Culture Magazine Thursday  30/05/2013 G Issue 408
قراءات
الخميس 20 ,رجب 1434   العدد  408
 
الغزل العذري الأندلسي
زياد بن حمد السبيت

 

سعيد بن جودي (إنَّ كلَّ لذةٍ هي ذاتها كل خير، إلا أنه لاينبغي أن نبحث عن كل اللذات)

أبيقور

وبما أن العشق ينقسم بحسب لذاته إلى حلال وحرام بين عذري لذته حلال نبحث عنها وصريح فاضح حرام لا ينبغي أن نبحث عنها فالحلال بيّنٌ فيه والحرام كذلك بيّنٌ، ولعلَّ ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحميّر تعبّر عن العذري الحلال حين سألها الحجاج بن يوسف : هل كانت بينكما ريبة قط؟ أو خاطبك في ذلك قط؟ فقالت : لاوالله أيها الأمير إلا أنه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننتُ أنه خضع فيها لبعض الأمر فقلت له:

وذي حاجةٍ قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ماحييت سبيلُ

لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونه

وأنت لأخرى فارغ وخليل

وهذا ما يتميز وينفرد به أصحاب الغزل العذري عمن سواهم من أصحاب الفضائح بألا يتماسا مهما كانت الأسباب والمسببات، وأما الصريح فشعراؤه معروفون بسيماهم وإن كان بعضها من نسج خيال الشاعر نفسه إلا أن هناك من صرَّح عن تجربة خاصة في قصائد شهوانية فاضحة كامرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وأُفيد الشاعر الروماني في كتابه فن الهوى، ولم تكن حاضرة الأندلس بمنأى عما يحدث في المشرق من تطور فكري وسياسي واقتصادي وإن بَعُدت الشُّقّة فلها نصيب وافر من المحاكاة والإبداع وبما أن أكثرهم من عرب الفاتحين فإن غلبة اللسان قد أحكمت قبضتها على أهل البلاد من القوط والبربر، فالغزل العذري العفيف الذي اشتهر به قيس مع ليلى وجميل مع بثينة وكُثّير مع عزّة قد خبأ تحت عباءته الكثير من العشاق العذارى الذين لم يكن لهم حظ في أن يسهب التاريخ في ذكرهم وذلك لقلة نتاجهم أو قِصر أعمارهم، وسعيد بن سليمان بن جودي أحد القادة الأفذاذ الذين لم يسهب التاريخ ذكرهم وأمير جيش الناصر الذي أجمع المؤرخون على علو همته وكرم محتده، وجوده ونجدته ،وشجاعته وبسالته، كابن الخطيب والمقّري وابن الآبار وغيرهم وهو إلى ذلك شاعر الغزل العذري الأندلسي قد لا يعرفه الكثير لأنه مقل بحكم جنديته إلا أنه يعتبر سيد الشعر الغزلي العذري قبل ولّادة وابن زيدون والمعتمد اشتهر بحب فتاة جارية اسمها (جيجان) هام بها عشقاً وحباً عذرياً خالصاً حتى قال فيها:

سمعي أبى أن يكون الروح في بدني

فاعتاض قلبي منه لوعة الحزن

أَعطيتُ جيجان روحي عن تذكرها

هذا ولم أرها يوماً ولم ترن

كأنني واسمها والدمع منسكبٌ

من مقلتي راهب صلى على وثنِ

هذا وهو لم يرها!! وقيل إنه رأى يدها فقط فأحبها وعشقها وظل مخلصاً في حبه يذكرها ويتطلّبها من كل وجه فتتمنع عليه حتى دبّ اليأس في قلبه فغرق في لذات العيش ولهوها فبدت الرغبة في حبها تخفت شيئاً فشيئاً وهذا ما ذهب إليه آرنست بلوك بأن سلبية الرغبة تقترن بمجرد الأمل، وجيجان أصبحت مجرد أمل فقال:

جريت جري جموح في الصبى طلقاً

وماخرجتُ لصرف الدهر عن طلقي

ولا انثنيتُ لداعي الموت يوم وغى

كما انثنيتُ وحبل الحب في عنقي

فهو لا ينثني في المعركة خشية الموت ولكنه انثنى للحب الذي لازمه في عنقه فلا ينفك عنه. ولسعيد مقطعات غزلية مليحة يقول في جارية اعتراها الخجل فاطرقت ونظرت إلى الأرض ولم تنظر إليه:

أمائلة الألحاظ عني إلى الأرض

أهذا الذي تبدين ويحك عن بغض

فإن كان بغضاً لستُ أهله

ووجهي بذاك اللحظ أولى من الأرض

قُتِل سعيد بن سليمان بن جودي في ظروف غامضة كحال كثير من الشعراء الفرسان العشاق الذين تيمهم العشق وأضلهم ولكنه يعتبر ملهم شعراء الحب التروبادوري الغزلي في شمال الأندلس والشعر المورسكي الأندلسي في القرون الوسطى وأسطورة الحب العذري الذي لم ير من محبوبته سوى كفها فرثاه المقدم بن المعافى بأبيات جميلة وكان سعيد ضربه يوماً لأمرٍ ما فقال:

مَنْ ذا الذي يُطعم أو يكسو

وقد حوى حِلف الندى رَمْسُ

لا اخ ضرَّت الأرضُ ولا أورق ال

عودُ ولا أشرقتِ الشمسُ

بعد ابن جوديّ الذي لن ترى

أكرمَ منه الجنُّ والإنسُ

فقيل له : أترثيه وقد ضربك؟ فقال: والله إنه نفعني حتى بذنوبه، ولقد نهاني ذلك الأدب عن مضار جمّة كنتُ أقعُ فيها على رأسي أفلا أرعى له ذلك؟ والله ماضربني إلا وأنا ظالم له، أفأبقى على ظلمي له بعد موته؟!!

الاحساء

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة