Saturday 01/03/2014 Issue 430 السبت 29 ,ربيع الثاني 1435 العدد
01/03/2014

أثر الروافد الثقافية في التنظير النحوي

تأتي هذه الرسالة التي كتبها الدكتور سعد بن عبدالله بن عبدالرحمن المحمود لتلقي الضوء على جانب مهم من جوانب نحو العربية الذي اشتهر فيه ما شجر بين علمائه من خلاف منذ عرف النحو وما زالت قضاياه مثار بحث وتأمل الباحثين، وإن جملة من أسباب ذلك الخلاف مرده إلى تأثر كل نحوي بما صبّ في ثقافته من روافد مختلفة جعلته مختلفًا في تلقيه مختلفًا في نظره إلى الظواهر اللغوية ووصفها وتفسيرها، والنحو قد شارك في جدله وصياغة محتواه فقهاء ومفسرون وأصوليون وذو ثقافة فلسفية، ومن هنا تعددت الروافد الثقافية التي وفق الباحث النجيب إلى صياغة جوانبها في أربعة فصول، جعل الفصل الأول لأثر الروافد الثقافية في أصول النحو بغض الطرف عن الاختلاف أو الاتفاق في تلك الأصول، فكان الكلام عن أول أصول النحو وهو السماع وما يتعلق به من اتصاف المسموع بالتواتر أو الآحادية، وكونه مرسلا أو مجهولا، والموقف من مصدر المسموع حيث الخلاف في من يسمع منه ومن يترك، والقول في طرائق التحمل والأخذ، وأما الأصل الثاني وهو القياس فكان التتبع لأثر الروافد الثقافية فيه عند أبرز من نظروا له وهم ابن جني والأنباري والسيوطي، وما يتصل بذلك من حديث عن العلة عندهم، وأما الأصل الثالث عند من يعده أصلا وهو الإجماع فكان الوقوف على أثر الروافد الثقافية في الموقف من حجيته، ويأتي القول في أثر الروافد في الأصل الرابع وهو استصحاب الحال الذي يعد من أضعف الأدلة حتى عند من يعده من الأدلة المعتبرة، ومن الأدلة الأخرى الاستحسان، وللروافد الثقافية أثرها في ما يتصل بذلك من تعارض الأدلة أو ترجيحها، وانتقل الباحث بعد هذا في الفصل الثاني إلى أثر الروافد الثقافية في المصطلح النحوي وما يتصل بذلك من طرائق التأليف، وإن كانت أصول النحو هي منبع التقعيد والمصطلحات أدواته فإن من المنطقي أن يكون الفصل الثالث وقفة عند أثر الروافد الثقافية في القواعد النحوية والأحكام، وإن كانت القواعد معتمدة في تنظيرها على الأصول فإنها معتمدة في حجيتها وبيانها على الشواهد المؤيدة والأمثلة المفسرة المبينة؛ ولذلك كان الفصل الرابع كشفًا عن أثر الروافد الثقافية المؤثرة في تلك الشواهد في إنشادها وفي صوغ تلك الأمثلة أيضًا.

استطاع الباحث بعكوفه على عدد كبير من المصادر والمراجع التي أحسن التنقيب فيها واستخلاص ما بنى عليه نسيج بحثه وما انتهى إليه من نتائج ختم بها بحثه الرائع، فأشار إلى أثر الرافد الفقهي في صياغة أصول النحو وإن تكن تلك الأصول متمثلة منذ كان النحو قبل تدوينه، ولكن الصياغة الواضحة عند ابن جني ثم الأنباري تبرز هذا الأثر الفقهي، وكان للحديث وطرائق تلقيه أثره في الموقف من المسموع، وكان للاتجاه العقدي والمذهب الفقهي أثره الواضح، ولم يكن التنظير بمبعدة عن تأثره بالحياة الاجتماعية والسياسية.

إن هذا العمل يكشف لنا بجلاء كيف استوى هذا النحو حتى وصل إلينا بعد تفاعل رواده واجتهادهم الذي هدوا إليه، وهو أمر يدفع عنه شبه استيراده من بيئة غريبة عنه وفرضه على نظام هذه اللغة، ولم يتبين أن من روافده ما هو غريب عن الثقافة النشطة إبّان الازدهار العلمي الذي رافق الاهتمام بتلقي الكتاب المنزل وتدبر آياته والاحتجاج لها، وما نشط إليه العلماء من جمع ما وصل إليهم من الثقافة العربية الشفاهية العريضة التي لو قدّر جمعها لكانت أمرًا هائلًا؛ ولكن العرب لم تكن أمة تدوين ولا كتاب فضاع من تراثها ما ضاع على نحو ما يضيع من تراث بيئاتنا المحلية الحاضرة اليوم في خضم اكتساح العولمة واقتحام الثقافات الأعجمية وغزوها مجتمعاتنا في عقر دارنا باختيار منا وتمكين لا بصيرة تقوده.

- الرياض