Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد
23/11/2013

لماذا (الكبرى والصغرى)

من الأحكام التي استقرت في نحو العربية أن اسم التفضيل له حالتان، أن يكون مجردًا من (أل) أو محلّى بها، فإن كان مجردًا وجب إفراده وتذكيره باطراد، وإن حلّي بأداة التعريف تصرّف جنسًا وعددًا فكان منه المذكر والمؤنث والمثنى والجمع، وهذا ما فهم من كلام سيبويه؛ فالطولى والوسطى والكبرى «لا يكنّ صفة إلا وفيهنّ ألف ولام فتوصف بهن المعرفة»(1)، قال السيرافي «تقول: مررت بالرجل الأفضل، وبالمرأة الفضلى، وبالرجلين الأفضلَين، والمرأتين الفضليَين والرجال الأفضلِين والأفاضل، والنسوة الفضليات والفُضَّل»(2)؛ ولذلك قال المبرد «ولا يجوز جاءتني امرأة صغرى ولا كبرى، إلا أن يقول: الصغرى أو الكبرى»(3)، وهذا ما جعل الحريري ينكر على من استعملهما عاطلين من (أل)، قال «ويقولون: هذه كبرى وتلك صغرى، فيستعملونهما نكرتين، وهما من قبيل ما لم تنكّره العرب بحال، ولا نطقت به إلا معرفًا حيثما وقعا في الكلام، والصواب أن يقال فيهما: هذه الكبرى وتلك الصغرى، أو هذه كبرى اللآلئ وتلك صغرى الجواري كما ورد في الأثر: إذا اجتمعت الحرمتان طرحت الصغرى للكبرى أي إذا اجتمع أمران في أحدهما مصلحة تخص وفي الآخر مصلحة تعم، قدم الذي تعم مصلحته على الذي تخص منفعته»(4) وقال «وقد عيب على أبي نواس قوله:

كأن كبرى وصغرى من فواقعها

حصباء در على أرض من الذهب

ومن تأول له فيه قال: جعل (من) في البيت زائدة»(5)، ويمكن عندي أن يكون بحذف المضاف إليه، أي: كأن كبرى فواقع وصغرى فواقع من فواقعها، وهو قريب من قول السفندري(6). وأما ابن مالك فصحح قول أبي نواس، قال: «وعلى هذا يكون قول ابن هانئ: كأن صُغرى وكُبرى

صحيحًا؛ لأنه لم يؤنث أصغر وأكبر المقصود بهما التفضيل، وإنما أنث أصغر بمعنى صغير، وأكبر بمعنى كبير»(7). وذكر أبو حيان أنّ ثَمَّ من يعدّه قياسًا، قال «بل الذي ينقاس، على رأيٍ، أنك إذا أزلت منها معنى التفضيل، صارت بمعنى كبيرة وصغيرة وجليلة وفاضلة. كما أنك إذا أزلت من مذكرها معنى التفضيل، كان أكبر بمعنى كبير، وأفضل بمعنى فاضل، وأطول بمعنى طويل»(8).

وقد استعمل ابن هشام (كبرى وصغرى) مجردتين في قوله «وقد تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين نحو زيد أبوه غلامه منطلق فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير وغلامه منطلق صغرى لا غير لأنها خبر وأبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق وصغرى باعتبار جملة الكلام»(9) ولكن نبه الدماميني في حاشيته على المغني فقال: «إنما قلت (صغرى) و(كبرى) موافقة لهم، وإنما الوجه استعمال (فُعلى أفعل) بـ(أل) أو بالإضافة»(10). وكذا فعل خالد الأزهري قال «(ثم تنقسم) الجملة ثانيًا (إلى) الجملة (الصغرى والكبرى) ... فإن قلت لم قلت الصغرى والكبرى بالتعريف بأل ولم تقل صغرى وكبرى بالتنكير قلت لم قلت لأنهما من باب اسم التفضيل واسم التفضيل إذا تجرد من (أل) والإضافة يجب أن يكون مفردًا مذكرًا دائمًا وإذا اقترن بـ(أل) يجب مطابقته لموصوفه»(11).

ومن هنا ندرك أنّ اسم التفضيل لا يكون على بناء (فُعلى) مجردًا من (أل)؛ لأنّ اسم التفضيل المجرد منها لا يكون إلا على بناء (أفعل)، فعلينا أن نقول (الفُعْلى) فإذا حذفنا (أل) وجب الرجوع إلى (أفعل من...).

** ** **

(1) سيبويه، الكتاب، 3: 224.

(2) أبو سعيد السيرافي، شرح كتاب سيبويه، تحقيق: أحمد مهدلي وعلي سيد علي (ط1، دار الكتب العلمية/ بيروت، 2008م) 3: 491.

(3) المبرد، المقتضب، 3: 377.

(4) الحريري، درة الغواص في أوهام الخواصّ، 206.

(5) الحريري، درة الغواص في أوهام الخواصّ، 209.

(6) الشمني، المنصف من الكلام على مغني ابن هشام، مطبعة محمد أفندي مصطفى، 2: 118.

(7) ابن مالك، شرح التسهيل، 3: 61.

(8) أبوحيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط، تحقيق:عادل أحمد عبدالموجود وجماعة (دار الكتب العلمية/ بيروت، 1993م،1: 453.

(9) ابن هشام، مغني اللبيب، 5: 29.

(10) الدماميني، شرح الدماميني على مغني اللبيب، تحق:أحمد عزو عناية (ط1،مؤسسة التاريخ العربي/بيروت، 2007م،2: 285.

(11) خالد الأزهري، شرح الأزهرية (مطبعة بولاق/ القاهرة،د.ت.)، ص52.

- الرياض