم

ثبتت الرؤية سلام توبة وأوبة إلى الله بعد نكران النعمة.. هذا ما يملك استخلاصه من بين ثنايا قصيدته: أخذتنا الرحلة مع شاعرنا إلى أغنية الرحيل كان رحيلنا ممتعا ومشبعا بروح التفاؤل والأمل ولكن إلى حين:

هامت مسراتي

في طلقة الآلي

ورحت اشدو على

ايقاع ذراتي

ليت ايقاعه جاء على وقع أبياته

ذاتي التي ازهرت لم تحتمل ذاتي

من هنا بدأ التحول في مسار الرحلة بعد ابتهالات سمائه وانفعالات رضاه والكون المورق الذي يشكل حياته:

اشتقت لا شك في

وجدي وحسراتي

لا الشوق يشفي ولا

تشفى شكاياتي

والصوت قبل الصدى

أودى بأصواتي

والود إن هام لها

تغنيه أبياتي

اذ لا صبر يحمله على قطع المسافات ولا المسافة تندى بالخطوات ومرغم لا بطل اجتاز الطريق الصعب مستعيرا المدى وجها لمرسلاته، كانت منه وله فرحة لم تتم.. هكذا يلوب الشاعر في متاهات جعل لها هو بالعذوبة ولا هو بالعذاب ومن كانت هذه نهاية مطافه لابد وأن يقطف (البكاء)..

يا جئ المدجدولي في قلبي

يا قلبي المقبول في حبي

طال انتظاري ثم اذا ازفت

نجوى القلوب تغيب عن قلبي

ولأن الانتظار هو مذاقه الحنظل وقد طال به:

حل انتظاري ثم إذ فرجت

تغتالك الصحراء من سربي

الدرب موصوله بلا حلم

من تاهت الاحلام عن دربي

ومع التحية والدرب المقلق لا مفر من الشكوى ومن الدموع الأقدر على التعبير رغم صمتها واحتباس صوتها:

أبكيك لا يبكيك في خلدي

مثل المودة والهوى العذب

أبكيك والمدمع الذي ذرفت

به العيون عن أمسي ينبي

ومن البكاء إلى النشيج.. والبكاء أرحم.. وأخفض صوتاً:

أمست الدنيا كتابا نازفا

برثاء الردح في ردع الرثاء

يستكين الحال في حلق الردى

ويذوب الفأل في حلق الرجا

الحلق هنا تحول إلى غصة غير مستساغة.. وددت لو أنه أبدل «حلق» الأولى بـ»كأس الردى» وحلق الثانية بـ»قبر الرجاء»

فإذ أنت انشطار موجع

وإذا أنت عتيد في البلاء

البلاء يا عزيزي لا شيء عتيد، ولا عنيد أمامه أن القهر الذي تتداعى أمامه كل مفردات المقاومة.. ألا ترى أن «صبور» أنسب؟

أمست الدنيا سياقا مترحا

بشقاء القلب في قلب الشقاء

قصة الحي مداد مثقل

برهاب الموت من قبل الفناء

لا شباب الروح يغتال الأسى

أو كتاب العمر يرتاد البقاء

كل ما في ساحة الحي ارتمى

خبراً يكتب في سفر العفاء

ليته أحل مفردة «العناء» بدلا من العفاء.. أحسبها أنسب..

شاعرنا المتألق رسم لنا بريشته صورة للحالة بنثرة المغني المعبر:

لم أعد أعرف مني

إذ تمثلت يقيني بمصابي

ذلك الفهم الذي كنت أفديه بحالي.. وكتابي

ذلك الوعي الذي كان

يفديه انفعالي.. وصوابي..

أدرك بحسه السبب «الذات ضيقة» والروح ميتة.. فجيعة زمن.. ووجيعة مكان، وحالة كهذه لابد وأن تغيب الأفياء عن صبغة التداعي.. ويتوارى كل ما حوله من دلالات كانت تدله على دربه..

(فاتحة) جديدة لها مذاقها.. وإن جاءت متأخرة في سياق المكان:

ردي كتاب الهوى للأحرف الأولى

واشعلي في مساء الأجد قنديلا

دافاكِ عرف الندى من نار نشوته

فأيقظي من سبات الرسم ازميلا

ألا يرى شاعرنا أن مفردة «قطر الندى» أنسب من عرف الندى؟!

قد جئت صوب ملاذ الروح أقرؤه

فعاد يكتبني وشحا وتشكيلا

القيل مسرجة في فعله لغتي

والفعل يندب في تكوينه قيلا

فلا الزمان إذا هادنته زمني

ولا المكان يداني قامتي طولا

ويمضي بإباء وشموخ يقارع ويصارع زمنه في تحدي

ما كنت أحسبني أوفي إلى أمد

يرتد فيه نجي الشعر مخذولا

واستعيد من الرؤيا عبارتها

فأنثني دون عين الكشف مقتولا

هابيل وجدي أراق النار في سعتي

واسكرت شهوة الفقدان قابيلا

لكنني موئل التجريد مصطلي

لا يستكين ولا يرتد مفعولا

هل أقوله ما قاله أبوالطيب المتنبي

فيله الخصام وأنتَ الخصم والحكم

لا أحد يملك تجريد أحد.. ولا مصادر مصطلحه.. أفق للمعرفة والافصاح عن المكنون متاحة تتسع لكل الخيارات.. أفضلها أبقاها..

