Culture Magazine Thursday  25/04/2013 G Issue 404
ترجمات
الخميس 15 ,جمادى الآخر 1434   العدد  404
 
الصحفي الخبير بالإرهاب ستيف كول يحلل فيلم «اغتيال ابن لادن» 2 -3
فيلم «زيرو دارك ثيرتي» مُقلق ومُضلل لأنه يتغاضى عن التعذيب الرسمي للمعتقلين
د. حمد العيسى

 

ولكن مايكل هايدن وهو آخر مدير لـ «سي آي إية» في إدارة دبليو بوش قال في العام الماضي إن المعلومات المستقاة من المعتقلين الذين استعمل معهم بعض أشكال «تقنيات الاستجواب المطورة» كانت «حاسمة» في عملية البحث عن ابن لادن (لا حظ أن ما يسمى بـ «تقنيات الاستجواب المطورة» يعني «التعذيب» بلغة «سي آي إيه» المرعبة). الرواية الموثقة المنشورة الأكثر شمولا واستقلالا عن مطاردة بن لادن كتبها الصحفي بيتر بيرغن في كتابه المطاردة Manhunt تدعم غالبا وجهة نظر السيناتور فاينشتاين، ولكن مسؤولي وكالة المخابرات المركزية وغيرها الذين قابلهم بيرغن أكدوا أن بعض المعتقلين من تنظيم القاعدة الذين تعرضوا للتعذيب قدموا معلومات ذات صلة ومهمة.

أسهل سؤال يمكن أن نفكر فيه هو كيف يصف «زيرو دارك ثيرتي» في الواقع الدور الذي لعبه التعذيب في تحديد مكان ابن لادن. وأفضل ما هو معروف كان اكتشاف «سي آي إية» الحاسم لمرسول البريد التابع لبن لادن ، الذي كان يعرف في تنظيم القاعدة باسمه الحركي أبو أحمد الكويتي. ثم تتبع «سي آي إيه» له بنجاح حتى أبوت آباد. ساهمت معلومات من العديد من المعتقلين ومصادر أخرى في تأكيد هوية مرسول البريد هذا وأهميته. في نهاية المطاف، في الفيلم، تقول مايا لأحد المعتقلين إن عشرين مصدرا ساهمت في كشف دور أبو أحمد الكويتي.

لا يمكن أن يكون هناك خطأ حول ما يكشفه «زيرو دارك ثيرتي»: التعذيب يلعب دورا أكبر مما ينبغي في نجاح مايا. أول معتقل تساهم في التحقيق معه هو عمار. وقد تعرض للتعذيب كثيرا في سلسلة مشاهد في افتتاح الفيلم ومباشرة بعد أن نسمع أصوات ضحايا مركز التجارة العالمي. وجه عمار يتورم، ومن ثم نراه معلقا بحبال، ويعذب بأسلوب «الإيهام بالغرق»، ويتعرض للإذلال الجنسي، والحرمان من النوم بواسطة موسيقى صاخبة، ويحشر جسمه عنوة في صندوق خشبي صغير. وخلال محنته، لا يعطي عمار في البداية معلومات ذات موثوقية. ولكن بعد أن يتم إخضاعه وخداعه بجعله يفكر بأنه كان متعاونا أثناء هذيانه خلال التعذيب ، يعطي معلومات مخابراتية سرية وحيوية عن هوية مرسول البريد أثناء تناوله وجبة مريحة مع المحققين مايا ودان.

قد يعتبر بعض المشاهدين اعتراف عمار النهائي في خضم كرم الضيافة كمثال بأن التعذيب لا يعمل، أو يعمل بشكل جزئي فقط. في الواقع، هذا التسلسل لأحداث الاستجواب في الفيلم يصور بدقة كيف تم بناء نظام استجواب «سي آي أيه» القسري لكسر السجناء، وفقا لخوسيه رودريغيز جونيور، وهو قيادي سابق في خدمة «سي آي أيه» السرية، الذي وصف ودافع عن نظام استجواب في كتاب سيرة ذاتيه، («إجراءات صعبة: كيف أنقذت تدابير سي آي أيه العنيفة بعد 11 سبتمبر حياة كثير من الأمريكان»). يشير رودريغيز أنه إذا رفض أحد المعتقلين في البداية التعاون، عندها يتم تطبيق «تقنيات الاستجواب المطورة» في تسلسل تصاعدي حتى يصل السجين ما يسميه رودريغيز «مرحلة الطاعة». وعندما يصبح المعتقل «مطيعا ومتعاونا»، تتوقف أساليب الاستجواب العنيفة وعندها قد يطعم ويدلل لكل معلومة لم يقدمها سابقا.

ثم نرى في وقت لاحق مايا وهي تشاهد استجوابات مسجلة على شريط فيديو لنصف دزينة من السجناء الآخرين الذين يقدمون معلومات عن الكويتي. وليس من الواضح في الفيلم ما إذا كان هؤلاء المعتقلين في عهدة «سي آي أيه» أو في عهدة حكومات عربية صديقة أو غيرها لأننا نشاهد أشرطة الفيديو من خلف كتف مايا. الصور مظلمة ومرعبة. العديد من السجناء يبدون وكأنهم يخضعون لعملية تعذيب أو قد عذبوا للتو ليعترفوا بهوية الكويتي.

وفي وقت لاحق، تجري مايا استجوابين إضافيين مباشرة بنفسها. في الأول، يوافق المعتقل على التعاون معها بعد أن يصرخ «أوقفي التعذيب». الاستجواب الثاني مع أبو فرج الليبي، وهو زعيم عمليات في القاعدة. نشاهد الليبي يتعرض لعملية الإيهام بالغرق والإيذاء البدني. الليبي ينفي معرفته عن حامل بريد ابن لادن، ولكن في ذلك الوقت ، كان لدى مايا مصادر أخرى كثيرة عن أهمية حامل البريد لدرجة أنها تأخذ نفيه كدليل على أن حامل البريد هو بالفعل شخصية حقيقية بل محورية ولها قدر كبير من الأهمية بحيث أن الليبي سيتحمل التعذيب لحماية هويته.

تقريبا في كل حالة تستخرج مايا أدلة مهمة من السجناء في الفيلم يكون ذلك بسبب عامل التعذيب. ولذلك يمكن الجدل بأن درجة تركيز الفيلم على أهمية التعذيب يذهب إلى أبعد مما جادل حتى أكثر المدافعين المتعصبين لضرورة استعمال «تقنيات الاستجواب المطورة» مثل رودريجيز في مذكراته. موقف رودريجيز في مذكراته هو أن: استخدام «تقنيات الاستجواب المطورة» كان لا غنى عنها في البحث عن ابن لادن فقط ، وليس لتكون الوسيلة السائدة لجمع أدلة عامة.

وبمثل القلق الذي يسببه تصوير «زيرو دارك ثيرتي» لدور التعذيب في مطاردة ابن لادن هناك قلق ناتج مما لا يصوره الفيلم حول نفس الأمر. السجل الذي لدينا عن برنامج «سي آي إيه» للاستجواب قد يكون ضئيلا، ولكنه يروي قصة أكمل من الفيلم. على سبيل المثال، في بعض «المواقع السوداء» حيث استجوب محققو «سي آي إيه» السجناء وعذبوهم، كان هناك عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» حاضرين أيضا. ولأن هؤلاء العملاء تم تدريبهم لإجراء استجوابات قانونية (أي بدون تعذيب) يمكنها أن تتحمل التدقيق والتحدي القانوني في المحاكم الأمريكية، ولأن تقاليد التدريب «إف بي آي» مبنية على تقاليد الشرطة، وليس مكافحة الإرهاب أو الحرب، فقد اعترض بشدة بعض عملاء «إف بي آي» في المواقع السوداء على أساليب «سي آي إيه» العنيفة المسماه «تقنيات الاستجواب المطورة». لقد شجبوا ونددوا بأساليب الاستجواب تلك لأنها تؤدي لنتائج عكسية ولأنها خاطئة أخلاقيا.

ليس هناك أي سر حول هذه السلسلة من المعارضة داخل الحكومة حول برنامج «سي آي إيه» للاستجواب. ولم يعرب فقط عملاء «إف بي آي» عن قلقهم، ولكن فعل ذلك أيضا بعض ضباط «سي آي إيه» خاصة حول أسلوبي «الإيهام بالغرق» و«الحرمان من النوم»، كما وصفهما بالتفصيل محقق مكتب التحقيقات الفدرالي السابق علي صوفان في كتابه لعام 2011 المعنون «الرايات السود: قصة هجمات 11 سبتمبر من الداخل والحرب ضد القاعدة». صوفان يتذكر حديثه بأسى مع ضابط «سي آي إيه» حول استخدام «تقنيات الاستجواب المطورة» والذي قال له: «هناك اتفاقيات جنيف بشأن منع التعذيب. الأمر لا يستحق خسارة ضميري». صوفان يصف أيضا مجادلة بينه وبين محقق «سي آي إيه» حول ما إذا كان التعذيب يمكن أن يؤدي لمعلومات موثوقة من المنظرين الإسلاميين الصلبين. وعندما تباهى المحقق بأنه يستطيع أن يروض أي سجين من القاعدة ويجعله «مطيع تماما»، أجاب صوفان: «هذه الأساليب لا تعمل مع المعتقلين الملتزمين بالموت من أجل قضيتهم.. مثل هؤلاء الناس مستعدون لتحمل التعذيب والضرب المبرح. إنهم يتوقعون أن يفعل بهم اللواط وأن يغتصب بعض أفراد أسرهم أمامهم! هل تعتقد حقا أن تجريده من ملابسه وأخذ كرسيه سيجعله يتعاون؟»

