Saturday 01/02/2014 Issue 426 السبت 1 ,ربيع الآخر 1435 العدد
01/02/2014

خمس روايات سعودية

الرواية من أكثر فنون الأدب جاذبية لما تتيحه لقارئها من إحساس بحيوات أخرى، وهي تروي له من التجارب ما يثري عقله ويثير خياله، وربما دعته إلى قراءتها قراءة تتلمس علاقتها بالبيئة المنتمية إليها أو المنتمية إليها شخوصها والأحداث المتضمنة، وقد تكون قراءة ناقدة لشرائط وفائها بفن القصّ من بناء وحبكة، وسرد وحوار، ثمّ هناك قراءة لغوية تعالج الرواية بصفتها نصًّا لغويًّا إبداعيًّا ولهذه القراءة جوانب مختلفة ومداخل متعددة؛ إذ يمكن بهذه القراءة سبر طرائق كتّابها في نظم تراكيب جملها والتصرف في ترتيب عناصرها، ومدى الوفاء بأغراضهم بحسن تخيّر ألفاظها، ومن هذه المداخل معرفة جوانب مما يعرض لهذه الرواية من خلل في أدائها اللغوي سعيًا وراء تجويدها، وليس ما يعرض للرواية من ذلك خاصًّا بها بل هو أمر قد يعرض لكل فنون الكتابة الأدبية وغير الأدبية، فبعض ما نعدّه من الأخطاء اللغوية الشائعة نجده في الرسائل العلمية التي يكتبها طلاب اللغة أنفسهم وكذلك قد نجدها في كتب أساتذة اللغة أيضاً تعودوا استعمالها فغاب عنهم وجه الخطأ فيها.

من الروايات السعودية التي قرأتها (الحمام لا يطير فوق بريدة) ليوسف المحيميد، وهي تتناول أثر ما سمي الصحوة الدينية التي كانت بعد الانتكاسات العسكرية العربية وخيبة آمال الشعوب في حكوماتها، وكان أن زادت الرقابة الدينية على أفراد المجتمع و(الحمام) الذي يرمز بطيرانه إلى الحرية صار (لا يطير فوق بريدة) بوصفها نموذجًا للتشدد في تلك الرقابة، وتحكي الرواية مشاهد متكررة قد تبعث على الملل لمغامرة شاب مع نساء حتى يقع في قبضة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتطرق لبعض الممارسات المحسوبة على الدين والتدين ليبين آثارها السيئة، والرواية أميل إلى لغة التقارير الصحفية منها إلى لغة الفنّ الأدبي إن نحن وازنّاها بروايات محمد حسن علوان (طوق الطهارة) التي تناولت مضمونًا مشابهًا وروايته (القندس)، وأما (طوق الطهارة) فتكاد تكون امتدادًا لروايته الأولى (سقف الكفاية) حيث كانت مغامرة بطل الرواية دائرة في إطار العذريّة والطهارة، ولكن طوق الطهارة ينكسر في الرواية الثانية منذ يتعرض البطل للتحرش الجنسيّ في المدرسة حتى إذا شبّ ودخل في علاقة حميمة بقريبة له عرفها في طفولته حتى أفضت العلاقة إلى القران؛ ولكنها خذلته بتخليها عنه مضحية به وبالجنين المتكون في أحشائها لتعود إلى زوجها السابق مغلبة عاطفة الأمومة لتبقي على ابنها منه، وكان أن دفعه هذا للدخول في علاقات محرّمة أخرى بعد انكسار طوق الطهارة والدخول في أزمة نفسية ألجأته إلى مراجعة طبيب نفسي، وأما (القندس) فهي رصد لتحولات شخوص الرواية المحيطين بالبطل الراوي، ويستفيد علوان ببراعة شديدة بملامح تصرفات هذا الحيوان المائي وبشكله الجسدي ليصور بيئة الرواية وعلاقات أفرادها، ويمتاز محمد حسن علوان بقدرة بيانية مدهشة؛ إذ تحتفل لغته بألوان المجاز والتشبيه والكنايات والاستعارات بطاقة خلاقة تذكرنا بالكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، ومن الروايات الجياد رواية (خاتم) لرجاء عالم، وهي رواية تصور لنا شيئًا من البيئة المكيّة في فترة تاريخية قبل توحيد المملكة، وهي تذكرنا ببعض أعمال نجيب محفوظ و(خاتم) اسم مشترك بين الذكور والإناث وأريد له أن تتسمى به الشخصية المزدوجة في حياتها الاجتماعية، والخاتم ما ليس بعده شيء والخاتم قد يكون من الحجارة الكريمة التي احتفلت الرواية بتفاصيل تجارتها، كما نجحت الرواية بتصوير جوّ روحاني فيه سمو الدرس الديني والتلاوة من جهة وجمال الموسيقالآخذة بالألباب المخالطة لمشاعر خاتم مخالطة تمتد إلى الجسد، وتتصف لغة الرواية بشيء من الغموض ومن خصوصية المصطلحات المحلية التي قد لا يدركها غير المكيّ، وآخر الروايات هي (حوجن) لعباس إبراهيم وهو اسم لجنيّ هو بطل الرواية، يقدم الكاتب رؤية عن عالم الجن تفارق المعتاد في أذهان الناس وهو يشير إلى ما يصاحب ذلك من شعوذة واستغلال لضعف مشاعر الناس، والرواية تشد قارئها بتتابع الأحداث وخصب الخيال وهو ما جعل إقبال الشباب عليها شديدًا، أما لغتها فتعتمد على العامية في الحوار، وهي على الرغم من ذلك ليست في مستوى الروايات الأربع السابقة.

- الرياض