Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد
23/11/2013

الشاعر سعود الفرج في ديوانه «أساطير من نار الكلام»: في الديوان لوحات شعرية غاية في الكثافة

يستهل الشاعر الرقيق سعود الفرج في قصائد ديوانه الجديد «أساطير من نار الكلام» ملامح البوح الوجداني المفعم بالوعي والحب والرؤية الحانية التي تمتاح من جُبِّ الحياة العميق ماء الحقيقة الصافي، ليكوِّن لنا الفرج منظومة شعرية غاية الرشاقة، وعالية الكثافة، إضافة إلى وضوح الصورة وبيان الهدف كما في قصيدة الاستهلال «عشق وشراك» حينما رسم لنا حب الأرض في زمن البحث عن هوية وانتماء:

«يشدني وجع الحنين

إلى أعاصير مرت

وأساطير من نار الكلام

وحينما أحاول إغلاق باب ليلي

أشاهدها تختال في مشاتل من نور»

فالشاعر الفرج يدرك في هذا المشهد الشعري أن الشعر لا يزال في غاية مطالبة، وفي أوج حضوره، إلا أنه يحتاج إلى لغة عصرية، وبيان خاص وبناء وصفي يقرب مشهد الولع، ويكشف للقارئ ما يريده من رسالة الشعر، وذلك من خلال هذه الومضات الجمالية المتدفقة.

ترتكز قصائد الديوان أيضا على الفكرة الواضحة حينما يساوق الشاعر كلماته المتقنة جدا في إطار شعري محدد لا إطالة فيه أو إطناب مراعيا في ذلك معالم الفكرة التي يرنو إليها ليبرع - بحق - في اقتفاء حساسية هذا الخطاب الشعري الذي يسجل حضوره أمام القارئ بأدق التفاصيل وبأوضح العبارات التي يراعي فيها المقام والحالة الراهنة لعالم اليوم .. عالم «اللا شعر».. لكن الفرج وبما يمتلكه من تكوين شعري يراهن على أن الكلمة الجميلة ستحقق إنجازاته وأهدافها في الذائقة والوجدان.

تتراسل قصائد الديوان بهذا الهاجس الوجداني الذي يحمل صورا متباينة ورؤى مختلفة حينما يصف حالة الواقع بإشارات وامضة حتى وإن كانت أليمة فإنها تثير في الذات رغبة الإنصات لما يود قوله إذ لا تتعدى بعض القصائد عدة كلمات ولكنها رسالة تحمل مضامين رؤية الشاعر للواقع الذي يعيشه بكل التفاصيل اليومية.

علاقة الشاعر بالبحر تظل سارية في أوصال جل القصائد في هذا الديوان، إذ لم تخلُ أي قصيدة من هذا الحضور الجمالي للبحر حتى وإن كان على هيئة خلفية أو فضاء رحب في عالم القصائد التي استوحاها الفرج من تضاعيف البوح كفكرة يؤسس عليها عالم النص، بل إنه ذهب إلى استحضار الثلج والمطر والنهر إلى جانب البحر كشاهد يوثق عالم الماء في ديوانه على نحو قصيدة ليلة النهر:

«بعدها قُلتِ:

كل شيء مباح

إن استطعت أن

تسكنني..

فشلال نهري

لا يتدفق

إلا حين يذوب الثلج..»

ينشغل الشاعر سعود الفرج في تفاصيل قصائده عن أحزانه في رسم صور مؤثرة حينما يستعيد تفاصيل الحياة من حوله، على نحو تأملات المدن في هذا الزمن وهي تنازع في رمقها الأخير، ليلتقط من بين حطام يأسها للقارئ ومضة للمكان الذي بات يهرم بشكل عجيب، وهو سر يجده الشاعر ويؤكد عليه حينما:

«في زوايا المدينة

التي غشاها التثاؤب

.. شلال العتمة يوحي بنهاية الضياء

بحيرات البجع تشكو من وأد الزمن

وغابات السكر

لا وجود لها في ذاكرة المدينة

المثقلة بحكايات كان وكان..»

يميل الوصف في القصائد إلى أسلوب كشف الواقع ومناجزته، والسعي إلى تذكير القارئ على نحو هامس بأن الحياة ترسم ملامح قاتمة عن المستقبل، وإن قارب الشاعر بين حلمه أو أمله وما حوله من حياة فإنه لا يجد بدا من أن يكاشف القارئ الحقيقة حينما يصور أن كل زمن ولى يحمل بعض البراءات والأمل ولا يعود أبدا.

الخطاب الوجداني في النصوص أو القصائد له مضمون شكلي يعالج الحالة من خلال كشفها والإفصاح عن مكنونها، بل إن المضمون العميق يكتشفه القارئ بعد كل قصيدة حينما يشعر بأن هناك زلزالا معنويا وماديا ما سيقع.. فما أقسى أن تسير حياة المدن إليه بهذه السرعة الرهيبة.

ولكي يوازن الشاعر في عاطفته ويلجم جواد حزنه الثائر فإنه يتلمس للقارئ بعض القصائد على نحو قصيدته «الحلم السعيد» حينما يشعر أن الحلم في ثنايا المنام قد يخفف وطأة الحياة من حوله فلا بد للشاعر من أن يورق في محاسن أحلامه عله يخفف عن القلب بعض عنائه.

ديوان الشاعر الفرج كتب بلغتين عربية وإنجليزية سعيا منه إلا مد جسور التواصل مع القراءة العامة والفضاء المفتوح على احتمالات كثيرة، فكان الشاعر مدركا أهمية هذا الاختيار الدقيق للقصائد لاسيما في مجال لغة الكتابة الوامضة، والصور المقتضبة والأسلوب الشعري الواضح، ليسهم قدر الإمكان في إيصال رسالة الشعر إلى أكبر عدد ممكن من القراء وهذا ما يحسب له ويقدر.

** ** **

إشارة:

- أساطير من نار الكلام (شعر)

- سعود عبدالكريم الفرج

- الدار العربية للعلوم (ناشرون) ودار أطياف للنشر والتوزيع

- الطبعة الأولى 2013م في (88 صفحة) من الحجم الصغير

- صورة الغلاف لخلود آل سالم ـ إخراج زكي سعيد الفرج