لا شيء من هذا النوع من الجدل الإيجابي «ضد التعذيب» متاح لمشاهدي فيلم «زيرو دارك ثيرتي» لأن هذا الرأي المعارض بقوة للتعذيب (وهو رأي حقيقي وقد حدث بالفعل) يمكن أن يقوض تماما دراما وإثارة الفيلم. التعبيرات الوحيدة عن الندم ووخز الضمير بشأن التعذيب التي صدرت من شخصيات «سي آي إيه» في الفيلم كانت غامضة ولحماية الذات. المحقق دان (لعب دوره الممثل جيسون كلارك)، يرثي لحاله بتبرم عندما عاد إلى مركز «سي آي إيه» في أمريكا، لأنه «فقط» شاهد العديد من الرجال العراة، ولأنه يخشى أن تتغير البيئة السياسية في واشنطن التي هيئت له حالة متساهله ليمارس طقوسه السوداء في التعذيب وتتبدل لتنقلب ضده.

كسينما، مشاهد التعذيب في الفيلم كانت عنيفة ومثيرة في نفس الوقت. وكان من الواضح أن إذلال عمار يقصد به عمل صدمة لإثارة المشاهد ولكن سوء معاملته كانت بالكاد أكثر قسوة من ما يتم عرضه بشكل روتيني على الشاشة التلفزيونية لبرامج مثل (هوملاند) أو (24). يتم تجريد عمار من ملابسه ليصبح عاريا ولكننا نراه فقط من الخلف. ثم نسمع مايا ودان يقولان عند نقطة ما إن عمار فقدت السيطرة على أمعائه، ولكننا لا نرى شيئا من هذا الإذلال مباشرة.

مشاهد التعذيب في الفيلم تختلف عن ما هو معروف وموثق في ناحيتين. لقد خلط بوال وبيغلو بين علوم الإستجواب التابعة لـ «سي آي إيه» المسماه «تقنيات الاستجواب المطورة» مثل أسلوب «الإيهام بالغرق» مع الأساليب البهيمية المنفلته للتحقير في أماكن مثل «أبو غريب» و «غوانتانامو». دان يضع طوق كلب في رقبة عمار ثم يسحبه وراءه في غرفة التعذيب في عمل من أعمال الإذلال والتحقير، ولكن هذا الأسلوب المعيب والأهوج ليس من ضمن أساليب «سي آي إيه» المعتمدة (رسميا).

والأهم من ذلك هو أن «زيرو دارك ثيرتي» يتجاهل كل ما هو موثق عن الكيف التي أصبح أصبح فيها التعذيب «عاديا» وروتينيا في بعض المواقع السوداء. ويشير تقرير أعده جون هيلجيرسون المفتش العام السابق لـ «سي آي إيه» ورفعت عنه السرية جزئيا إلى أن الأطباء من قسم الخدمات الطبية في «سي آي إيه» حضروا جلسات تحقيق وأخذوا العلامات الحيوية للسجناء للتأكد أنهم كانوا بصحة جيدة بما يكفي لمتابعة التعذيب!!! وكتب ضباط «سي آي إيه» – بدون مشاعر - برقيات ومذكرات لوصف ما يجري في جلسات الاستجواب «المطورة» تلك. وسجلت أشرطة فيديو ورقمت. وربما كان تصوير روتين الـ «سي آي إيه» البيروقراطي للتعذيب على الشاشة هذا سيشكل صدمة أكثر من صدمة الكليشية المعتادة للتعذيب التي يفضلها صانعي الفيلم.

«زيرو دارك ثيرتي» يفشل في نهاية المطاف كصحافة لأنه يتبنى اختصارات (في الرواية لتجاوز الإحراج) سيجدها معظم صحفيين غير مهنية. ومنذ فضيحة الصحافية جانيت كوك في صحيفة واشنطن بوست (التي فبركت قصة صحافية مؤثرة) فصاعدا والمحررون وأساتذة الصحافة يحذرون من مخاطر استعمال شخصية «مركبة» يمكنها أن تشابه أناس حقيقيين. مثل هذه الشخصيات المركبة (التي يوجد فيها خصائص أكثر من شخص) قد توفر إمكانية مقبولة لعمل أدبي، ولكنها أيضا تزوير. «زيرو دارك ثيرتي» يعزز هذا الرأي. كاتب السيناريو بوال قال لنيويورك تايمز إن عمار الذي كان أكثر شخصية من تنظيم القاعدة وضوحا في الفيلم كان في الحقيقة شخصية مركبة وسماتها مشتقة من عدد من معتقلي القاعدة في المواقع السوداء.

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة