Culture Magazine Thursday  25/04/2013 G Issue 404
فضاءات
الخميس 15 ,جمادى الآخر 1434   العدد  404
 
مداخلات لغوية
لسان آدم(1)*
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

هذا كتاب ألفه عبدالفتاح كيليطو، وترجمة عبدالكبير الشرقاوي، نشرته دار توبقال في الدار البيضاء (ط2، 2001م)، وهو مقسم قسمين: الأول لسان آدم، وبه سمي الكتاب، والقسم الآخر ترحيل ابن رشد، وهو عنوان أول موضوعات هذا القسم، وأما موضوعات القسم الأول فهي (ثغثغات، بلبلات، جنة عدن بابلية، أقدم قصيدة في الدنيا، شاعر أم نبيّ؟ آدم أو النسيان، مصير قصيدة، ملحق)، وأما موضوعات القسم الثاني فهي (ترحيل ابن رشد، أسباب السفر، العرب والكتاب، انتقام الصورة، الكتاب السحري، امرأة في الحلم، Cide Hamede Benengeli، الجنون الحكيم، الكتاب ونقيضه، الكتاب الغريق). وهذا الكتاب مكتوب في أصله باللغة الفرنسية؛ فهو موجه لقراء الفرنسية، وهو معتمد على جملة من الأقاويل المطّرحة المتروكة لأنها لا أصل لها، وقد تكون قيلت للتسلية أو إثارة العجب، وهكذا كان حديث خرافة، احتفل المؤلف بهذه الخرافات لينظم منها عقدًا زائفًا أو يرسم لوحة فسيفسائية تسر بعض الناظرين؛ ولكنها عند القرب منها كالسراب، ففي الثغثغات(1) يتساءل عن لسان آدم، واختار اللسان ليس لأنه الاسم المطلق على اللغة كما في القرآن بل لأنه لفظ يحقق له دلالة مشتركة وهي اللغة واللسان الجارحة المتذوقة، ثم ينطلق بذلك إلى ثنائية (المعرفة والعَرْف) في الشجرة التي نهي آدم وحواء عنها ولكن آدم يتذوق عَرف الثمرة من شجرة المعرفة، ويتعمد استعمال العرف لما بين المعرفة والعرف من مشترك في الجذور (ع/ر/ف) وإن كان العرف يشم لا يتذوق إلا على نحو من المجاز، ويمعن في الثنائية حين يشير إلى أن المعرفة تمييز بين الخير والشر، والتمييز شقّ، فيربط هذا بلسان الحية المشقوق، ولا ينسى أن ينقل عن الجاحظ وصفه لسانها، ذاكرًا أنها تخرج لسانها لما يهاجمها الإنسان وكأنها تذكره بما حدث في الجنة، ويسوق المؤلف جملة من النقول المختلفة منها قصة حي بن يقظان، ليرى فيها تلميحًا لخروج آدم من الجنة، ومن الغريب أنه لم يقف عند دلالة الاسم الدال على الحياة واليقظة، فالحياة مشتركة بين الإنسان والحيوان، واليقظة معرفة للإنسان هدته إلى معرفة خالقه، ومهما يكن من الأمر فهو يجمع ببراعة أشتاتًا غير مجتمعات، قد تعجب الناظر فيستطرفها؛ ولكنها أبعد شيء عن عقله.

وأما في (بلبلات)(2)فيتعرض لاختلاف لغات البشر فيطرح جملة من الأسئلة عن اللسان الأول وسبب اختلاف لسان آدم عن غيره، وتفسير تعدد الألسنة ومتى بدأ ذلك، ويبنى الكلام على زعم أنّ اللسان واحد «كان ذلك لما كانت الأرض بأجمعها تتكلّم لسانًا واحدًا، وتحديدًا قبل بابل»، وأما بابل فبني فيها برج رأى أنه محاولة بشرية للتحول إلى آلهة، وينقل من الكتاب المقدس ما يدل على نزول الرب ليرى البرج وليعاقب بني آدم ببلبلة لغتهم حتى لا يفهم بعضهم بعضًا، ثم يقرن بين خطأ بناء البرج وخطأ تذوق ثمرة شجرة المعرفة، إذ تفرق الناس واختلفت ألسنتهم، ثم نجده يمضي في ذكر آيات قرآنية يستخلص منها أن هذا الاختلاف ليس عقابًا للبشر بل هو شرط للمعرفة، وينتهي الكلام في (البلبلات) من غير إجابة شافية لما قدم من أسئلة، وأنى تجاب تلك الأسئلة في غياب تاريخ البشرية الطويل؛ فعمر اللغات أبعد من أن يعرف أصله ومنشؤه؛ ولذلك أُخرج درسُ أصل اللغة من علم اللغة. ولكن المؤلف يعالج هذا في (جنة عدن بابلية) فيذكر تساوي اللغات في نظر الله؛ ولكن حركة الشعوبية جعلت العرب يستغلون نزول القرآن بالعربية ليزعموا تفوق لغتهم وأنها لغة أهل الجنة، على أنه ينطلق من قول لابن جني إلى أن آدم وولده يعرفون جميع الألسنة، ويزعم أنّ البشر لما تفرقوا استقل كل فريق بلسان، ثم يعرض لنشأة اللغة من حيث التوقيف وينقل أقوال من يذهبون إلى ذلك كابن حزم الذي لا يجزم باللغة الأصلية، ويرى فجاجة دعوى من قال إنها لغة أهل الجنة محتجين بنقل الله خطاب أهل الجنة بالعربية؛ إذ ليست هذه بحجة؛ لأن الله نقل خطاب أهل النار بالعربية أيضًا، ومهما يجد القارئ في هذه الكتابات من سياق ممتع فإنه لن يجده في قياس مقنع.

* * *

(*) مهداة إلى ابني أوس لما اقترح قراءة الكتاب وتقديمه للقارئ.

(1) جاء في تهذيب اللغة «الثغْثَغَة: الكلام الذي لا نظامَ به».

(2) جاء في لسان العرب «والبَلْبَلَة: اخْتِلَاطُ الأَلسنة. التَّهْذِيبُ: البَلْبَلَة بَلْبلة الأَلسن».

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7987 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة