Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد

عن حقوق ميراندا:

«من حقك التزام الصمت»!

ترجمة وتعليق - حمد العيسى:

نشرت في هذه الصفحة قبل سنتين بحثا موجزا عن قضية «رو ضد ويد» التي أباحت بموجبها المحكمة العليا الأمريكية الإجهاض بشروط، وذكرت أن ذلك الحكم يعتبر أهم حكم/قرار في تاريخ المحكمة العليا الأمريكية. واليوم ننشر بحثاً موجزاً عما تعتبره «موسوعة وست للقانون الأمريكي» ثاني أهم حكم/قرار في تاريخ المحكمة العليا الأمريكية، ألا وهو الحكم في قضية «ميراندا ضد أريزونا» والذي غَيَّر إلى الأبد أساليب الاستجواب التي تمارسها أجهزة الأمن الأمريكية. وهو الحكم التي يعرف نتيجته، من دون أن يعرف خلفيته ، تقريباً كل من شاهد فيلماً بوليسياً أمريكياً حيث سيلاحظ أن الشرطي أو الشرطية يقول للمشتبه به (بها) عبارات متتالية تبدأ بالعبارة الشهيرة:

من حقك التزام الصمت

You Have The Right To Remain Silent

حكاية إرنستو ميراندا

في 13 مارس 1963، ألقت شرطة فينيكس (عاصمة ولاية أريزونا الأمريكية) القبض على إرنستو أرتورو ميراندا (22 عاماً) بتهمة اختطاف واغتصاب فتاة عمرها 18 عاماً قبل عشرة أيام.

وبعد ساعتين فقط من الاستجواب من قبل ضباط الشرطة، وبعدما تعرفت عليه الضحية في طابور المشتبه بهم، وقع ميراندا اعترافاً بتهمة الاغتصاب على نموذج حكومي مطبوع أعلاه «أقسم هاهنا بأنني أدلي بهذا البيان باختياري وإرادتي الحرة من دون تهديد أو إكراه، أو وعود بالحصانة، ومع معرفة كاملة لحقوقي القانونية، ومع فهم أن أي أقوال أدلي بها يمكن استخدامها ضدي». وهكذا حصلت الشرطة – بسهولة وكالمعتاد - على اعتراف بجريمة خطيرة من ميراندا، ولكن الشرطة لم تبلغه عن الحقائق والحقوق الثلاثة التالية:

(1) حقه في التزام الصمت.

(2) حقه في الاستعانة بمحام قبل وأثناء الاستجواب.

(3) حقه أن يعلم أن تصريحاته أثناء التحقيق يمكن أن تستخدم ضده في المحكمة كما هو مكتوب في النموذج الذي طلب منه كتابة الاعترافات فيه بخط يده والتوقيع عليها.

وأثناء المحاكمة، عرضت النيابة اعترافات ميراندا الخطية كدليل، ولكن اعترض محاميه الذي عينته المحكمة، ألفين مور (73 عاماً)، أنه بسبب تلك الحقائق الثلاث السالفة، فإن اعتراف ميراندا لا يعتبر «اختيارياً» Voluntary بالفعل كما يتطلب القانون، وينبغي استبعاده كدليل. ولكن ألغى ورفض القاضي (Overruled) اعتراض مور، وأدين ميراندا (بناء على تلك الاعترافات وغيرها من الأدلة) بالاختطاف والاغتصاب وحكم عليه بالسجن لعشرين عاماً. واستأنف مور الحكم لدى محكمة أريزونا العليا بدعوى أن اعتراف ميراندا لم يكن اختيارياً تماماً وكان لا ينبغي السماح بتداوله في المحكمة. ولكن مور خسر الاستئناف عندما أيدت محكمة أريزونا العليا قرار قاضي المحكمة الابتدائية بقبول ذلك الاعتراف في قضية «أريزونا ضد ميراندا»، وكان ذلك عام 1965!

ولكن ميراندا قرر اللجوء للمحكمة العليا الأمريكية في واشنطن، دي. سي. ونظراً إلى فقره ومرض محاميه مور، طلب مساعدة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU)، وهو مؤسسة مجتمع مدني تناصر المواطنين الأمريكيين الذين تنتهك حقوقهم وحرياتهم المدنية التي كفلها الدستور. وبالفعل وكل الاتحاد ثلاثة محامين متطوعين لمساعدة ميراندا مجاناً ليرفع قضية أمام المحكمة العليا في العاصمة واشنطن التي قبلت النظر في القضية التي سميت هذه المرة بعكس القضية الأم: «ميراندا ضد أريزونا» إلى جانب ثلاث حالات مماثلة تم دمجها مع قضية ميراندا.

وتم الترافع في القضية من 28 فبراير حتى 1 مارس 1966، ومن ثم تم التصويت في 13 يونيو 1966، وكانت النتيجة انقساماً حاداً بين القضاة التسعة: 5 قضاة مع ميراندا مقابل 4 قضاة ضده. وهكذا قررت أغلبية المحكمة العليا أن حقوق ميراندا التي يكفلها التعديلان الخامس والسادس للدستور قد انتهكت من قبل ولاية أريزونا أثناء اعتقاله ومحاكمته عن الجريمة التي اتهم فيها.

وتم التعارف على ما ورد من حقوق للمشتبه به أثناء الاستجواب من قبل الشرطة في حكم المحكمة العليا في هذه القضية باسم حقوق ميراندا(Miranda Rights) أو إنذار ميراندا (Miranda Warning). ويستند ذلك الحكم قانونياً إلى انتهاك حقوق المواطن الأمريكي إرنستو ميراندا التي يكفلها الدستور بموجب التعديلين الخامس والسادس اللذين يمنحان الشخص الواقع تحت الاستجواب الأمني الحقوق الدستورية التالية:

- التعديل الخامس للدستور يمنح المواطن «حق عدم إدانة النفس» (الذات).

- التعديل السادس للدستور يمنح المواطن «حق الاستعانة بمحام قبل وأثناء الاستجواب».

إلا أن حكم المحكمة العليا لم يضع نصاً محدداً لإبلاغ المشتبه فيه/ فيها بحقوق أو إنذار ميراندا. ولكن احتوى نص الحكم على مبادئ عامة تم استخراج الحقوق منها.

ونتيجة لذلك، دخل مصطلح ميراندايز (Mirandize) أي (قراءة حقوق ميراندا للمشتبه به أو المحتجز) إلى قواميس اللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع بدء ممارسة تلك الحقوق، أصبح لكل ولاية أنظمتها الخاصة التي تحدد ما يجب أن يقال للمحتجز، ولكن الصياغة المعتادة لا تزيد عن العبارات التحذيرية الست التالية ولكن غالبا يتم الاكتفاء بالعبارات الأربع الأولى. ومن الجدير بالذكر أن «حقوق ميراندا» لا يجب أن تقرأ في أي ترتيب معين، وليس من الواجب أن تكون الكلمات نفسها التي في وردت في حيثيات الحكم طالما أن المعاني نفسها يتم توصيلها:

(1) من حقك التزام الصمت عندما تُسأل.

(2) أي شيء تقوله أو تفعله «يمكن» أن يستخدم ضدك في المحكمة. (وأحياناً تستبدل «يمكن» بـ «قد»)

(3) من حقك استشارة محام قبل التحدث إلى الشرطة وأن يحضر أثناء استجوابك الآن أو مستقبلاً.

(4) إذا كنت لا تستطيع تحمل نفقات محام، سيتم توفير واحد لك مجاناً قبل أي استجواب، إذا رغبت في ذلك.

(5) إذا قررت الرد عن أي أسئلة الآن، من دون حضور محام، سيكون من حقك التوقف عن الرد في أي وقت لاحق حتى تتحدث إلى محام.

(6) بعد معرفة وفهم حقوقك كما شرحتها لك، هل أنت على استعداد للإجابة عن أسئلتي بدون حضور محام؟

وقد حكمت محاكم داخل الولايات كافة، بأن التحذير يجب أن يكون «مفهوماً»، لذلك جرت العادة أحياناً أن يُسأل المشتبه به إذا كان يفهم حقوقه بعد إلقائها عليه خاصة إذا كان من أصل غير أمريكي. ولذلك يصبح من اللازم أحياناً طلب إجابات حاسمة بـ «نعم» من المشتبه به لتأكيد الفهم بعد كل عبارة. وأيضاً بسبب مستويات التعليم المختلفة، ووجود مهاجرين قد لا يتقنون الإنكليزية، يجب أحياناً على الضباط التأكد أن المشتبه به «يستوعب» ما يقال له. وقد يكون من الضروري في حالات نادرة أن «تترجم» حقوق ميراندا ليفهمها المشتبه به. وقضت المحاكم بأن هذا الإجراء مقبول طالما يتم تسجيل وتوثيق «الترجمة» إما على الورق أو على شريط.

قبل قرار المحكمة العليا في قضية «ميراندا ضد أريزونا»، كان القانون الذي يحكم عملية الاستجواب للمشتبه فيهم جنائياً يختلف من ولاية إلى أخرى. وفي كثير من الولايات كانت الأقوال التي يدلي بها المشتبه بهم تحت استجواب الشرطة مقبولة في المحكمة، حتى لو كان هؤلاء المشتبه بهم لم يُبلّغوا بحقوقهم القانونية. ولكن الآن نظرا لأن قرار المحكمة كان يعتمد قانونياً على انتهاك حقوق المواطن الأمريكي إرنستو ميراندا التي يكفلها الدستور بموجب التعديلين الخامس والسادس كما أسلفنا، أصبحت «حقوق ميراندا» تعتبر بالمثل حقوقا دستورية.

وكما ذكرنا آنفا فقد كانت نتيجة التصويت في المحكمة العليا الأمريكية 5 لصالح ميراندا مقابل 4 ضده ما يعني وجود معارضة قوية للقرار. ووجهت انتقادات شعبية على نطاق واسع لقرار ميراندا عندما صدر، حيث شعر معظم الناس أنه ليس من العدل إبلاغ المشتبه فيهم بحقوقهم، على النحو المبين في هذا القرار. وندد ريتشارد نيكسون، نائب رئيس أمريكا السابق (في ذلك الوقت)، وغيره من المحافظين بحكم «ميراندا ضد أريزونا»، زاعمين بأنه سيقوض كفاءة وفعالية الشرطة، وجادلوا بأن الحكم سيساهم في زيادة في الجريمة. ولكن حاليا لا يجرؤ أي مرشح لأي منصب سياسي في الولايات المتحدة على انتقاد «حقوق ميراندا» أو حتى المطالبة بإعادة النظر فيها لأنها أصبحت حقا دستوريا مكتسبا لكل مواطن ولم يثبت أنها أدت إلى زيادة معدلات الجريمة.

وكان من الواضح أن خط الصدع في التصويت سياسي حيث كان المؤيدون من أصحاب التوجه اليساري والليبرالي (يؤيدون الحزب الديمقراطي عادة)، والمعارضون كانوا من المحافظين سياسياً (يؤيدون الحزب الجمهوري ومن المحافظين على صلاة الأحد في الكنيسة عادة). وكتب «رأي الأغلبية»، أي «حكم المحكمة» رئيس المحكمة وكبير القضاة إيرل وارن (ومن المفارقة أنه جمهوري) وعارض حكم المحكمة القضاة كلارك، هارلان، ستيوارت، ووايت. وكتب رأيهم القاضي المعارض هارلان حيث جادل أن «الأغلبية في المحكمة بالغت في وصف شرور أسلوب استجواب الشرطة العادي». وأضاف هارلان أن «المجتمع دفع دائماً ثمناً باهظاً للقانون والنظام، والاستجواب السلمي المعتاد لا يعتبر من الأمور الحالكة في القانون».

وجادل القاضي وايت في مذكرة احتجاج غاضبة خاصة به أن «الغالبية قد تجاوزت الحد المعقول في فرض مثل هذه الشروط الإجرائية على أجهزة الأمن». وتوقع وايت أن «الإجراءات الجديدة من شأنها أن تمنع الإفراج المبكر عن الأبرياء حقاً لأنها لا تشجع المحتجزين على عمل تصريحات من شأنها أن تفسر الحالة والملابسات بسرعة». وبحسب وايت، فإن تلك الإجراءات كانت «محسوبة من الليبراليين بتعمد لمنع الاستجوابات، وتقليل الاعترافات والإقرار بالذنب وزيادة عدد المحاكمات» . وأضاف وايت بحسم «ليس لدي أي رغبة على الإطلاق لتحمل المسؤولية تاريخياً عن أي تأثير من هذا القبيل على عملية الاستجواب الجنائي الحالية». وأضاف وايت: «في عدد من الحالات، سوف يؤدي هذا الحكم لإرجاع قاتل، أو مغتصب أو أي مجرم مرة أخرى إلى الشوارع والبيئة التي أنتجته، وقد يكرر جريمته. ونتيجة لذلك، لن يكون هناك مكسب، لكن خسارة للكرامة الإنسانية».

مفارقة نهاية ميراندا

عندما أصدرت المحكمة العليا قرارها التاريخي لصالح إرنستو ميراندا في عام 1966، نقض حكم ولاية أريزونا السابق ضده. ثم قامت النيابة العامة في أريزونا في وقت لاحق بإعادة محاكمته في القضية نفسها، وذلك باستخدام أدلة أخرى بخلاف اعترافه، وأدين ميراندا مرة أخرى. مكث ميراندا 11 عاماً في السجن، وحصل على إطلاق سراح مشروط (Parole) في عام 1972. ولكن ميراندا وهو في سن الـ 34، طعن وقتل في معركة داخل بار عام 1976. وألقي القبض على القاتل، ولكن القاتل مارس حقه في «التزام الصمت» وطلب «توفير محام» قبل استجوابه بحسب «حقوق ميراندا»!!!

حقوق ميراندا بعد 11 سبتمبر

بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، الإرهابية، بدأ نقاش فكري وقانوني في الصحافة الأمريكية حول أحقية المشتبه بهم في عمليات إرهابية في الحصول على حقوق ميراندا ويميل الرأي الغالب إلى عدم منح هؤلاء تلك الحقوق رغم أن قرار المحكمة العليا يشمل أي مشتبه به أو محتجز داخل أمريكا. ويُعتقد على نطاق واسع أن عملاء الـ «إف بي آي» والـ «سي آي إيه» لا يعملون بتلك الحقوق مع أولئك الأفراد.

وختاما نقول: أيها العرب هذه حقوق ميراندا ، فما هي حقوقكم؟!

انتهى البحث

ملاحظة: استعنا بـ«موسوعة وست للقانون الأمريكي»، وكتاب غاري ستيوارت، «ميراندا: قصة حق التزام الصمت في أمريكا» (قسم النشر بجامعة أريزونا، ، 2004 ، 212 ص).

- المغرب Hamad.aleisa@gmail.com