Saturday 01/03/2014 Issue 430 السبت 29 ,ربيع الثاني 1435 العدد
01/03/2014

أزمة المسرح السعودي: ياسر مدخلي

صدر هذا الكتاب عام 2007م عن دار ناشري للنشر الإلكتروني وهو يقع في مائة وست صفحات في فصلين وستة أبواب في كل باب تحدث فيه عن أزمة من أزمات المسرح السعودي أو إشكالاته ففي الباب الأول الذي جاء تحت عنوان (أزمة الأدب المسرحي) عرَف المؤلف فيه الخطاب المسرحي بأنه خطاب لغوي مؤجل كما يسميه بعض النقاد ويعني ذلك بأنه خطاب حرفي في كونه أنجز كأدب مكتوب، وصوتي في كونه كلام على ألسنة الممثلين يسمعه الحضور لأن المسرحية كتبت لتعرض. وينتقل الكاتب مباشرة للدخول في أولى الأزمات التي تعترض الأسلوب الأدبي وهي جدلية العامية والفصحى في الكتابة للمسرح، ثم يقدم عرضاً وصفياً لصفات الأسلوب النموذجي للكتابة المسرحية والذي يرتكز كما ذكر على: الوضوح للإفهام متمثلاً بالدقة والجلاء، والقوة للتأثير، والجمال للإمتاع. ثم يعرض على مناحي الكتابة المسرحية: مسرح القضايا الفكرية، مسرح الشخصية، مسرح الحادثة، مسرح الوقائع التاريخية المعاصرة، مسرح الطفل، المسرح الاجتماعي، المسرح التجريبي. ثم ينتقل إلى أبرز المذاهب المسرحية كالكلاسيكي والرومانسي والواقعي والطبيعي والرمزي والتعبيري ثم يقدم نظرة عامة للمسرح المعاصر لخصها في عدة نقاط لعل أبرزها:

امتلاء العرض المسرحي بالجماليات التي تغري المتفرج حيث أصبحت السينوغرافيا بديلاً عن الكثير من الحوار وعمق الشخصيات.

ميل أكثر النصوص المسرحية إلى شكل الفصل الواحد، وقلما كتب أكثر من فصل، وذلك الفصل يكون موجزاً بشدة لأنه يقدم لإنسان يشعر بالعزلة ولا يهتم باللقاء الجماعي ويكفي أن يكون العرض ساعة في تقدير متوسط. ونختلف كثراً مع المؤلف في إقراره بأن هناك بعداً عن معالجة الأمور السياسية والاجتماعية الخطيرة لئلا يتعرض الفريق للمساءلة إلا الرمزي منها.. لأن هذا ليس قاعدة ولا يمكن القطع فيها من بلد لآخر ومن عمل مسرحي لأخر.

وفي ختام الفصل يتحدث الكاتب عن التأليف المسرحي المعاصر في المملكة العربية السعودية الذي يلخص معاناة المسرح السعودي: بضعف التأليف وما زال لدرجة أن معظم المسرحيات السعودية اعتمدت على المؤلفين العرب مما جعل المسرحيات السعودية تفقد جزأً من هويتها وخصوصيتها المجتمعية ولكن لا ينفي وجود مؤلفين سعوديين ظهروا مؤخراً وبرزت أعمالهم ولكن لم يحالفهم الحظ في النهوض بحركة مستمرة. والحقيقة أننا نرى أن هذا الكلام ينقصه الدقة فالأعمال المسرحية التي قدمت لمؤلفين عرب قليلة جداً ولا تشكل نسبة ظاهرة في مجمل الأعمال المسرحية المحلي (باستثناء المسرح المدرسي أو الجامعي) ولا يورد لنا المؤلف أي إحصائيات أو أمثلة تدعم صحة كلامه وإنما كان إنشائياً يفتقد الدقة. وقد حدد المؤلف الأطر التي ارتكز عليها المؤلف المسرحي السعودي بـ: المسرح المدرسي، المسرح الاجتماعي، المسرح التجريبي، المسرح التجاري.

في الباب الثاني الذي جعله المؤلف (ياسر مدخلي) بعنوان أزمة النص المسرحي حيث يذكر أنه على الرغم من العمر الطويل للمسرح ومروره بمدارس وتجارب وتراكمات وبيئات مختلفة والتقدم التقني وجهاد منضومات العناصر الأخرى كالإخراج والتمثيل والصوت والإنارة والديكور والملابس والموسيقى والسينوغرافيا والمكياج والإيماء والرقص والفضاء المسرحي والأشخاص العاملين فيه من أجل إبراز أهمية أدوارهم وسعيهم للحصول على حقهم في طرح رؤاهم جعل النص المسرحي يتراجع ويتخلى تدريجياً عن الكثير من مسؤولياته القديمة وأن يكون ديموقراطياً في تقبل حضور العناصر الأخرى حتى صار النص مجرد عنصر من عناصر المسرح الأخرى. و يختصر المؤلف أسباب ظهوره أزمات النص المسرحي في المملكة نتيجة ركود الحركة المسرحية، ولأن النص المكتوب غالباً لم يكتب على أسس صحيحة، أو لأن المنتجين والمسئولين لم يقدموا الدعم الكافي للقلم السعودي. ثم يقدم الكاتب خلال هذا الفصل جزءاً تعليمياً تثقيفياً حول كتابة النص المسرحي من حيث التكوين التنظيمي (شكل كتابة النص على الصفحات كيف يكون الكتابة الوصفية للمشهد والمنظر، وكيف يجتب الحوار ) وكذلك من حيث التكوين الأدبي حيث يقدم عرضاً لعناصر النص المسرحي المعروفة، وقواعد التأليف المسرحي.

في الباب الثالث الذي خصص المؤلف للحديث عن أزمة الإعداد: حيث يجيب في مطلع الفصل على السؤال هل الإعداد أزمة ؟ بنعم لأن النص المسرحي في أغلب أحواله يحتاج إلى إعداد وفن الإعداد معطل في مسرحنا المحلي ويجهله الكثيرون، وهذا الفن يعد أدباً آخر وأزمة أخرى من أزمات المسرح السعودي ويتبنى الكاتب تعريف المعجم المسرحي الذي يعرف الإعداد بـ: عملية تعديل تجري على النص الأدبي، أو الفني من أجل التوصل إلى شكل فني مغاير يتطابق مع سياق جديد ثم يقدم عرضاً تفصيلياً حول فن الإعداد وأهم مقوماته التي يجب على المعد أن يه تم بها عند تصديه لإعداد نص مسرحي مثل: قراءة النص وفهمه جيداً واستخلاص أركانه وتكوين أبعاده ومن ثم إعادة الصياغة وفق الرؤية الجديدة.

في الباب الرابع يخصصه المؤلف للحديث عن أزمة التجريب مستهله بالحديث عن مفهوم التجريب بالمسرح ثم ينتقل إلى فن التجريب بالمسرح بالعالم والمراحل التاريخية التي مر بها مؤكداً على أن التجريب في المسرح يقوم على مرتكزات أساسية ثلاثة هي:

1- وضع افتراضات.

2 - صياغة مصطلحات.

3 - خلق مفاهيم. ويقدم بايجاز نموذجين تجريبيين عالميين هما: ستانسلافسكي و بريخت بيد أنه يخطئ حيننما يعتبر مسرح بريخت يندرج ضمن مسرح العبث.

والفصل الثاني: جعله المؤلف في بابين الأول: أزمة تاريخ المسرح السعودي الذي يبدأه بالحديث عن معاناة كل من يحاول الولوج إلى عالم البحث في المسرح السعودي في الحصول على مصادر معلوماتية.. ولكنه أيضاً يقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه في عدم التحديد التاريخي الدقيق بل يخطئ في نقل بعض المعلومات التاريخية ويسهم في زيادة أزمة تاريخ المسرح السعودي حيث يذكر:

(ولكن عند النظر إلى المسرح السعودي نجد أن مسيرته المؤثرة بدأت في عام 1378 هـ تقريباً عند الشيخ صالح بن صالح في مدينة القصيم والذي عاد من إحدى دول الخليج....الخ) والحقيقة أن الشيخ صالح بن صالح بدأ في مدرسته أواخر عام 1347هـ (1927م) وأقدم إشارة إلى بوادر المسرح المدرسي بالمملكة ظهرت في مدرسته عام 1348هـ/ 1928م حسب ما ذكره الشيخ عبد الرحمن المزيد في ذكرياته التي سجلت في كتاب معلم ومجتمع، الذي أشك أنه المؤلف اطلع عليه حتى وإن أورده ضمن مصادره لأنه نقل اسمه خطأ (معلم ومبدع) وأحسب أنه نقل ذلك من كتاب الدكتور نذير العظمة (المسرح السعودي دراسة نقدية) والذي أورد اسم الكتاب خطأ (معلم ومبدع) في إشارات الباب الثاني ص 87. والصحيح أن اسم الكتاب (معلم ومجتمع). والمدخلي هنا يجسد عملياً جانباً مهماً من أزمة المسرح السعودي ألا وهي استسهال التعامل مع الإشارات والمعطيات التاريخية دون التوقف عندها والبحث في دقتها وصحتها والتأكد من ذلك. أيضاً أخطأ المدخلي حينما ذكر نقلاً عن الأستاذ محمد مليباري في إحدى مقالاته: (أن بلادنا لم تعرف المسرح غير تلك التي كان يقدمها الأستاذ عبد الله خوجه في مدرسة الفلاح بداية العهد الزاهر..) الصحيح أن الأستاذ عبدالله خوجه كان يقدم مسرحياته في مدرسة النجاح الأهلية وليس في مدرسة الفلاح. ثم يردف أيضاً الخطأ الشائع دون أن يصححه (إن أول مسرحية عرضت للجمهور في السعودية هي مسرحية طبيب بالمشعاب في الرياض عام 1373هـ وأخرجها رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون إبراهيم الحمدان...) والأستاذ المدخلي وقع هنا في ثلاثة أخطاء الأول: أن طبيب بالمشعاب ليست أول مسرحية تعرض على الجمهور في السعودية والثاني أن مخرجها الأستاذ إبراهيم الحمدان ليس رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ،، ولم يتسلم هذه المسؤولية إطلاقاً بل كان رئيساً للجنة المسرح في الجمعية فقط والثالث: أن المسرحية عرضت عام 1394هـ - 1974م وليس عام 1973م كما ذكر. ويجب أن أعيد التأكيد (حيث سبق أن أوضحت ذلك في عدة مناسبات وفي عدة مقالات ودراسات) أن مسرحية طبيب بالمشعاب والتي عرضت عام 1394هـ - 1974م لم تكن أول مسرحية تعرض للجمهور في السعودية، بل سبقها عدة مسرحيات ولكنها هي أول مسرحية تعرض على الجمهور من إنتاج التلفزيون السعودي ( تلفزيون الرياض) حيث اعتاد التلفزيون قبل ذلك انتاج مسرحيات تلفزيونية وتسجيلهاعرضها عبر الشاشة وليس على المسرح للجمهور، ومن هنا كان اللبس الذي حدث وردده الكثيرون حتى من بعض نجوم تلك المسرحية!. وفي الباب الثاني يدرج الأستاذ ياسر مدخلي عدداً من المشكلات التي تؤثر تزيد من أزمة المسرح السعودي وهي: دور العرض، منافسة التلفزيون، عدم توفر المجال أكاديمي للدراسة في هذا المجال، عدم وجود فرص عمل في مجال المسرح، غياب الشرعية الرسمية، الصراع بين النخبوية والتهريج، العادات والمعتقدات.

ويختم المدخلي كتابه برسالة خاصة يوجهها للمسرحيين: (المسرح ثوب مستعار، ولكي نرتديه ويظهر بشكل جميل أخاذ يجب علينا تنسيقه بما يناسب أجسادنا، وذلك في أطر منها الدين وخدمة الوطن وحاجة المجتمع، وتقننه العادات والتقاليد السليمة والمعتقدات الصحيحة فيا أيها المؤلف.. المخرج.. الممثل.. المنتج لا تفقد هويتك العربية الإسلامية باتباعك نمطاً حتى ولو سبقنا بخطوات فالنهوض بقوة لا يكون إلا بالثقة والاعتزاز فنحن أدرى بما نريد) وهي من وجهة نظري رسالة مهمة وخاتمة جميلة من المؤلف لكتابه (أزمة المسرح السعودي) والتي أيضاً تكمن في الثقافة المسرحية وهي المضمر الذي لم يقله الكاتب مباشرة وإنما قاله بين ثنايا فصوله وموضوعاته.

- عنيزة ssaliss2007@hotmail. com