«أغنية الخروج» معزوفة حب.. على أوتار قيثارها شعرا شاعرنا عبدالله الزيد:

قضا ودعا نجدا فبي مثل مابه

وفيه الذي يُشقي وفيه الذي أهوى

وفيه الذي إن ضاقت الذات عن دمي

تذلل حتى صار أندى من النجوى

وفيه الذي إن ضجت النار في فمي

تجبّر حتى صار أقسى من الشكوى

وفيه الذي إن غاب عن خاطر المدى

فلا الأرض كل الأرض تهدي لي السلوى

هذا أشبه بالمدخل الذي يسبق التعريف:

أنا. من أنا؟ وجد يزور انفعاله

ويرجع من بعد التجلي إلى المأوى

فحينا أرد الوعي عن حافة الأسى

وحينما يناديني السديم الذي أقوى

ألا ما الذي تمتاره الأرض للغدا

إذا كان هم الأرض بعضا من البلوى

وكان انثيال الحب بعد اشتعاله

يشيِّع قديس التراب إلى المثوى

حري بذامة الأين تزجي مواجعي

وأخلق بذات الحلم تنأى عن الرجوى

شاعرنا في النهاية بات بلا معنى يظل مباهجه.. وصحا على لفظه يسطح ما يردى.. وقد سبر واختبر.. وأدرك أن الغثاء انتصر على الزبد.. والزبد انتصر على الماء الذي يمكث في الأرض..

«أغنية الروح»..

لفجري أجهاش بإنشاء مهجني

يجيش طيب الوعد في ليلة السرى

ولليل توقيع تولا صيّب

من العمر أولاني إلى أنسه عمرا

لأيامي الأولى تفر مواسمي

ولي في نشيح الروح أنشودة سكرى

هكذا بدأ شريط الذكريات.. الحياة المبكرة.. الطفولة وما بعد الطفولة.. مشاهد أخذت تلوح في خاطرة الزيد يحاول استجماعها.. أو استرجاع البعض منها ما أمكن:

إلى دارة في الوشم تهفو مواردي

وانثال مثل الوجه في نشوة البشرى

أجيء كما يأتي الربيع لفصله

وألتم مثل الوجد نوارة الذكرى

وفي ريق الأحباب تندى مواجدي

ويعتادني يومي.. ولا أعرف السرا..

قل غير هذا يا عزيزي.. السر الذي بحت به تعرفه أعز المعرفة.. إنه الانتماء.. والوفاء.. لأهل.. وتاريخ.. وسكن.. رحل ذهبي تمرغت عليه أيام طفولتك.. إن الأزقة التي عبرتها.. والبيوت الطينية الطيبة التي سكنتها.. إنها أنت وجوداً وحياة..

يقولون لا تبعد وهم يسمعونني

ألوِّن انشادي من الساحة الأخرى

كريم على ذاتي حنين أحبتي

سؤال يعيد النثر من هاتفي شعراً

دع هاتفك مفتوحاً.. وقلبك مفتوحاً لأحبتك الذين يشدهم إليك الوصل والتواصل.. إنه بعض الواجب..

ويحتد مثل العشق قبل انتحاره

وينثر ما أبقيه من حاجتي نثرا

فتأتي إلى وسعي خيول استخارتي

وأصحب منها ذلك الخير الأدرى

وبين المد اللذيذ والجزر الذي دون لذة يمضي شاعرنا الشقراوي يراوح مكانه بين حب مدينة وأهل وسكن.. وبين عاصمة هي القلب الصاخبة لهذا الوطن الكبير..

وأطوي فصولا من توشيح رغبتي

وأنسى غداة الشأن من شأنها أمرا

ألا ما الذي أبديه بعد توهجي

سوى زفرة حلت بها لحظة حيرى

فلا أنا إعجاز بميسور أحرفي

وليس الذي أزجيه من أحرفي سحرا

وما أنا إلا ضمة حول مولدي

إذا فتحت كان البكاء بها أحرى

دع الضمة في قمقها دون فتح كي يعادوك بكاء هو وجبة إفطار وغداء.. وعشاء لهذا الزمن.. إنه يكفي.. عزيزي الشاعر المتألق عبدالله الزيد، كنت رفيقا في رحلتنا معك عبر الاستراحة.. وكنت رقيقا ونحن نستعرض في عجالة ديوان شعرك، ونثرك الغني «إه من سطوة الفقدان.. آه من موت العبارة» الآه التي أطلقتها كانت جرعة إحساس لابد منها لأي شاعر أو ناثر يعيش واقعه، ويعايش مواقعه.. النهاية..

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 ـ فاكس 2053338
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5621 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة